أحمد بيضي - خنيفرة / جديد انفو
أثار "مقال صحفي" نشرته جريدة "هبة بريس" الالكترونية حول بلدة تغسالين، بإقليم خنيفرة، حملة من الاحتجاجات العارمة والردود الساخطة، بين عموم السكان ومكونات المجتمع المدني ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر المحتجون هذا المقال، لكاتبه ياسين الضميري، تحت عنوان: " تيغسالين.. قرية تحكمها النساء ويعشقها الغرباء ويكرهها رجال القضاء" مسا فضيعا بسمعة البلدة ونسائها، في حين أشعل المقال استهجانا واسعا لدى نشطاء الشبكة العنكبوتية، منها "الفايسبوك" أساسا، حيث بلغت التعاليق حد الهجوم العنيف على كاتب المقال بشتى النعوت والأوصاف، قبل دخول المجلس القروي لتغسالين على الخط بإعلان رئيسه، فؤاد حجير، عن شروع محامي الجماعة في ما يتطلبه الأمر من إجراءات قضائية ضد كاتب المقال والجريدة الالكترونية التي قامت بنشره، في حين تساءل الكثيرون حول موقف رجال القضاء من ادعاء كاتب المقال بأن القرية "يكرهها رجال القضاء"، وهي عبارة فيها ما يكفي من الاهانة لجسم القضاء أيضا، حسب رأي المعلقين.
ومن بين فقرات المقال التي أثارت غضب الرأي العام بتغسالين، حسب مصادرنا، هي أساسا عبارات من قبيل "اشتهرت القرية بالفضيحة الجنسية الشهيرة"، "رجال هاجروا القرية للبحث عن قوت عيش يسدون به رمق أبنائهم الجياع"، "في تغسالين كل شيء يدعو للغرابة والتعجب"، و"نساء يحكمن القرية ويشرفن على تسييرها"، وبينما ادعى أن الطريق المؤدية إلى هذه القرية "وعرة ومليئة بحفر الموت في كل شبر منها'' تحدث في تناقض تام عن "توافد سيارات فخمة ومرقمة بلوحات تسجيل تحمل ترقيمات البيضاء والرباط وباقي المدن الكبرى ناهيك عن توافد أصحاب الشاحنات والعربات الكبيرة (...) ولكل زائر غرضه ولكل غايته وتبقى الغالبية منهم تتوافد هنا لقضاء حاجيات خاصة"، ليوضح كلامه في قوله بعبارة "دور دعارة هنا وهناك"، ما كان بديهيا أن يقلب على كاتب المقال السخط الشعبي، ووصفه بالقلم الذي يحاول تكريس صورة سيئة عن بلدة عانت مثل ذلك على يد المستعمر الفرنسي.
ومن بين نشطاء المواقع الاجتماعية، جمال غوبيد، الذي كتب ردا قويا على كاتب المقال في قوله "القارئ الحصيف لمضامين ''المقال'' النشاز، سيستشعر بلا ريب شدة الحقد الدفين وحدة العداء المقيت الذي يُكنه "كاتبه المبتدئ" لقبائل ''إشقيرن'' ولمركزها تيغسالين، بحيث يُحاول أن يظهر، كما يبدو، بمظهر الإنسان اللطيف الوديع الذي يحسب نفسه أنه يسدي خدمة جليلة للمنطقة عبر حديثه المهترئ عن مشاكلها، معتقدا أنه سيرفع عنها التهميش عبر التشهير وسلاطة اللسان، وأنه سيُخلصها من كل الشرور والقلاقل مثلما يفعل ''السوبرمان'' في أفلام الكارتون أو''ليكولوك'' في أشرطة ''الكوبوي''، فما كان منه إلا أن جعل من البلدة مجرد وكر للدعارة والجنس والفقر والجوع" وهي "تمثلات متقادمة وأكاذيب واهية، أكيد أن نشرها مؤدى عنه بمقابل مادي، وهي لا تعدو أن تكون خيالات أو أضغاث أحلام، لا أساس لها من الصحة"، يضيف غوبيد.
ولم يفت ذات الناشط الفايسبوكي وضع كاتب المقال في مصاف الذين "يُعانون اضطرابات سيكولوجية عميقة لا يستطيعون التنفيس عنها ولا عن المكبوتات المَرضية المرافقة لها إلا ببذل الجهد في تحقير الآخرين وإذلالهم، أو بإهانة مناطق معينة من المغرب العميق بأقوال حاطة بالكرامة الإنسانية، ومستفزة لمشاعر الآلاف من المواطنين والمواطنات"، ولم يفت الناشط المذكور استعراض مكانة تيغسالين على خريطة الأطلس المتوسط كمهد المقاومة الباسلة ومعقل المناضلات والمناضلين الأحرار والفرسان الشرفاء، وكبلدة للفن الأمازيغي التليد، شعرا وموسيقى وفولكلورا راقيا، وحضن للعلماء والمثقفين.
