أحمد امشكح

هل تصنع صورة المعطلين، اليوم، وهم يعتصمون أو يمشون في مسيرة احتجاجية أو وهم يضربون ويعنفون من قبل قوات «حفظ الأمن»، الحدث؟ أم إنها أضحت مجرد خبر عابر مكانه زاوية قصية في أية جريدة، أو إشارة في أية نشرة أخبار لمنتصف الليل؟ .
هكذا أضحت قضية المعطلين، اليوم، بيننا.

آخر الأخبار تقول إن معركة هؤلاء مع الحكومة متواصلة بشأن قضية تشغيلهم وفق المرسوم الوزاري الذي سبق أن وقعه عباس الفاسي معهم ورفض رئيس الحكومة الحالي، عبد الإله بنكيران، تطبيق بنوده، حيث وصلت فصولها إلى مشاهد مثيرة من خلال الأحكام القضائية التي صدرت لصالحهم، والتي تجاوزت اليوم مائة حكم، تحتاج فقط إلى من ينفذها. ومن يقوى على تنفيذ حكم صادر ضد رئيس حكومةٍ قيل إنها جاءت على أكتاف الربيع الديمقراطي، وإنها ولدت من رحم دستور جديد يتحدث عن المسؤولية والمحاسبة وجعل ما لله لله، وما لقيصر لقيصر؟
كيف يعيش المعطلون اليوم بكل فئاتهم، خصوصا أولئك الذين غادروا شوارع الرباط ولا يعودون إليها إلا حينما يضيق عليهم الخناق، بعد أن يكونوا قد ضمدوا جراحهم وعالجوا تلك الكدمات التي أصابتهم؟
يبدو عالمهم شبيها إلى حد ما بعالم الجنون. شباب في عمر الزهور، يحمل وراءه تعب الأيام وسهر الليالي من أجل شهادة جامعية توضع على الرف.

وحينما تجالس بعضهم وتستمع إلى شكاواه التي لا تنتهي، تشعر بأن اليأس والإحباط وصل به مبلغا كبيرا يحوله البعض إلى عبث.

ليس ثمة نظام يحكم حياتهم، سواء في الأكل أو في النوم. هناك ما يشبه الحرية المطلة في علاقة المعطلين بمحيطهم صباحا ومساء، صيفا وشتاء. وحينما تحاول أن تفهم سر هذا الصبر والجلد الذي يتحلون به في مواجهة خطاب الوقت حول البطالة وأرقامها، وحول أفق المستقبل، تكون المفاجأة هي اللامبالاة، فكل الطرق أضحت تؤدي لديهم إلى الضياع.
يعترفون بأنهم طافوا بشهاداتهم على أعتاب الإدارات، واعتصموا، و»أكلوا» نصيبهم من عصا المخزن، وكاتبوا كل المجالس التي أحدثت. غير أنهم تأكدوا، في نهاية اللعبة، من أن كل ما يولد من كم السلطة، لا بد أن يكون معوقا بالضرورة. واليوم، اختاروا القضاء بحثا عن حكم عادل في قضيتهم، بعد أن علمتهم مقاعد الدرس أن العدل أساس الحكم.. لكن دون جدوى.

ما العمل؟ لا سبيل اليوم غير البحث عن خلاص أو الجنون المؤدي حتما إلى موت بالتقسيط، أليست العطالة في هذا الزمن المغربي جنونا؟
تبدو هذه الشبيبة المعطلة، التي تنتظر وعود الحكومة، أي حكومة، شبيهة بشخصيات كتاب الرواية العبثيين من أمثال «ألبير كامو» و»أندري جيد» و»جون بول سارتر»، فلا معنى عندهم اليوم للحب، رغم أن أعدادا منهم عشقت وتزوجت وأنجبت أطفالا، ولا للصداقة أو للأبوة أو للضمير، بعد أن وجدوا أن كل من وعدهم ذات يوم وأخلف، كان بدون ضمير.

وإذا كان العبثيون يقولون إن الشيء الوحيد الذي يستحق الاهتمام هو الانتحار، لأنه طرح لسؤال فلسفي كبير: «هل تستحق هذه الحياة أن تعاش؟»، فإن المعطلين يعتبرون أن الشيء الوحيد الذي أضحى مهما هو البحث عن وسيلة هروب بحثا عن فضاء آخر.

وإذا كان سارتر يقول إن كل فرد هو عالم مغلق، فيما الآخرون هم الجحيم، فإن المعطل عالم مغلق لن ينفتح إلا إذا نجح في تجاوز عتبة عطالته، ولو بالجنون أو الانتحار.
أيها المعطلون، لا تنتحروا قبل أن تنتحر الحكومة، ولو رمزيا، ما دامت عاجزة عن إنهاء قضية هذه العطالة التي هي وصمة عار على جبينها، وجبين الزمن المغربي.


المصدر: المساء