أحمد بيضي - خنيفرة / جديد انفو
أمام حشد غفير من المواطنين والمدعوين، من الجنسين ومختلف الأعمار، نظم المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، مساء الجمعة 3 يوليوز 2015 بساحة 20 غشت، النسخة الخامسة من "ليلة القرآن الكريم"، بشراكة مع المجلس البلدي ومجموعة الجماعات الأطلس، حيث تميزت هذه التظاهرة الدينية، كما سابقاتها، بقراءات قرآنية فردية وجماعية، وأمداح نبوية وصوفية، ويتوخى المجلس العلمي المحلي من وراء هذه "الليلة الرمضانية" العمل على تقريب فن المديح والسماع من عموم المواطنين وانفتاح علماء الدين على مختلف الشرائح الاجتماعية، كما أن التظاهرة، التي دأب المجلس العلمي المحلي على تنظيمها، تأتي كطريقة إنشادية اجتماعية من هذا المجلس لتنشيط الليالي الرمضانية بموروث روحي غني بالدلالات والقيم المتبعثة من مبدأ الدفاع عن قيم التعايش والتسامح ونبذ التطرف والتناحر باعتبارها سلوكا تلتم في قيمة المحبة الإلهية والرسالة الإسلامية الحقيقية.
وموازاة مع ذلك، قام المجلس العلمي المحلي لخنيفرة بعملية توزيع "قفة رمضان" على المئات من الأسر المعوزة، بعدد من مناطق الإقليم، مثل تيغسالين ولهري وغيرها، في حين استفادت حوالي 400 أسرة معوزة من ذات "القفة" في مبادرة احتضنها مقر المركز الاجتماعي دار القرب بخنيفرة، كما تم توزيع مواد غذائية وملابس على جميع تلامذة مدرسة كروشن، قبل تنظيمه لحفل ختان جماعي، وفي سياق انفتاح المجلس على باقي المجالات الاجتماعية، نظم سلسلة من الأنشطة التحسيسية على مستوى البيئة والرياضة وقانون السير وغيرها، بينما كان من بين المساهمين في الحملة الوطنية للتبرع بالدم.
وتحت شعار: "رب اجعل هذا البلد آمنا"، تميز المشهد الديني في خنيفرة بالملتقى التاسع للحديث الذي نظمه المجلس العلمي المحلي، في موضوع: "الأمن والسلام في السنة النبوية الشريفة"، والذي افتتح بمائدة مستديرة احتضنتها غرفة التجارة والصناعة ليرفع الستار عن أشغاله بمقر عمالة الإقليم، في حضور الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، محمد يسف، في حين تميز بتنظيم مسابقة في حفظ عشرة أحاديث من الأبواب الثلاثة من موطأ الإمام مالك حول مفهوم السلام في الإسلام.
المائدة المستديرة حول "الأمن والسلام"، شارك في تنشيطها مجموعة من الأساتذة الجامعيين والطلبة الباحثين، وحضرها عدد من رؤساء المجالس العلمية المحلية والعلماء والفاعلين، حيث جاء الدكتور المصطفى زمهنى، رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، بكلمة أوضح من خلالها سياق اللقاء وسبل انفتاح المجلس العلمي على مختلف المجالات والقضايا، للبحث والنقاش والمذاكرة، قبل أن ينطلق بعض الحاضرين في تدخلاتهم من التحدث عن الأمن والسلم من زاوية القرآن والسنة ومقاصد الشريعة، وربطه بالخوف والبحث عن سبل التعايش، في حين تحدث آخرون عن الدول التي تعاني من فقدان الأمن الذي بدونه لا يمكن للإنسان أن ينعم بالاستقرار والطمأنينة، بينما ركز أحد الحاضرين على إشكالية تناحر المسلمين بعضهم البعض بسبب الفرق والطوائف.
