مصعب السوسي ( الصورة من منطقة النيف بإقليم تنغير )

ما زال خطر نقص المياه قائما يتهدد المغرب، فعلى الرغم من وجود عدة أنهار كبرى في البلاد ونهج سياسة بناء السدود منذ ستينيات القرن الماضي، فإن المغرب يظل من الدول المرشحة لتشهد نقصا في مواردها المائية في أفق عام 2020. ويشهد المغرب نموا ديموغرافيا مصحوبا تنوع للأنشطة الاقتصادية، ما يهدد احتياطياته من الثروة المائية. كما أن المتغيرات المناخية المتمثلة في الجفاف تؤدي إلى انخفاض حاد في الموارد المائية في البلاد.

وكانت شرفات أفيلال، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء، قد أكدت أن الموارد المائية للمغرب «توجد في وضعية جيدة ومتحكم فيها وهي كافية لسد جميع الاحتياجات المتعلقة بالماء الصالح للشرب أو الماء الموجه للري». مبرزة أن معدل الملء على الصعيد الوطني للسدود بلغ 57.3 في المئةإلى حدود نهاية الشهر المنصرم، وهو معدل يبقى أقل من النسبة المسجلة عام 2013. مشيرة إلى أن بعض مناطق الجنوب الشرقي وبالأساس بالعالم القروي عرفت «اضطرابات محدودة جدا» في التزود بالمياه اتخذت على إثرها تدابير وإجراءات عملية لمعالجة هذه الاضطرابات وسد الخصاص.

وتعاني مناطق عدة بالمغرب من نقص حاد أو عدم ربطها بالماء الصالح للشرب، و تشهد المناطق المحيطة بمنجم إميضر (حوالى 400 كيلومتر جنوب شرق الرباط) استنزافا للفرشات المائية بالمنطقة بفعل النشاط المنجمي المكثف لاستخراج معدن الفضة الذي تزخر به المنطقة. وقد أثبتت دراسة أنجزتها الشركة المستغلة شهر يونيو 2004 بقياس الصبيب بالخطارات (الخطارة تقنية في مجال السقي عبر قناة باطنية يتم ربطها بالآبار) ومقارنته بالنتائج المسجلة أثناء دراسات سابقة، رصد انخفاضات قوية بعد أقل من سنة على بدء الاستغلال وذلك ليس بسبب الجفاف الذي لا يؤثر بشكل واضح على الخطارات.

وتعيش مجموعة من دواوير تينسوفت آيت مزال وهي آيت داود أُحماد، أكرض نسنين، أكَني نعل، مليون، آفا، تكترت وغيرها من الدواوير التابعة لبلدية آيت باها (نحو 490 كيلومتر جنوب غرب الرباط) أزمة في الحصول على الماء الصالح للشرب. حيث تضطر الساكنة إلى بيع مدخراتها المادية والحيوانية والمعيشية قصد توفير صهاريج الماء لسد بعض حاجياتهم إليه. ويكلف ثمن الصهريج من الماء ما بين 300 إلى 500 درهم حسب السعة وقرب أو بعد الدواوير. رغم أن الساكنة قد تنازلت عن مزارعها وآبارها وأراضيها وبعض مغروساتها ومنازلها مساهمة منها من أجل انجاز مشروع «سد أهل سوس» الذي كانت تعتبر قبل 10 سنوات أنه سيكون حلا لأزمة الماء إلا أن الوضع ازداد سوء باستفادة الدواوير البعيدة، بينما بقيت الدواوير المجاورة للسد تعاني خطر العطش. وذلك على الرغم من أنه ومنذ أكثر من سنة مدت القنوات إلى هذه الدواوير وبنيت الصهاريج الإسمنتية من طرف المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، غير أن الماء لم يصل إليها إلى اليوم كما يؤكد السكان المجاورون للسد معتبرين أنهم يعيشون «العطش في الماء».
وأفاد تقرير سابق للجنة الاقتصادية لأوروبا التابعة للأمم المتحدة، بخصوص دراسة الأداء البيئي للمغرب، أن المغرب «يتوفر على موارد مائية محدودة»، ويواجه تحديات هامة في هذا المجال، موضحا أن حجم المياه، القابلة للاستغلال تقنيا واقتصاديا، بلغ 80 في المئة من الموارد المتوفرة حاليا. وأضاف التقرير أن معظم مشاكل تدبير هذا المورد الحيوي مرتبطة بإهدار موارد المياه العذبة، و»طرح المياه العادمة غير المعالجة»، مقدرا نسبة ضياع المياه بـ 35 في المئة بالمتوسط. ودعا التقرير الأممي المغرب إلى «ضمان أمن التزود بالمياه في ظل سيناريوهات تقلب المناخ في البلاد، وذلك من خلال إعداد برنامج وطني يرمي أساسا ترشيد استخدام الماء في مختلف القطاعات.

ويبحث المغرب بشكل دائم عن شركاء استراتيجيين لدعمه في مشاريع إقامة مصانعٍ لتحلية مياه البحر، حيث تقدر تكلفة آخر مشروع في هذا الإطار بـ82 مليون يورو. كما تقدر ميزانية المخطط الوطني للماء، في غضون 15 سنة القادمة، بـ230 مليار درهم من أجل رفع القدرة على معالجة المياه والتركيز على الموارد البديلة مع إمداد مناطق لم تستفد بعد من الماء الصالح للشرب.

وكان المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب قد أبرم اتفاقا مع مجموعة «Abengoa» الإسبانية، المتخصصة في الطاقات المتجددة، كي تستثمر الأخيرة في مصنع تحلية المياه إياه- والذي يرتقب أن يكون الأكبر بالبلاد- في تحسين الولوج إلى الماء الصالح للشرب بمنطقة أكَادير. وستتراوح طاقة المصنع الإنتاجية ما بين 100 ألف و200 ألف متر مكعب بشكل يومي، يمكنها أن تمد ما يناهز 800 ألف شخص بالماء في منطقة أكَادير على مدى 20 سنة.

وسبق للمغرب أن استثمر في عدة مصانع للتحلية، أولها أنشئ بطرفاية (جنوب أكَادير) منذ 1975. ويتوفر المغرب اليوم على أكثر من 10 مصانع لتحلية المياه، أغلبها جنوب البلاد. وتقدر نسبة ولوج الساكنة إلى الماء الصالح للشرب بنحو 87في المئة ، فيما لم تكن تتجاوز 50 في المئة عام 2004، وفقا للبنك الدولي. أي أن أكثر من مليون شخص بضواحي المدن المغربية لا يزالون يفتقرون إلى خدمات الإمداد بالماء الصالح للشرب والتطهير.

يذكر أن الحصة السنوية للمواطن المغربي من الماء الصالح للشرب مهددة بالتراجع إلى 500 متر مكعب سنويا في أفق 2020، وهو مستوى أدنى بكثير من الحد المقبول وهو 745 متر مكعب. في حين أن 1000 متر مكعب للفرد تعتبر الحد الأدنى الذي تظهر بعده توترات وصراعات حول الموارد المائية وفقا للمعايير الدولية.

المصدر: القدس العربي