زايد جرو – تنغير / جديد انفو
العمل في البناء شاق ومتعب في المغرب والدول السائرة في النمو، وهو مهنة من لا مهنة له يقبل كل المتطوعين ولا يتطلب شواهد، وهو آخر حل يلجأ إليه الإنسان بعد أن تطول بطالته، يستقطب فئات عمرية مختلفة قادمة في الغالب من مناطق قروية مهمشة، هم عزاب ومتزوجون، ويقيمون في الأعم في مكان العمل " الشانطي" دخلهم الشهري قد يتراوح بين 2000 و2500 درهم، ولا يعرفون العطل، وساعات العمل دون عد، بلباس لا يقي الجسد من الحرارة ولا البرودة وبدون تغطية صحية ولا تقاعد، وهم طبعا يكرهون هذا العمل ولكن لا بديل لهم غير التعب اليومي وإنهاك الجسد في الحمل الثقيل والصعود إلى الأعالي مغامرين بالنفس في سبيل الخبز اليومي الحار.
في رمضان تزداد معاناتهم تحت لهب الشمس الحارقة بوجوه سودتها الحرارة وبأياد خشنة وبعرق لا يكف، بساعات عمل غير محددة من الصباح الباكر حتى يمر الزوال بقليل، الأذى يلحقهم من كل جانب، بل يزداد حين يسمعون من الأصدقاء أو الأعداء أو من أي شخص آخر كلمة " أنت غير بناي" وهي عبارة فيها إذلال وانتقاص ولا يحس بوقعها إلا من اشتغل أو يشتغل في الميدان.
الكثير من أبناء الجنوب الشرقي جربوا العمل في البناء بعد انتهاء الموسم الدراسي من أجل دريهمات معدودة، لشراء بعض الدفاتر والكتب بداية الموسم الدراسي الجديد ،للتخفيف من أتعاب الأب الذي لا يشتغل إلا في الواحة وقد يعود المتمدرس بعد انتهاء العطلة في العمل بميزانية قد لا تتعدى 400 درهم لكنه يحس بالنشوة لأنه حقق نوعا من الاستقلالية عن الأب وقد شارك في دخل الأسرة.
عمل البناء شاق ومجحف ولا يحس بذلك إلا من جرب المهنة وعاش بين العمال بين" بق" الخشب بالليل وغبار العمل طيلة النهار، وأكل البصل والمرق الخفيف دون لحم ،والإكثار من الخبز الحافي والشاي، والمشي لمسافات طويلة تجنبا لاستعمال وسائل النقل إن لم تتعرض للسرقة أو الضرب من شباب أحياء المدينة الذين يتربصون ب " البراكة" لاختلاس ما جمعته والذي يوضع في الغالب في جحر أو في حفرة تحت الفراش، وقد تعمل ويؤدي لك "الطاشرون" الأجرة بالتقسيط حتى لا تفر أو يقول بقيت لك 100 درهم حتى الموسم المقبل أو قد يختفي ليرغمك للبحث عن عمل في مكان آخر... والميدان حاليا يستقطب شبابا متمدرسا من مختلف المستويات يدركون حقوقهم وواجباتهم لكن حين يحس صاحب الورشة بأنهم عالمون وعارفون يطردهم من العمل خوفا من لمّ الصفوف والمطالبة بالحقوق.
تحية لكل عمال البناء داخل الوطن وخارجه لأنهم يصنعون لكل الناس منازل للسكن وهم بدونه ويصنعون أمكنة للعمل القار وهم مهددون بالطرد والتشريد ،بل يصنعون مؤسسات الضمان الاجتماعي والتقاعد وهم محرومون من خدماتها ويصنعون المدارس وهم لم يطرقوا باب حجرات الدرس، في ظل غياب أي اهتمام من الحكومة بهذه الشريحة الكبيرة من العمال وهم غير منظمين ومعظمهم يخاف الدخول في أي حديث يقترب من السياسة.
