محمد أحوزار(*)
لا يمكن أن نتصور مرور حادث معين بعين اللوح دون أن يدون شعراً، بلدة يعشق أهلها الشعر والكلمة الموزونة وخصوصاً " أفرّادي " ويقصد به البيت الشعري الوحيد الذي يكون غالباً مركزاً مستوفياً لشروط الجمالية من رنة موسيقية وصورة شعرية ذات حمولة فكرية وتعبيرية راقية في معانيها بليغة في لغتها ومقاصدها .
هذه البلدة التي يتذوق أهلها الشعر ويعشقونه حتى النخاع، حيث يتم تداول" إزلي " بشكل كبير ويلعب الرواة دوراً كبيرا في إشاعته بين الناس من المحبين والعشاق لهذا اللون الشعري، أضف الى ذلك ان أفرّادي له وظائف ومقاصد ظاهرة وخفية منها تسليط الضوء على أحداث معينة حتى يصل الخبر الى علم الجميع وهنا نتحدث عن الوظيفة الإعلامية ، وهنالك أدوار تتجلى في التأريخ للحدث عبر إزلي ، وهناك وظائف أخرى منها تقويم بعض الظواهر بغية الإصلاح أو الإنذار بتجاوز الخطوط الحمراء وهناك وظيفة أخرى تتجلى في التسلية وخلق أجواء المتعة الفكرية عبر إنتاج فكري يروم تغليب الجمالية والارتقاء بالشعر في مقاصده النبيلة . وغالباً ما يكون أفرّادي متداولاً بشكل كبير أولاً لسهولة حفظه وترديده من طرف الجميع إذ يكفي أن يسمعه المتلقي مرة واحدة ليحفظه عن ظهر قلب عكس القصيدة أو " تايفارت " التي يصعب حفظها وتذكرها، فأفرّادي من سماته الرئيسية السيولة وتناسق الكلمات والأفكار في فكرة رئيسيّة.
وقد برع في هذا النمط الشعري مجموعة من الشعراء المرموقين وهم كثر، وسنتطرق في هذه المقالة الى شاعرين بصما الساحة الشعرية بعين اللوح بما يعرف بشعر النقائض وهما زاقّا بوعزة المعروف ب " عزّا " ومحمد حرّوقي المعروف ب محمد نحدّو ايشن . وتجدر الإشارة ايضاً الى أنهما متخصصان في أفرّادي لكل منهما مميزاته الخاصة سنعود إليها بالتفصيل في مقالين منفصلين يتناول نبذة عن حياة هذين الشاعرين المتميزين . وقد قالت الشاعرة ايطو زاقّا في حقهما هذه الأبيات الشعرية : ماني حرّوقي دْ زاقّا أيِيمزْوُورَا نغْ كْ وَاوال أُوفرّادي لّانْ تِيلِي سْ رَبْعا لّا كّاثْنْ ثاكُورثْ إِرَارْتِّيدْ أوُحيدَّانْ أُوالله مْشْ إسْثاهْلْ أونّا ثسْوَالفْ ثارِيشثْ أَذْ إِرزمْ إِوْحْدَادِي.
وتجدر الإشارة الى أن سبب اختياري لهذين الشاعرين يعود الى حادث وقع خلال الثمانينات من القرن الماضي ذلك أن شخصيةً كانت توقع رسائل موجهة آلى برنامج "بهدّا بوينغميسن "الذي كان يقدمه واسع الدين اوعالي بالإذاعة الامازيغية ، والذي كان مجالاً للتباري والمقارعة الشعرية بين فطاحل الشعر الامازيغي خصوصا في صنف أفرّادي ، وكان هذا البرنامج يقدم أسبوعياً مما يتيح فرصة إرسال المشاركة عبر البريد وبالتالي انتظار البث ، ثم بعد ذلك انتظار الرّد الذي يكون في نفس الموضوع من طرف شاعر آخر . هذه الشخصية التي كانت توقع الرسائل الموجهة عن طريق البريد آنذاك تدعى " ف. أ " من خنيفرة وكان ممن يجيب على هذه الرسائل زاقّا بوعزة الذي كان نشيطاً بمشاركاته المكثفة من خلال هذا البرنامج الإذاعي " بهدّا بوينغميسن ".
