سليمان محمد /جديد انفو

يبدو أن الرباط تحبُّ الأمازيغ حباً جماً، حنوناً رقيقاً، لطيفاً ودوداً، أشبه بحب الأم لطفلها المريض، وأكثر حرصاً على راحته؛ فلا تريد منهم أن يتعبوا، ولا أن يحملوا عناء المسير، ولا أن يواجهوا حرارة ما قبل الظهيرة التي كانت مرتفعة وحارقة، ولا أن تهتز عضلات أقدام المتعبات والمتعبين، من بنات وأبناء الحركات الأمازيغية الأبرار، وتخشى عليهم من عناء جوب الشوارع المحروقة احتراق الملفات والقضايا في الغاصمة الإدارية. ولهذا السبب، ولأجل راحتنا الشخصية، قررت السلطات أن تمنع مسيرتنا، في ذكرى 20 أبريل التي تخلِّد ذكرى الربيع الأمازيغي، "تافسوتْ نْ إمازيغْن، لما خرجت الآلاف من الحناجر، في مدن "تيزي وزو"، و"تيزي نايث عيشة"، و"تيقزيرت نايث مزغنة"، بمنطقة القبايل الجزائرية سنة 1980، لتطالب بالحقوق الهوياتية والثقافية للشعب الأمازيغي، والاعتراف الرسمي بالهوية الأمازيغية. وبهذا، حوّلت السلطات الأمنية في الرباط النضال إلى استراحة قصيرة، والمسيرة إلى وقفة محتشمة بباب الأحد، لما طوقت القادمين من كل حدب في حلقة صغيرة، كما يطوق الصياد الأسماك في شباكه.

كم هو جميل هذا الحرص الأبوي على راحتنا، وتجنيبنا تعب المسير، مع تعب السفر. لكننا تفاجأنا لما أدركنا أننا كنا واهمين باعتقادنا أننا في دولة ديمقراطية. أو ربما نحن كذلك، فدولتنا رحيمة بنا، عطوفة علينا، وأكثر حناناً من أن تسمح لنا بالتعبير عن أنفسنا، ونحن لسنا في حاجة إلى ذلك؛ فحريتنا خطيرة على صحتنا، ووضعنا الاجتماعي بخير في الدولة الاجتماعية.

ومن سخرية القدر، أنه في اليوم نفسه، خرجت جموع بالمئات في مسيرات لدعم القضية الفلسطين، وقطعت المسافات نحو ميناء طنجة المتوسطي، بكل حرية وطمأنينة. ربما لأن السلطات تعلم أن الدفاع عن قضايا بعيدة، هو تمرين صحي آمن، ومُرحّب به، ما دام ورقة للعب على أوتار متعددة، في السياسة الدولية. بينما الدفاع عن جذور هذا الشعب، وهويته الضاربة في عمق الأرض، وتشهد عليها أسوار المدينة القديمة في الرباط، مجهود خطير على النظام العام، وقد يؤدي إلى أضرار جانبية خطيرة، تنقل أمراض حرية التعبير، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، والكرامة.

ولا يعني هذا أنني ضد طرف ما في التعبير عن رأيه، كما أنني لست ضد التضامن مع الشعب الفلسطيني، وكل الشعوب المستضعفة، ولا أقبل الإبادة التي يتعرض لها الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، وما يجاورها، فلا عاقل يقبل ما يحصل هناك. لكنني ضد الكيل بمكيالين فقط.

لقد جربوا معنا كل القوالب الجاهزة؛ فمرة نحن انفصاليون، ومرة ناشرو الفتنة، وثالثة يلصقون بنا صفة "العملاء"، وأحياناً يعتبروننا مجرد مجموعة من "المزعجين الذين لا يحترمون أولويات الوطن". في حين أن الوطن، ويا للعجب، لا يُعترَف -فعلياً- حتى بوجودنا، إلا حين يحتاجون إلى تزيين لوحات الإشهار بشيء من الزخرفة الأمازيغية، أو اعتمادها صمن خطابات شعبوية، أو انتخابية.

إن الحقيقة المرّة هي أن التضامن المستورد مرحب به دوماً، بينما التضامن مع الذات، مع لغتك، مع تاريخك، مع كرامتك، يُصنف تلقائياً ضمن ملفات الفتنة والتفرقة.