وبينما دعا البعض إلى التعامل مع الموضوع ب "ضبط النفس" والحوار السلمي، أجمعت عدة فعاليات مجتمعية بتغسالين على استعدادها لرفع دعاوى قضائية ضد الموقع وكاتب المقال، وفي حال عدم تقديم الاعتذار للسكان، فإنها ستقوم بالدعوة إلى ما يتطلبه الموقف من تصعيد في الرد، مشيرة، ذات الفعاليات، إلى عريضة استنكارية يجري توقيعها وسط سكان البلدة، تقرر رفع نسخ منها إلى إدارة تحرير الجريدة الالكترونية المعنية بالأمر وفيدرالية ناشري الصحف بالمغرب والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، في حين عبرت عدة مصادر من المحتجين عن أسفها حيال كاتب المقال الذي كان من المفروض فيه، حسب رأيهم، إنجاز تحقيقه بمهنية حول معاناة البلدة مع مظاهر التهميش والفقر والإقصاء الاجتماعي وتدني الخدمات العمومية، ومع الانفلات الأمني والفساد الإداري، وغيرها.
وفي السياق ذاته تشكلت لجنة أطلقت على نفسها "لجنة الدفاع عن كرامة تيغسالين"، عملت على تعميم بيان شديد اللهجة، حيث عبرت فيه عن مفاجأتها بمضمون المقال الذي وصفته ب "الفارغ من أي إضافة" و"الحامل للخبث والحقد الدفين تجاه بلدتنا وساكنتها"، إذ عبر صاحبه، تضيف اللجنة في بيانها، عن "جبن في طرح الإشكال الاجتماعي والتهميش الممنهج الذي تعيشه الساكنة" و"اتهام مبطن وماكر باحتراف الدعارة"، متناسيا "المنطقة غنية بطاقاتها الشابة ومؤهلاتها الطبيعية التي تستغل في خدمة المناطق الأخرى ومتجاهلا معاناة الساكنة مع قساوة المناخ، و حكرة ذوي القربى وتهجم المستغلين لنفوذهم وسلطتهم في غياب تام لأي برنامج تنموي هادف، و ضاربا بعرض الحائط تضحيات الساكنة وشبابها في غربتهم من أجل تنمية المنطقة ورفع التهميش عنها"، على حد بيان اللجنة المذكورة.
وبينما شددت ذات اللجنة على تحميل إدارة تحرير الموقع الالكتروني المسؤولية المهنية والأخلاقية والقانونية في الإساءة التي مست ساكنة تغسالين، جراء المقال المنشور بموقعهم الإخباري، طالبت باعتذار رسمي على موقعها، واستنكرت بقوة التهجم الذي لحق بلدة تغسالين، مع دعوة المجلس الجماعي إلى اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية في حق الموقع وكاتبه من أجل رد الاعتبار للساكنة، إلى جانب دعوة كافة الغيورين على المنطقة وتنظيمات الحركة الأمازيغية للتضامن مع ساكنة تيغسالين لما لحقها من إهانة وإصدار بيانات استنكارية، ولم يفت اللجنة التلويح بتنظيم "وقفة الكرامة" احتجاجا على ما تعرضت إليه البلدة من إهانة تحت ذريعة الإعلام وحرية التعبير، ولعل ما أثار حفيظة عموم السكان، حسب أحد المعلقين، هو الافتراء المغرض لكاتب المقال الذي لم يكلف نفسه عناء التحري في ما تناهى إلى مسمعه من ترهات مرغت شرف وكرامة كل قاطني القرية في الوحل.
وعندما أشار كاتب المقال لما أسماه ب "بطلة فضيحة الأقراص الجنسية المدمجة التي فضحت عورات العديد من المسؤولين القضائيين"، جاءت العبارة لتفتح بابا آخر على كاتب المقال، من خلال دخول عائلة المعنية بالأمر على الخط، وهي عائلة رقية أبو عالي، في شخص شقيقها محمد أبو عالي، هذا الأخير الذي استنكر بشدة ما ورد ضمن المقال المعلوم من "مس بشرف القرية عامة، وللمعنية بالأمر التي هي متزوجة منذ خروجها من السجن رفقة عائلتها"، يقول أبوعالي.
وإذا كان كاتب المقال، يضيف محمد أبو عالي، قد "استرزق من كتابته لهذه الأسطر، فما عليه إلا أن يعلم بأن رقية وعائلتها حصلت على البراءة ابتدائيا واستئنافيا، ومن دون أي تعويض أو تقديم المتورطين للعدالة، وهذا ما يجب كتابته والنضال من أجله، أي عدم إفلات أولئك القضاة من العقاب"، وأمامها لم يفت شقيق رقية الإعلان عن قرار عائلته تقديم شكاية لوكيل الملك لدى ابتدائية خنيفرة ضد كاتب المقال والموقع من أجل التشهير بسيدة متزوجة، وببلدة الشرفاء الأحرار"، يؤكد محمد أبو عالي في اتصال بجريدتنا.