يوسف أخالي / جديد أنفو
يشهد الجنوب الشرقي منذ التساقطات الأخيرة توافد قافلات الرحل من مناطق مختلفة من المملكة، متحملين مشاق و مصاريف التنقل المكلفة على الشاحنات تارة و على الدواب و الأقدام تارة أخرى في تحد صارخ للمناخ و الطبيعة . هنا يغدو الماء و الكلأ محددين رئيسيين لتحركات هذه الشريحة من المواطنين الذين اختاروا و أحيانا أرغموا على أداء هذه المهنة .
عاينا عن كثب بعض ظروف عيشهم و كان لنا معهم حوارات عديدة مكنتنا من اكتشاف نمط أخر من التفكير و العيش و أسلوب حياة خاص و متميز، في هذا العمل سنحاول أن نسلط الضوء على هذه الفئة التي لم تحظ بعد بنصيبها من التغطية الإعلامية .
رغم التحفظ و عدم استعداد أغلب المستجوبين للتفاعل معنا إلا أننا إستطعنا إلى حد ما أن نحيط بقدر مهم من المعلومات حول الموضوع .
الرحل، الترحال، ظروف عيش و أسلوب حياة
خيمة هنا و أخرى هناك، هكذا عاينا المشهد بنواحي تزارين التابعة لإقليم زاكورة، إقتربنا من إحداها و الساعة تشير إلى العاشرة صباحا ، نعجتان حديثتا الولادة ، كلب و شيخ ستيني يقوم اعوجاج الخيمة بإحكام الحبال و الأوتاد من جديد ، إقتربنا أكثر فأكثر إلى أن أدرك الشيخ أن هناك زائر أو عابر سبيل ، بعد مقدمة تعريفية كان لنا معه حوار مفصل ، السيد لحسين .أ المنحدر من نواحي إملشيل حسب قوله ، إستأنس خيرا في هذه المنطقة ضاربا عصفورين بحجر واحد ، مأكل لأغنامه و هروب من صقيع الأطلس الكبير. ” حياتنا كلها تنقل من معاناة إلى أخرى و ظروف عيشنا مزرية و قاسية جدا ” يقول الحسين و هو يتثاءب . ثم يضيف ” لقد أرغمتنا الظروف على امتهان هذه المهنة المضنية و الشاقة التي لا استقرار فيها ، نواجه الطبيعة وجها لوجه صيفا و شتاءا تحت قوة الرياح و جبروت الحرارة و البرودة “. كان أخوه الأصغر و ابنه الأكبر قد خرجا بالماشية لترعى وراء التلال الممتدة بالمكان ، يملك ما يزيد عن 200 رأس بين نعاج و خرفان ، الخيمة لا تتوفر إلا على حصائر، بعض الأغطية ،مائدة بلاستيكية و مذياع كبير أسود ، و بالخارج تم بناء فرن تقليدي بالقرب منه قليل من الحطب ، إنه ببساطة مطبخ الرحل . رغم كل شيء فالرجل يتفاءل خيرا في هذا الموسم و هو مستعد للعمل إلى أخر عمره لتوفير لقمة عيش له و لأولاده ، الصبر و الحاجة حسب قوله هما المعين الوحيد لتحدي الصعاب و للإستمرار في أداء واجب حتمت عليه الحياة تأديته. سألناه عن باقي أفراد العائلة فأشار أن زوجته و زوجة أخيه ذهبن لجلب الماء من أقرب بئر ، أما عن وسائل الإضاءة فأجاب ” نضيء بالشمع أحيانا و بالقنديل أحيانا أخرى ”
الرحل و ثنائية التعليم و الصحة
إن حياة الترحال حياة حركة و تنقل ، أسبوع هنا و أسبوع في مكان أخر ،فكيف لأبناء هذه الفئة أن يتابعوا تعليما و كيف لهذه الشريحة أن تستفيد من التطبيب ؟
يعتبر تمدرس الأبناء اللغز المحير لجميع الرحل منهم من يحاول جاهدا أن يحظى أبناءه بفرصة تعلم و انعتاق من شبح الأمية باستقرار جزء من العائلة في منطقة بها مدرسة لتمكين أبنائها من متابعة دروسهم فيما الأفراد الأخر ون لنفس العائلة يتنقلون مع الماشية من مرعى إلى أخر ، أما في حالة الأسرة فيضطر الأب إلى ترك أبنائه عند أحد الأقارب أو إنهاء هذا اللغز بمنعهم بالمرة من حلم أن يصيروا تلاميذ . إن نمط عيش الرحل لا يساعد بتاتا في إتاحة فرصة التمدرس لأبنائهم و هي معادلة مستعصية ، وقد سبق أن تم إحذاث مدارس متنقلة في مناطق معينة من المغرب لكن التوزيع العشوائي جغرافيا يحول دون نجاح هذه التجربة أو تجارب مماثلة .
