جديد أنفو / متابعة

خصصت "أخبار اليوم المغربية" في عددها لنهاية الأسبوع، ملفا تعود فيه لمواقف وتجارب وزير الدولة الراحل عبد الله بها، الذي فارق الحياة في حادثة قطار مأساوي، الأحد الماضي، ببوزنيقة.

في التفاصيل، تقول اليومية، ضمن ملف على أربع صفحات، إن الراحل بها طبع دستور 2011، بلمسات مهمة حيث إنه أثير نقاش داخل المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، حين كانت بصدد إعداد مذكرتها لمراجعة الدستور، طرحت فكرة أن يتضمن الدستور الجديد مقتضيات تسمح بمساهمة المواطنين وهيئات المجتمع المدني في التشريع، وأنه وبعد أخذ ورد كان بها وراء مقترح ينص على ما سماه "المبادرة التشريعية الشعبية"، وهي الفكرة التي تم التعبير عنها في النص الحالي للدستور بملتمسات التشريع.

وفردت اليومية أبرز مساهمات وزير الدولة السابق بها في الدستور، ومن أهمها الاعتراض على دسترة المذهب الملكي، حيث طرحت بعض الهيئات والأفراد مقترحا يقضي بدسترة المذهب المالكي، بحيث لا يتم الاكتفاء فقط بالقول إن الإسلام دين دولة، ليتدخل بها ويرفض الفكرة بشكل قاطع، وأقنع اللجنة الملكية، وقال حينها "إذا اعتمدتم هذا المقتضى، فهذا يعني أنكم سنجعلون المغرب ثاني دولة مذهبية في العالم بعد إيران".

كما أن الوزير الراحل كان له الفضل في تعديل الفصل 20 من الدستور، الذي ينص على "الحق في الحياة لكل كائن بشري"، حيث لم يستسغ العبارة كائن بشري وفضل إدخال كلمة انسان عوض كائن بشري، وهو الاقتراح الذي تم قبوله من طرف لجنة الدستور آندالك. كما أن الراحل ساهم في الدفع بعدم انتخاب العلماء داخل المجلس العلمي الأعلى، وفضل أن يكون تنصيب العلماء بتعيين ملكي لأن الراحل كان يعتقد أن نزع صلاحية التعيين من الملك والتنصيص على الانتخاب يعني العودة إلى منطق الصراع والتنازع حول الاختصاصات مع الملك.

وتضيف اليومية أن الراحل ظل يردد دائما أن للمغاربة ثلاثة ثوابت تأكدت عندهم على مدى 12 قرنا من تاريخهم، الأول هو الإسلام، والثاني إجتماعهم حول الملكية والثالث هو أن المغاربة يفضلون تدبير شؤونهم بحرية، ويرفضون الاستبداد منطق الرأي الواحد.

وتابعت اليومية أن الحرية أساس فكر ومنهج ومواقف عبد الله بها، وأنه حين كتب القيادي عبد العالي حامي الدين مقالا انتقد فيه قرارات الملك ووزير الداخلية حينها امحند العنصر والوزير المنتدب في الداخلية الشرقي الضريس آندالك، بعد توقيف 180 رجل أمن ودركي، ما اعتبره حامي الدين خرقا للدستور، مما أثار مواقف داخل الحزب من الذين لم يستسيغوا القول إن الملك خرق الدستور، وهنا تدخل بها ورفض أن يناقش حامي الدين سياسيا، وقال "الأخ حامي الدين أستاذ جامعي للقانون الدستوري، والمقال رأي أكاديمي، وإذا كان لأي منكم اعتراض، فإن الرأي الأكاديمي يرد عليه برأي أكاديمي في نفس مستواه".

وتقول اليومية إن بها كان حريصا على مشروعية المؤسسات، ولم يغضب إلا في حالة واحدة، هي حين يتم المساس بالمشروعية، وأنه أثناء تداول الحزب لأسماء وزرائه، وقع الإجماع على اختيار بها كوزير دولة دون المرور عبر مسطرة الترشيح، إلا أن بها رفض وتملكه الغضب، وقال حينها "إذا أردتم عبد الله بها فانتخبوه"، وعلل آندالك رأيه أن هناك مسطرة للترشيح وجب احترامها، وأغلق الباب أمام الاستثناء.

واعتبرت اليومية أن من مواقف الفقيد رفضه الاعتداء على مشروعية حزب العدالة والتمنية، خاصة خلال الحراك الذي عرفه المغرب من خلال حركة 20 فبراير، حيث اعتبر أن القيادات التي تجاوزت قرار الأمانة العامة بعدم الخروج في مسيرات احتجاجية آنذاك أنها أخطأت واعتدت على مشروعية مؤسسة من مؤسسات الحزب وهي الأمانة العامة وعليها أن تقر بخطئها لا أن تطالب بالتوافق، لأن التوافق على حساب المشروعية يعني نهاية الحزب ذاته، ونهاية المشروع الذي يمثله.

وتضيف اليومية، في تلمسها لمواقف الوزير الراحل أن بها كان وزيرا بلا ديوان ولا كاتبة خاصة، حيث كان يردد دائما أنه لا يحتاج إلى ديوان ومكتب، وأن مكتب رئيس الحكومة أصبح به كرسيان واحد لبنكيران والأخر لبها، بل حتى مكتب رئيس الحكومة تخليا عنه، وأصبحا يعملان ويستقبلان الضيوف صالون استقبال الضيوف الذي يستقبلون فيه ضيوف رئاسة الحكومة معا.

وعرجت اليومية على موقف الراحل من التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني، موضحة أنه خلافا للتيارات الإسلامية التي تناهض التطبيع مع إسرائيل من منطلق عقدي وإيديولوجي، كان بها يعتبر أن الموقف سياسي وليس عقديا، شارحا ذلك بقوله "إذا وافقت على حق العودة للفلسطينيين، يمكن أن نعترف، ولأن إسرائيل لن تقبل بذلك الحق، لأنها ستكون حينها قد انتهت، وهي تعرف ذلك، فلا يمكننا إلا أن نتشبث بموقفنا الرافض للتطبيع، مع إدراك أن الموقف سياسي".

ولفتت اليومية إلى أن الوزير الراحل عاش في بيت للكراء حتى وفاته، فرغم أنه كان مهندسا وباحثا ثم برلمانيا فوزيرا، إلا أنه بدأ حياته مكتريا ومات كذلك، مضيفة أنه كان يفضل تدريس أبنائه على أن يمتلك بيتا.

وتضيف اليومية أن الراحل بها كان محبا للخلوة والتأمل لوحده، وأنه حين كان تهمه مشكلة ما، يكون بصدد البحث عن حل، تجده في مكتبته أو أرشيفه معتكفا طوال ليلة كاملة، وأنه حين يكون الأمر يتعلق بموقف يتطلب التفكير العميق، فإنه يظل جالسا في ركن من أركان المقر المركزي للحركة الليل كله حتى صلاة الفجر، أو يخرج للمشي راجلا في أوقات غالبا ما تكون بالليل، ولا يهم التوقيت قد يكون الثانية عشر ليلا أو الثانية صباحا لا فرق، الأمر الذي عرضه لحادث قبل سبع سنوات، عندما اعترض سبيله لصوص فجرا بشارع حسان بالرباط.