أحمد بيضي - خنيفرة
عجيب أمر بعض الناس الذين يحاولون إثبات رواية «رجل أعمى عثر على قط أسود في الظلام»، وينطبق هذا المثل العبثي على أشخاص من تيغسالين، إقليم خنيفرة، لم يخجلوا من الخروج ب «بيان حقيقة» للرد فيه على مقال «الاتحاد الاشتراكي» الصادر بجريدتنا حول فضيحة «تفويت حوالي هكتار ونصف، في ملكية مسجد، لزوجة عامل سابق على إقليم خنيفرة، ب 8 دراهم للمتر مربع»، وهي الفضيحة التي ظلت متداولة منذ 2010 قبل أن تتفجر كاملة بكل تفاصيلها وحيثياتها، وكذلك بأبطالها الذين من بينهم «أصحاب بيان الحقيقة» الذين تاجروا في أراضي بيت الله بصفة «لجنة مسجد سيدي بوعلي» على أساس أنهم يودون بمداخيل البيع ترميم المسجد المنهارة حيطانه، وقد تمكنت جريدتنا من الحصول على «عقد البيع» بطرقها الخاصة.
ومن الطبيعي أن يتساءل الرأي العام ما إذا كان «موقعو البيان» قد قبلوا ببيانهم لعب دور «الدرع البشري» للمستفيد من عملية التفويت في مغامرة شاءت الصدف أن تتزامن مع الخطاب الملكي حول الثروة، كما أن ملف عملية التفويت قد حملت وزارة الداخلية إلى إيفاد لجنة مركزية للتحقيق في ملابساتها، بناء على ما نشرته جريدتنا، ومن حق المتتبعين انتظار ما ستسفر عنه تحريات هذه اللجنة مع تخوف عام من أن يكون مصيرها أشبه بمصير تحقيقات لجنة التفتيش التي حلت بخنيفرة للتحقيق في مشاريع «مخطط تأهيل المدينة» التي تمت في عهد العامل السابق، زوج المستفيدة من عملية تفويت أراضي المسجد المذكور.
وإن كان ما يسمى ب «بيان الحقيقة» يدل على شيء فإنما يدل على أن أبطال الفضيحة لازالوا متمادين في أخطائهم، وإلا كيف «استنكروا بشدة كل ما جاء في المقال جملة وتفصيلا»، كما لو أن ما جاء في مضمونه هو من صنع الخيال، وأنهم «يرفعون احتجاجهم ضد صاحب المقال الذي نصب نفسه وصيا على سكان الدوار»، هكذا في محاولة تضليلية لإقحام عموم السكان في مشكل هم وحدهم المتورطون فيه دون غيرهم، أو لعلهم عمدوا إلى استعمال مفردات ملتوية كوسيلة للدفاع.
ولعل «تهور» الأشخاص الخمسة كان مدفوعا عندما ادعوا «أن عملية البيع تمت بعد استشارة السكان» مع أن الجميع على علم بالشكاية المقدمة للقضاء، خلال ماي المنصرم، من طرف عدد من السكان انتفضوا ضد «فضيحة بيع أراضي المسجد»، وهذه الشكاية سبق للوكيل العام إحالتها على الدرك لتعميق البحث، ويأمل الرأي العام أن تجري إجراءات التحقيق في أجواء من النزاهة والصرامة، مع ضرورة الإشارة إلى أن أوساطا من المتتبعين تشير باتجاه مسؤول بالسلطة المحلية بالقول إنه يسعى بأشكال مشبوهة للانحراف بمسار القضية وصياغة التقارير بأسلوب من المغالطات.
