لحسن بوتسكاوين - النيف

كثرت الحكايات و القصص التاريخية التي تصلنا من قلب ملحمة بوكافر عبر الروايات و التواتر، تلك الملحمة الشهيرة بين أيت عطا و المستعمر الفرنسي الغاشم، و التي وقعت في فبراير و مارس سنة 1933. قصص و حكايات لا تدع مجالا للشك أن أيت عطا كانوا فعلا شجعانا و بواسل، ضحوا بالغالي و النفيس في سبيل الحرية و الكرامة... 

سأسرد هنا و في هذا المقام حكاية من هذه الحكايات، بعد أن حاولت جاهدا أن أجمع خيوطها أنطلاقا من روايات شفوية مختلفة.

يقال بأنه في خضم معركة بوكافر و إبان محاولة المستعمر الفرنسي بمعية المرتزقة التي تحارب إلى جانبه و في صفوفه، أن يصعد إلى الجبل من الجهة الشرقية و يحاول أن يخترق نقط الدفاع المستميت من شجعان أيت عطا ببنادقهم البسيطة و عزيمتهم التي لا تقهر. اشتدت المواجهة اشتدادا، و حمي وطيس المعركة و استشهد عدد من رجال أيت عطا الذين يحرصون الجهة الشرقية، مما دفعهم بالاستنجاد بحراس الجهات الأخرى لصد الهجوم الشرس لجيوش المستعمر الذي كان مدعوما بالمروحيات جوا. و كانت الخسائر فادحة في الأرواح...

يقال، و العهدة على الرواية الشفوية، بأن الجثث المترامية في ساحة الوغى على مستوى نقطة "أُودَادّا" كانت كثيرة جدا، ولا أحد يستطيع المغامرة بنفسه للوصول إليها، لكون المنطقة مكشوفة أمام العدو. وصل خبر الوفاة إلى زوجة أحد المقاومين الذين يحرصون المكان. فلبست الحداد، ثيابا بيضاء مدعوكة. بعد مرور ثلاثة أيام، لاحظ مقاوم دقيق الملاحظة و المرابط ب"أسكاور"، أن إحدى الجثث، رغم بعدها عنه مسافة تتجاوز الكيلومتر، قد تكون تحركت قيد أنملة مقارنة بالأمس. أخبر أصدقاءه، لكن لا أحد يستطيع المغامرة للوصول إليها، لكونها قريبة جدا من العدو و المنطقة مكشوفة تماما أمامه و معرضة لتراشق نيران بنادقه من الجهة الأخرى.

في عز الليل، و بعد أن أسدل الظلام ستاره على المنطقة، تسللت إمرأة عطاوية شجاعة تدعى "هرة امحند" و نزلت الجبل دون أي سراج ينير طريقها، مستعينة فقط بحاسة اللمس، و بدأت تتفحص الجثث واحدة تلوى الأخرى، إلى أن اكتشفت مقاوما مصابا إصابة بليغة و يتأرجح بين الحياة و الموت نتيجة النزيف و الجوع و البرد و هو ممدد في مكانه لمدة ثلاثة أيام. حاولت جاهدة و بكل قواها أن تحمله على ظهرها لكنها لا تسطيع، فوسدت له أحجارا و وضعته في وضعية مريحة. رجعت مسرعة لتخبر بعض المقاومين المرابطين في نقطة من نقط الحراسة. و أخبرتهم أن المسمى "موحى أوعدي" مازال على قيد الحياة، لكنه في وضعية حرجة جدا. تكلف بعض المقاومين بالانتقال خلسة و في جوف الليل، و نقلوه إلى مكان آمن "غار منيع" و أُطعِم و ضمدت جراحه، ليصل الخبر إلى زوجته المرابطة في مكان آخر من جبل بوكافر، خلعت حدادها بعد أن لبسته لعدة أيام...

هذا المقاوم كُتِبَت له النجاة و الحياة بفضل امرأة عطاوية شجاعة، شفي من جراحه البليغة بعد أن كان محسوبا على الأموات. نزل "موحى أعدي" من بوكافر مع ما تبقى من المقاومين بعد الهدنة و انتهاء المعركة، و عاش عقودا أخرى بعدها، أنجب أبناء كثر، ولم يتوفَّ إلا مؤخرا في قرية صغيرة هادئة على مشارف الحدود بين جماعة اكنيون و جماعة ألنيف.


المصدر: إغيل بريس