وفي ذات المائدة المستديرة، دعا بعض المتدخلين إلى ضرورة عمل أشغال الملتقى على دراسة موضوع الأمن والسلم من مختلف الزوايا وضروب المعرفة، في حين رأى أحد المسيرين أن موضوع الأمن يعتبر أكثر تعقيدا، ولا أحد بات خارج مربع الخطر في الوقت الراهن، مشيرا إلى الدول العظمى التي قال ب "أنها تصنع الفيروسات لبيع الأدوية، وتصنع الحروب للاتجار في الأسلحة وتصنع الأزمات لترويج الأفكار"، أما أخر فقد رأى أن الأمن ينطلق من الذات والبيئة والأسرة والعلاقات الزوجية والوسط الاجتماعي، ثم على المستوى العسكري والسياسي والفكري والاقتصادي والغذائي والروحي، كما لم يفت بعض التدخلات الإشارة إلى علاقة الأمن بالشرع والطبيعة، وبالعولمة والإرهاب الدولي، وبالوسطية والتطرف، وبالحرب والسلم، وببحث الإنسان عن الأمن كقيمة مشتركة ما تزال ناقصة في عالم تحكمه الفتن، حسب أحد الحاضرين.
وبدوره لم يفت عضو بالمجلس العلمي الأعلى، في نقطة نظام، التحدث مطولا عن حالة العالم الإسلامي حيث الموت يحصد الآلاف من المسلمين بسلاح المسلمين، داعيا أسرة التعليم وعلماء النفس ووسائل الإعلام إلى تدارس السلوك الإنساني وتعميق البحث في نوازع الشر داخل الإنسان، ومستشهدا في الوقت ذاته ببرنامج إذاعي ليلي كنموذج لصوت الناس واعترافاتهم، وما يعرفه المجتمع من مشاكل وقضايا، وفي سياق التظاهرة الدينية، نظم المجلس العلمي حفلا تكريميا على شرف عدد من العاملين بالأمن الوطني، السلطة المحلية، الدرك الملكي، القوات المسلحة الملكية، القوات المساعدة، الوقاية المدنية، المؤسسة الإصلاحية، حراسة الأمن الخاص.
وبقاعة الندوات بعمالة إقليم خنيفرة، جرت أشغال ملتقى الحديث في نسخته التاسعة، افتتحت بكلمة الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، محمد يسف، الذي أشاد بالملتقى وباختياره لموضوع الأمن والسلم، داعيا إلى المزيد من الاهتمام بعلم الحديث النبوي الشريف، ومطالبا بتوسيع قاعدة العلماء لأجل نهضة إصلاحية حقيقية ينخرط فيها الجميع من أجل استرجاع مكانة الأمة المغربية بين حماة الحديث، في حين تطرق رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، الدكتور المصطفى زمهنى، إلى الإطار العام الذي جاءت فيه التظاهرة بغاية العناية بالتراث العلمي للأمة، لاسيما في علم الحديث النبوي الشريف الذي كان المغرب دارا له، كما تحدث عما يعرفه عالم اليوم من اضطرابات وقلاقل تهدد كينونة الإنسان، بالإشارة إلى أن في الإسلام عموما، السنة النبوية خصوصا، ما يكفي من المبادئ والقيم الاستتباب الأمن ونشر السلام بين الشعوب.
وبعد كلمة عامل الإقليم، أشاد المندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية بأهمية موضوع الملتقى باعتباره حديث الساعة الذي يسعى الجميع إلى مناقشته لضمان الطمأنينة، بينما أبرزت كلمة اللجنة التنظيمية ما يؤكد على أهمية الملتقى كثمرة لجهود جميع اللجن التابعة للمجلس العلمي المحلي لخنيفرة، وخلال افتتاح الملتقى تم تكريم بعض القيمين الدينيين والمحسنين بالمدينة، ووزعت جوائز وهدايا على المتفوقين في مسابقة حفظ الحديث النبوي الشريف.
