أحمد بيضي - خنيفرة / جديد انفو
على بعد أيام معدودة من افتتاح "المنتدى العالمي لحقوق الإنسان" بالمغرب، تدخلت القوات العمومية بعنف مفرط ومطاردة عشوائية، صباح يوم الجمعة 21 نونبر 2014، في مسيرة شعبية سلمية كانت قد انطلقت من خنيفرة باتجاه العاصمة الرباط وقضت ليلتها في ضيافة سكان مريرت، بعد قطعها لأزيد من 35 كيلومترا على أساس استئناف سيرها في الغد، وقد خلف التدخل إصابات وإغماءات، كما سجل اعتقال 12 شخصا تم اقتيادهم إلى مخفر الشرطة ومنه إلى مقر الشرطة القضائية بخنيفرة، حيث تم تحرير محاضر بشأنهم، بعد "حصة" من الترهيب النفسي والأسئلة المستفزة دامت حوالي 8 ساعات، ولم تسلم من موجة العنف لا النساء ولا الشيوخ، ولا حتى مراسل يشتغل لجريدتي "خنيفرة أون لاين" و"ملفات تادلة" الالكترونيتين، "تم تجريده من آلة تصويره وهاتفه النقال وضمه إلى المعتقلين تحت وابل من الضرب والشتم"، على حد تصريحه.
أما أسماء المعتقلين فهي: لحسن المرابطي، إدريس خبا، مصطفى حكماوي، عبد الحليم جمال، إسماعيل باعياش، عبدالله عصام، الحسين أولعبي، يوسف أوحماني، فاطمة طعنيش، جمال رزوقي، إبراهيم بوش، خليفة الشريشي، وكلهم إما من خنيفرة أو مريرت، بينما لم يفت إحدى المشاركات في المسيرة الشعبية استعراض الرعب الذي عاشته عقب التدخل العنيف، وكيف نجت بجلدها عبر لجوئها إلى أحد البيوت للاحتماء قبل خروجها منه واختبائها بمقبرة مريرت، في حين حكى آخر ظروف اعتقاله من الشارع أثناء موجة المطاردات التي شهدتها مريرت، ولم يفت آخر التصريح بمرارة عما لقيه من رفس وضرب وحشي، بينما تحدث الكثيرون عن لجوء البعض إلى الاختباء هربا من لعنة الاعتقالات العشوائية.
وقد احتشد عدد كبير من الفاعلين والنشطاء أمام المقر المركزي للأمن بخنيفرة، قبل انتقالهم لمقر الشرطة القضائية حيث ظل الجميع في انتظار ملامسة مصير المعتقلين، وقد اكتفت مصادر أمنية بأن هؤلاء المعتقلين سيفرج عنهم فور الانتهاء من تحرير محاضر لهم وتحديد هوياتهم، ولم يسمح لأي أحد بزيارتهم أو إدخال الطعام إليهم، قبل إخراجهم الواحد تلو الآخر، وتم استقبالهم بالعناق والشعارات والهتافات المنددة بالممارسات البائدة التي تنهجها أجهزة القمع حيال الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات السلمية، وقد شوهد البعض من المفرج عنهم وهم في حالة نفسية وصحية متردية، إلى جانب مصابين نقلتهم سيارة الوقاية المدنية إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي لخنيفرة.
ومباشرة بعد الإفراج عن آخر معتقل، وهو مصاب على مستوى ساقيه، زحف المحتشدون في مسيرة احتجاجية انطلقت من أمام مقر الشرطة القضائية، وجابت شارع المسيرة، مرورا بالمقر المركزي للأمن، فشارع الزرقطوني ثم شارع محمد الخامس باتجاه ساحة 20 غشت حيث تم تنظيم دائرة بشرية لم تتوقف عن ترديد مجموعة من الشعارات إلى حين التحاق من كانوا رهن الاعتقال واستعرضوا، أمام مرأى ومسمع من المواطنات والمواطنين، ما تعرضوا إليه، خلال التدخل الأمني، والاهانات التي تلقوها أثناء تحرير المحاضر، والمطاردات المرعبة والألفاظ الحاطة من الكرامة الإنسانية.
مراسل جريدة "ملفات تادلة" الالكترونية، لحسن لمرابطي، لم يفته استعراض ما تعرض إليه من إهانة أثناء اعتقاله، وكيف "انتزعوا منه مصورته رغم إشهاره بطاقته الصحفية، حيث تمادوا في ضربه وتفتيش جيوبه بشكل هستيري، ثم جروه بوحشية وسب وشتم"، حسب روايته، و"ضمّوه إلى أربعة من المعتقلين كانوا في السيارة (اسطافيط) حيث ظلوا محتجزين لمدة تزيد عن نصف ساعة، ونزعوا منه هاتفه النقال"، ولما احتج ضد اعتقاله الباطل "امتطى أحد كوادر الأمن السيارة وبدأ يرميه بألفاظ مهينة من قبيل "خاصكم ترباو"، ولما قال لهم إنه من المفروض فيهم احترام مراسلي الصحافة وتسهيل مأمورية واجبهم عمد أحدهم إلى تجريده من بطاقته الصحفية"، يضيف المعني بالأمر الذي عمدت السلطات الأمنية إلى محو محتوى ذاكرة مصورته لإخفاء ما تم توثيقه من مشاهد التدخل، وذلك في انتهاك سافر للحق في الحصول على المعلومة ونقلها للرأي العام.