أما فيما يخص التطبيب فغالبية الرحل يعتمدون التطبيب المحلي و التقليدي و لا يتسرعون لزيارة المراكز الإستشفائية إلا في حالات نادرة عندما يستعصي الأمر عليهم ، أما طبيعة الأمراض فتكون غالبا نتيجة عدوى تنتقل إليهم من المواشي ، من المياه ، من الشمس أو البرد .
و هنا لابد من حل توعوي و القيام بزيارات ميدانية للتحسيس بأهمية الخدمات الصحية المقدمة .
الترحال ، الأرباح و مستقبل المهنة
يتحدث لنا السيد علي بأحد أسواق المنطقة و هو من ممتهني العمل ” لا ننكر فضل المهنة علينا ، بها كبرنا ، و بها نعيش و نوفر قوت أبنائنا ، خصوصا عندما يكون الموسم جيدا فإننا نطمئن لحالنا و مستقبلنا ، أما في أيام الجفاف فإننا نعيش أزمة خانقة خصوصا و أننا نربي أرواحا تحتاج أن تأكل و تشرب لتستمر في البقاء .”
الرحل بإدراكنا لذلك أوعدمه يساهمون في اقتصاد الدولة بتوفير مادة حيوية هي اللحم ، بتقديم إنتاجهم و حصيلة عملهم إلى سوق الاستهلاك ، يؤدون الرسوم الضرورية على كل رأس لدخول سوق المواشي ، كما تكون الإستفادة لأصحاب الشاحنات و السيارات التي تنقلهم بين الحين و الحين .
أما عن مستقبل المهنة فيضيف ذات المتحدث أن مهنة الترحال و الرعي مهنة عريقة و ستستمر لأزمنة أخرى لأنها تستقطب عددا كبيرا من المواطنين ، و حسب رأينا الخاص فإن مستقبل المهنة رهين بخلق حلول و سياسات من شأنها أن تعطي نفسا جديدا من اليسر لمهنة يتفق الجميع أنها شاقة ، و هنا نرى لزاما على الدولة أن تهتم أكثر من أي وقت مضى بحفر الأبار في المراعي ، لتسهيل وصول الرحل إلى الماء خصوصا و أن هناك مراعي جيدة لكن بدون ماء . دون أن ننسى التفكير في الحلول الكفيلة لإنهاء المسلسل الدرامي ذو العنوان العريض ، الهضر المدرسي ، أما سكان الدواوير الذين ينعمون بالإستقرار فمسؤولتهم كبيرة في مد يد العون و المساعدة لكل الرحل عابري السبيل ممن يقضون بعض الوقت في ضواحي قراهم .
حياة الرحل حياة كباقي الحياوات ، جد و اجتهاد و إنكار للذات ، نمط أخر ، و أحلام مختلفة ، توحي بأن هناك أناس يناظلون في القفار و بين الجبال حيث لا شبكة تواصل و لا كهرباء و لا ماء ، لكي تشرب يجب أن تعاني و لكي تطهو يجب أن تقاسي ، و لتقتني لوازم العيش فأمامك رحلة عنوانها الصراع من أجل البقاء .