أما بالنسبة للجلسة العلمية الأولى، فتمحورت حول "الأمن: التأصيل والمفهوم والتجليات"، والتي ترأسها الدكتور محمد الراوندي، عضو المجلس العلمي الأعلى، حيث استهلت بمداخلة الدكتور عبد العزيز القسمي، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، تحت عنوان: "الأمن في القرآن الكريم: مفهومه وتجلياته"، تناول ضمنها مفهوم الأمن في القرآن الكريم، ليعرج على القواعد المؤسسة للأمن الاجتماعي، ذكر منها قاعدة الإمارة، وقاعدة العلم والتزكية، وقاعدة الإيلاف والتناسق والانسجام، في حين كانت المداخلة الثانية بعنوان: "الهدي النبوي وأثره في تحقيق الأمن" للدكتور إدريس الخرشافي، أستاذ التعليم العالي بكلية الشريعة بفاس، أبرز من خلالها ضرورة السيرة النبوية الصحيحة في تأسيس عناصر الأمن والأمان، مستشهدا بأحاديث نبوية شريفة، ومن جهته ركز الدكتور جمال البختي، أستاذ التعليم العالي بكلية أصول الدين بتطوان، في ورقته: "خصوصيات المذهب الأشعري والأمن العقدي" على علم التوحيد أو علم الكلام وماله من سبق وريادة في ترسيخ الأمن.
وبدوره شارك الأستاذ الحبيب العمري، رئيس المجلس العلمي المحلي للرشيدية، بمداخلة عنوانها: "مظاهر الأمن والسلام في غزوات الرسول (ص)" أكد فيها على الدور الأفضل للسيرة النبوية في ترسيخ الأمن، معتمدا على أمثلة عديدة منها التخطيط المحكم في فتح مكة، لتختتم الجلسة العلمية الأولى بمداخلة الدكتور توفيق الغلبزوري، رئيس المجلس العلمي المحلي للمضيق الفنيدق، حول: "الأمن في الفقه الإسلامي" التي أكد فيها ضرورة استنباط القواعد الفقهية الأمنية التي تعالج موضوع الأمن الشامل والكامل.
أما الجلسة العلمية الثانية، والتي كان محورها: "الأمن والمؤسسات: الأدوار والوظائف"، وترأسها الدكتور سعيد شبار، رئيس المجلس العلمي المحلي لبني ملال، فقد استهلت بمداخلة د. عبد السلام فيغو، رئيس المجلس العلمي المحلي للفحص أنجرا، في موضوع "الإسلام والسلام العالمي"، أوضح فيها معنى دعوة القرآن الكريم إلى الألفة بين الشعوب وتذويب جميع الجنسيات التي تفرق بين الناس وتجعل بعضهم ينفر من بعض، بينما تناول د. عبد اللطيف الميموني، رئيس المجلس العلمي المحلي لسيدي قاسم، في مداخلته مقومات الأمن الروحي في المجتمع، انطلاقا من الحديث الشريف "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله"، مبينا بالتالي أن الدين الإسلامي هو المرتكز الأساس لتحقيق الأمن وتثبيت العقيدة المعتدلة.
ومن جهته، جاءت مداخلة الدكتور أحمد عزيوي، أستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بفاس، في موضوع: "دور مؤسسة الأسرة في تحقيق الأمن والسلام"، للتأكيد على دور الأسرة في تحقيق الأمن الروحي والمادي بين أفرادها، ذلك قبل مداخلة الأستاذة فاطمة زهيد، أستاذة بالمدرسة الوطنية الفلاحية للمهندسين بمكناس، التي ركزت من خلالها على إستراتيجية الأسر القروية لتحقيق الأمن الغذائي في الأطلس المتوسط، مبرزة الارتباط القوي بين الأمن الغذائي والسلم والأمن وفق إستراتيجية علمية ميدانية، ليختم الدكتور مولاي احماد برجاوي، المندوب الإقليمي للصحة بخنيفرة، الجلسة العلمية الثانية بموضوع "السلامة الصحية والأمن: أي علاقة "، ركز فيها على دور التغذية الروحية والجسدية في تحقيق الأمن.