وعليه عبرت "ملفات تادلة" عن "تنديدها واستنكارها الشديد لهذا الاعتداء السافر على حرية العمل الصحافي، ومنع مراسلها من القيام بمهامه الصحافية في خرق واضح لكافة الالتزامات والمواثيق الدولية التي تنص على تمكين الصحافي من ذلك وحمايته أثناء مهامه"، وحرصا منها على مبدأ عدم الإفلات من العقاب وتكريسا له، طالبت ذات الجريدة، في بيانها الذي حصلت "الاتحاد الاشتراكي" على نسخة منه، من كافة الجهات المعنية على جميع مستوياتها ب "فتح تحقيق في هذا الانتهاك الخطير" مع "تحميلها المسؤولية للجهات القضائية في أي تساهل أو غض للطرف عن الأمر"، داعية كل الزملاء ومكونات الجسم الصحافي، والهيئات الحقوقية والسياسية والجمعوية إلى إبداء تضامنهم إزاء هذه الجريمة، كما تدعو الجميع إلى الحرص والحذر لمواجهة كافة الانتهاكات التي تسعى إلى إعادتنا إلى الوراء"، على حد تعبيرها، ذلك قبل دخول "المرصد المغربي للإعلام الالكتروني" ببيان تضامني مع المعني بالأمر مقابل التشديد على ضرورة محاسبة كل من سولت له نفسه التضييق على الإعلاميين و باقي المواطنين العزل و السلميين.
وكانت المسيرة الشعبية السلمية قد انطلقت من خنيفرة باتجاه العاصمة الرباط للاحتجاج على غلاء فواتير الماء والكهرباء والمواد الأساسية، وعلى مظاهر التهميش و"الحكرة" التي تسود حياة الإقليم، ولدى وصولها إلى مدينة مريرت تم استقبالها بالحليب والحلوى والماء، وبترحاب كبير وعرس نضالي شاركت فيه المئات من سكان هذه المدينة بالشعارات المساندة لمطالب المشاركين في مسيرة خنيفرة، ما جعل المسيرة في تحليل المراقبين "سفينة سلام" ساهمت بجلاء في تذويب توتر ظل قائما بين مريرت وخنيفرة لمدة من الزمن، الأمر الذي أزعج بعض الأطراف وجهات في السلطة التي رفعت من سقف مضايقاتها كما بين أوساط القوات العمومية التي شددت من حالة استنفارها.
وكانت السلطات قد فرضت طوقا أمنيا مشددا على مريرت في محاولة استباقية لإحباط استئناف المشاركين في المسيرة السلمية تحركهم باتجاه العاصمة الرباط، وقد قضوا ليلتهم في ضيافة سكان مريرت، وقد وصف الكثيرون الحالة التي كانت عليها أزقة ودروب هذه المدينة، والاستنفار الأمني الذي عاشته ليلا بمشاركة رجال الأمن والقوات المساعدة وقوات التدخل السريع وأعوان السلطة، إلى نحو وقت الفجر حيث تم تحذير جميع الحافلات المتوجهة للرباط من إركاب أي "مشتبه به" من المحتجين، ما خلق ارتباكا بالمحطة الطرقية وبين السائقين الذين لم يتمكنوا من فصل المستهدفين عن الراغبين في السفر، وكم استشطت السلطات الأمنية غضبا بعد تمكن ثلاثة من المحتجين من "تجاوز المراقبة الأمنية" والوصول إلى الرباط، واستقبالهم من طرف جهات مسؤولة بمراكز القرار على أساس نقل ملفهم المطلبي إلى الجهات المختصة.
وأمام ذلك أصر المحتجون على ضرورة استئناف مسيرتهم نحو العاصمة الرباط، بعد انضمام العديد من المشاركين إليها من مدينة مريرت، ما حمل القوات الأمنية على تشكيل حزام أمني على مستوى دوار احساين، قبالة ثانوية أم الربيع بمريرت، ومن دون سابق إنذار أو إشعار تدخلت عناصر هذه القوات بعنف في المسيرة وأخذت في التنكيل بالمشاركين ضربا ورفسا بصورة وحشية لم يترقبها المتظاهرون الذين لم تكن غايتهم السلمية سوى إيصال مطالبهم ضد مظاهر التهميش والهشاشة والفساد التي تعاني منها مناطق إقليمهم والاحتجاج على غلاء فواتير الماء والكهرباء.
وقد جاءت المسيرة الشعبية بعد انغلاق كل منافذ الحوار مع السلطات الإقليمية وفشل هذه السلطات في الاستجابة للنداءات والاحتجاجات التي خاضها سكان مدينتي خنيفرة ومريرت بالآلاف ضد الارتفاع الملتهب في أسعار المواد الأساسية وفواتير الماء والكهرباء، وقد فشل الأمن في ثني المحتجين عن مواصلة السير نحو عاصمة المملكة رغم مشاق المسافة والمناخ البارد، إلى حين دخولهم النفوذ الترابي للدرك الذي فشل بدوره في إيقاف المسيرة التي كان لبلوغها إلى مريرت وقعه الخاص لدى بعض الجهات التي كانت تعتقد أن المشاركين في المسيرة سيتعبون ويعودون إلى بيوتهم في بداية الطريق، وزاد "تسلل" ثلاثة منهم إلى الرباط ليصيب هذه الجهات بالسعار.