وبعد مشاركات عديدة لشخصية ف . أ ومواظبتها على البرنامج بأجوبتها وردها على شعر زاقّة بوعزة الذي شكك في أمر هاته المرأة أي ف . أ ، مما جعله يتعقب خطواتها لمعرفة هويتها الحقيقية ، حيث كان دائم الاتصال مع الإذاعة ألأمازيغية . وبعد ان قام مقدم البرنامج الاذاعي واسع الدين أوعالي بتفحص مصدر الرسائل تبين أنها مرسلة كلها من عين اللوح وتحمل الخاتم البريدي لبريد عين اللوح ، مما جعله يشكك في أمر محمد حرّوقي وذلك بالنظر الى أن الشاعران يعرفان بعضهما جيداً ، خصوصاً ان البناء الشعري لمحمد حرّوقي معروف لدى بوعزة زاقّا حين ذاك تيقن أن الأمر يتعلق باسم مستعار لامرأة يتخفى وراءها شاعر كبير اسمه محمد حرّوقي فأرسل زاقّا بوعزة رسالة شعرية الى البرنامج المذكور يقول فيها : إكا ورْكازْ لّْثامْ إِنسْ ثَاقبُّوتْ إكْشَمْ ثايتْشِينْ نْ وَادْجَارْ دَا وَرْثْ أُوكِيزْغْ ألِّيكْ إِسِيوْلْ عَادْ أيْثُوفِيغْ إِدْ أَوْتْمْ أَكَّا، وفي رسالة أخرى بعثها زاقّا تضمنت مايلي : نَسّْغَا ثّاحُولِيْثْ نَّا يْلَّانْ سْوَاشِيوْنْ نِّيغْ إِدْ أَوْثْمْ أَكَّا شُوفْ لْخَطَّا نْوْ نَّا يَعْمَانْ شْفِيغَاسْ لَغْلَا إِبُو لَكْسِيبَا .
وبعد ذلك سيرسل حرّوقي رسالته الشهيرة التي يدافع فيها عن المرأة والأنثى بصفة عامة ، ما دام أنه تقمص منذ البداية شخصية امرأة . - امْرِيدْ إِثَاضُوتْ مَادْ إِسْ رْضَانْ إِمَازِيغْنْ أَغَامُوسْ لْكَّاشَّا - امْرِيدْ إِثَسَّاعْتْ إِدْ نْكَا لْحْسَابْ أَكْ نِيسِنْ أَيِيضْ أُولَا يَاسْ - امْرِيدْ إِ طَيَّارَا أُولَا مَاكْ دَّا يَمْحِيدْجَانْ مَاغَا يَدُّونْ خْفْ أُوضَارْ - امْرِيدْ إِ ثِسَنّْ مَرْشِي دِيكِي رَبِّي دَا اغْرُومْ أَتْمْسُوسْدْ غُورِي - وَخّا يَعْدِيلْ أُمْزِيلْ أَكْنْزِيمْ نْسْ أَدَاسْ تْكِيرَنْ أَ ثِلِيمّا - لَّاشْ إِتُّويَاشَارْ لَخْزِينْ أَبَابْ نْثَدَّارْثْ مْشْ أُورْ تْلِيدْ ثَاسَارُوتْ.
بعد ذلك سيسدل الستار على فصل شيق من فصول سجال بين شاعرين كبيرين هما زاقّا بوعزة ومحمد حرّوقي وكانت الإذاعة الامازيغية شاهدة على وقائعه ... ليستمر لحن أفرّادي في رحلته عبر دروب ومسالك عين اللوح يردده صدى الجبال، وتختزنه الذاكرة الجماعية لتحكيه للأجيال المقبلة ...!!!
(*) : مهتم وباحث في الفن الأمازيغي