مصعب السوسي
تشهد المناطق المحيطة بمنجم «إميضر» (حوالى 400 كيلومتر جنوب شرق الرباط) حراكا احتجاجيا أتم 1100 يوم، وذلك بسبب ما يصفه سكان المنطقة باستغلال المنجم لثروتهم المعدنية إضافة إلى الثروة المائية. ورفض الشركة المنجمية تشغيل شباب المنطقة بشكل موسمي خلال فترة الصيف، كما تنص على ذلك الاتفاقية المعمول بها منذ سنوات. بينما تواجه مطالبهم بمقاربة أمنية، وسياسة الصمت والتجاهل من طرف السلطات بحسب الساكنة.
ويعد منجم إميضر من بين أكبر المناجم في إفريقيا إنتاجا للفضة الخالصة بنسبة 99 ٪ وبمعدل إنتاج سنوي يفوق 240 طن، وتستغل المنجم «شركة مناجم إميضر» وهي جزء من مجموعة «مناجم» التابعة للهولدينغ الملكي «أونا»، وبدأ استغلاله منذ سنة 1969. ويشتكي سكان المنطقة من رفض الشركة ضمان مستقبل أبنائهم طبقا لكوتا تراعي مصالح السكان المتضررين من عملية استغلال المنجم وما يسببه من تلوث لمصادر المياه مما يؤدي إلى انتشار الأمراض بين الساكنة، إضافة إلى نفوق الماشية ونقص حاد في مياه الشرب منذ 2011 بسبب الاستغلال المفرط للفرشة المائية الجوفية من طرف الشركة. ما ألحق أضرارا كبيرة بالزراعة المعيشية التي يعتمد عليها عدد كبير من السكان في معيشهم اليومي.
ولجأت الشركة سنة 1986 بعد استنزافها للفرشة المائية في موقع استخراج الفضة إلى أماكن قريبة من السكان لتزويد المنجم بالمياه، مما أدى إلى احتجاج كبير للسكان ضد مشروع حفر بئر «تاركيط»، قوبل بتدخل أمني واعتقال بعض المحتجين، ليتم حفر البئر رغما عن الساكنة، وشهد اعتصام 1996 أكبر حركة احتجاجية ضد الشركة، قبل أن يعود السكان للاعتصام مطلع سنة 2011.
ويعد جبل «ألبّان» مكان اعتصام السكان الذين يظلون عرضة للاعتقال، فقبل شهرين تم تأكيد حكم جنائي ضد 3 شبان من المعتصمين، حيث سيقضي كل واحد منهم 3 سنوات في السجن مع غرامة قدرها 60 ألف درهم (ما يناهز 7000 دولار). وقد حكم على الشباب الثلاثة في المحكمة الابتدائية بالسجن 6 أشهر مع النفاذ لكل منهم شهر آذار/مارس الماضي، بعدما اعتقلوا بداية الشهر نفسه، لكن الحكم الجنائي الجديد صدر بحقهم في 27 من أيار/مايو وهو الحكم الذي تم تأكيده في الاستئناف.
ووجهت لكل من عمر موجان (24 سنة) وإبراهيم الحمداوي (24 سنة) وعبد الصمد مادري (22 سنة) تهم «عرقلة حرية العمل وسير شركة معادن إميضر، والهجوم على منجم إميضر، وسرقة الفضة وترويجها، وعرقلة مشاريع تنموية بالمنطقة». وأوقف الدرك الملكي الشبان الثلاثة برفقة أفراد من عائلاتهم في الأول من آذار/مارس الماضي بينما كانوا متوجهين إلى المعتصم، فيما «قامت القوات المساعدة باعتقالهم بالعنف بتكسير زجاج السيارة واستعمال الغاز المسيل للدموع»،وأن «العنف أدى إلى تبادل الرشق بالحجارة»، وتم تهديد والدة أحد المعتصمين «بسلاح وظيفي كان يحمله أحد الذين أوقفوا السيارة» وفق تصريحات شهود عيان لوكالة الأنباء الفرنسية.
وينتمي الشباب الثلاثة لحركة «على درب 96» التي تنظم احتجاجات سكان قرية إميضر منذ أكثر من ثلاث سنوات ضد ما تصفه بـ»السياسة الإقصائية والتهميش الممنهج» وضد «استنزاف الثروات الطبيعية بشكل غير قانوني من طرف شركة معادن إميضر المستغلة لمنجم إميضر للفضة»، في حين لم تقدم الشركة المذكورة ولا السلطات المغربية تعليقا على ما حدث.
وقدر رقم معاملات الشركة سنة 2010 بـ 740 مليون درهم (88 مليون دولار)، وتشير وثيقة داخلية إلى أن منجم إميضر يجعل من المغرب أول منتج للفضة في إفريقيا. ويطالب المعتصمون بتخصيص 75 في المائة من فرص العمل في المنجم لسكان المنطقة، لكن الشركة اعتبرت هذا الطلب «غير واقعي».
وأورد موقع «دادس- أنفو» أن دراسة لفائدة الشركة المنجمية حول تأثير الاستغلال المنجمي على الفرشة المائية أنجزت شهر حزيران/يونيو 2004 بقياس الصبيب بالخطارات (الخطارة تقنية في مجال السقي عبر قناة باطنية ربطها بالآبار) ومقارنته بالنتائج المسجلة أثناء دراسات سابقة، خلصت إلى تسجيل انخفاضات قوية بعد أقل من سنة على بدء الاستغلال وذلك ليس بسبب الجفاف الذي لا يؤثر بشكل واضح على الخطارات. مشيرا أيضا إلى مشكل التلوث، «حيث يقول المعتصمون أن المنطقة أصبحت ملوثة كلها بمواد سامة ومسرطنة هذا وسط تكتم إعلامي».
وخلص تحقيق لصحيفة «المساء» إلى وجود تركيز عال لبعض المعادن السامة في العينات السائلة (التي أخذت من عين المكان )، تفوق المعدلات التي تحددها المنظمات العالمية لمياه الشرب والسقي، وهذا من شأنه أن يؤدي- حسب الدراسات والبحوث المتخصصة- إلى الإصابة بعدد من الأمراض. وهي الأعراض التي تختلف باختلاف نوعية المعادن التي يتم التعرض لها، وباختلاف تركيزها ومدة التعرض لها. على أن الأمر يزداد خطورة في حال تعرض التربة أيضا لمستويات عالية من تركيز هذه المعادن، فالتربة تمتص وتخزن كميات أعلى من هذه السموم. سواء تلك التي تأتي عن طريق السقي أو عن طريق الغبار الذي يتساقط عليها، «ما يقود في المحصلة إلى تلويث المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة».
ويصر سكان المنطقة على عدالة قضيتهم وعلى سلميتها، مؤكدين انعدام ثقتهم بالسلطات المحلية «لأنها لم تلتزم الحياد» وفي المجالس المنتخبة لأنها لا تمثلهم حسب قولهم، مطالبين في المقابل بتدخل مباشر من رئيس الدولة.
المصدر: القدس العربي