زايد جرو/ جديد أنفو
حمل الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد أسلوبا جديدا من المعاينة الشخصية لما يجري في البلاد، وأحدث ثورة تقدمية في كيفية تدبير الشأن السياسي والتنموي بها، والخطاب رؤيا مبنية على ترسيخ الحكامة والمحاسبة والنقد الذاتي لحكم مدته 15 سنة، حيث ولد قراءات عميقة خصبة من المهتمين بالشأن الوطني والدولي ، وأحدث ضجة فكرية كبرى لدى المواطن العادي الذي ينتظر الاستفادة بشكل مباشر، وعن قرب، وبأسرع وقت من الثروات الخفية والجلية ، ولا حديث على صفحات الجرائد الإلكترونية والورقية، وعلى الشاشات الوطنية والعالمية، إلا عن الشق المتعلق بالرأسمال المادي واللامادي للمغرب، ولا حديث أيضا بشكل موسع إلا عن السؤال الجريء المطروح : ما حظ العباد المغاربة من ثروات البلاد؟ .
السؤال فيه مساءلة عن الرأسمال الضائع من الاحتياط الكبير من الثروات الوطنية المهدورة، فمنذ خروج المستعمر خُُلقت إشكاليات كبرى في آليات الصراع الطبقي في المجتمع المغربي، فبعدما كان العدو المشترك زمن الحماية محددا، وكان الإجماع الوطني حول ضرورة محاربته وإجلائه من أجل الحرية والوحدة والتوحد والهوية التي ناضل من أجلها مغاربة أشداء أقوياء فوق الجبال، ولقنوا الدروس التي ما بعدها دروس للمستعمر في بوكافر وبادو وتافلالت بالجنوب الشرقي، ففي زمن الاستقلال نسخ سؤال التفاوت الطبقي الذي حمل مشعله الكادحون والمقهورون والمهمشون سؤال الهوية والانتماء، لأن آليات الصراع تشعبت وكثر أعداء الديمقراطية، فبدأت محاسبة خلفاء وحلفاء الاستعمار الذين استفادوا من خروجه، واستمر هذا الصراع لحد الساعة حيث تزداد الفوارق الاجتماعية يوما بعد يوم في بلد غني لايدري عن قصد أنه غني.
فصورة الاحتقار والنسيان التي يعيشها معظم ساكنة المغرب الشرقي العميق جعلها تطرح منذ مدة سيلا من الأسئلة : ما حظها من الثروات المعدنية التي خزنها الخالق بين الجنادل لهم، ولا يستفيدون منها إلا في إطار عقد الاستغلال الهزيلة ؟ فأين حظ ألنيف من معدن بونحاس، وأين حظ تنغير من معدن إميضر، وأين حظ مرزوكة من معدن شايب راس ، وحظ مزكيدة من الرخام من مقالع الكاريان ، وقس على ذلك كل الثروات بباقي مناطق المغرب، فالدرس الذي يجب أن تستوعبه الحكومة أن الشعب المغربي سيحاسبها دون هوادة خلال الانتخابات القريبة عن ردود فعلها ومدى سمعها واستماعها واستجابتها لما أمر به صاحب الجلالة .
فالحكومات السابقة والحالية احتقرت الجنوب الشرقي إلا من بعض الإصلاحات داخل الأقاليم، في حين بقيت المناطق الجبلية مهمشة وكبار السن يعانون من المرض والجوع والعري والعطش، فحظ الساكنة من الثروات المادية هو تتبعها بالعين للشاحنات التي تمخر الجبال وتحفر الحفر في الطرقات، لنقل هذه الثروات نحو أصحابها، أما الإرث اللامادي الذي تزخر به المنطقة من قصبات ومواقع أثرية وطبيعية، فهو لأباطرة السياحة الذين يشترون "إغرمان" بأثمنة زهيدة لإصلاحها ليتمدد في أسِرتها السياح الأجانب ومشجعي الفوارق الطيقية.
نحن في المغرب العميق ننادي كل محللي الخطاب الملكي أن يعلموا بان الجنوب الشرقي غني بثرواته المادية وثرواته المعنوية والحضارية والتاريخية، التي بناها الرجال والنساء والذين يتمددون حاليا كل مساء بجانب الجدران الطينية الآيلة للسقوط ، يتأسفون على الحال والأحوال منذ مشاركتهم بمتاع بسيط وغذاء خشن، في معارك باسلة تمرسوا فيها بالآفات ولم يستسلموا وقالوا بلسان واحد وبصوت جهوري أجش رغم التعذيب "عاش الملك " ومن العيب المعيب أن يكون حظهم من إرث بلدهم مرض عُضال وهشاشة عظام وكسرة خبز حافية.