وكان على «أصحاب البيان» ألا يعمدوا إلى استبلاد السكان بمحاولة التستر على فضيحة اتجارهم في أراض هي في ملكية مسجد دوارهم بتلك الطريقة الفوضوية التي ينبغي ألا يفلتوا من العقاب بشأنها، وكم كانت جرأتهم عالية عندما اعتبروا تناول موضوع الفضيحة «مساسا بكرامتهم» بصفتهم «اللجنة التي وكلت لها صلاحية التصرف في تسيير المسجد وممتلكاته»، وبالصفة ذاتها «ترفض كل تدخل في شؤونها الخاصة»، هكذا بكل بساطة كما لو أن دوار «سيدي بوعلي» يوجد تحت «حكم ذاتي» أو سيطرة نظام مطوق بالخطوط الحمراء، وممنوع على الصحافة دخوله.
والغريب أكثر أن الأشخاص الخمسة، يستنكرون تارة ما ورد في المقال، وتارة يعترفون ب «أنهم قاموا فعلا ببيع القطعتين الأرضيتين للقيام بإعادة بناء المسجد الذي انهارت حيطانه»، والمثير للسخرية أكثر أن أصحابنا الخمسة لم تكن لهم الشجاعة الكافية لتحديد هوية المشتري، فقط عمدوا إلى تسميته ب «الشخصية المعنية»، والتي لم تكن سوى زوجة العامل السابق على إقليم خنيفرة، وبإيعاز من زوجها، بدعوى أنها «الجارة الوحيدة للبقعتين»، مع الإشارة إلى أن إحدى البقعتين يحدهما من إحدى جهاته عقارا في ملكية زوج المشترية، المسؤول الأول السابق على الإقليم الذي يكون قد استعمل نفوذه المعروف.
والمؤكد أن المسخرة بلغت ذروتها في ادعاء الأشخاص الخمسة أن البيع تم «بثمن يناسب السعر المتداول آنذاك»، حسب قولهم، وكأن عملية البيع تمت في سنوات العشرينيات من القرن الماضي، أو أن الملاحظين لا يفقهون شيئا في العقار، إذ أن الثمن المهزلة هو أقل بكثير من القيمة الحقيقية بالمقارنة مع السومة المعروفة للأراضي المجاورة، حيث تم البيع بأقل من 11 مليون سنتيم لبقعتين مساحتهما 13345 مترا مربعا، في حين قدر أحد الخبراء ثمنها بما يفوق 45 مليون سنتيم.
وبيان الحقيقة يأتي أقبح من الزلة من خلال قول الأشخاص الخمسة إنهم استشاروا المجلس العلمي المحلي، وأكد لهم «أن عملية البيع ممكنة شرعا» ما دام «المالك هو المسجد والمسجد في حاجة ماسة إلى إعادة البناء»، والأخطر من ذلك أن أصحابنا الخمسة يعترفون بجرأة زائدة «أن المسجد يوجد تحت تصرف الدوار وممثليه بطريقة عرفية منذ حوالي ثلاثة قرون»، و»يعد من أعرق المعالم الدينية بالمنطقة»، وهو اعتراف لن يحيل الجميع إلا على مساءلة الأشخاص الخمسة حول ما يبرر بيعهم لأملاك ذات تاريخ عريق، وكيف ظلت في «الحفظ والصون» إلى حين تسلطت عليها لجنتهم وباعتها في تلك الظروف التي ستظل ذكراها على كل لسان، وكل ما في الأمر يؤكد وبجلاء أن جريدتنا كانت في مستوى إيصال الحقيقة وفضح القضية.
ولا أحد إلى حدود الساعة، كما سبق قوله، عثر على تفسير واضح للملابسات التي جرت فيها الأمور ، ولا كيف تجرأ أشخاص «لجنة المسجد» على الاتجار في أراض عمومية دونما موجب حق أو قانون أو حتى وثائق غير عرفية؟، ولا كيف تمت مناقشة الموضوع والموافقة عليه؟، أو كيف تمت المصادقة على عقد البيع وتسجيله بتلك السهولة؟، ما يجعل الجميع يطرح السؤال حول مدى مصداقية «بيان الوهم» وأصحابه، ويرفع من متابعة تطورات الملف عن كتب، والذي كان بود «الاتحاد الاشتراكي» ألا تعطيه اهتماما لولا أهمية مضمونه وأهدافه والواقفين وراءه.

المصدر: جريدة