عبد اللطيف قسطاني - جديد انفو

يعيش سوق الواد الأحمر بالرشيدية منذ مدة على صفيح ساخن، خصوصا وأن ساحته تعرف منذ عشرة أيام استمرار الاعتصام المفتوح الذي ينظمه تجار وحرفيو السوق احتجاجا على ما أسموه ب: "ورش العار"، المفتوح على المساحة التي كان يشغلها المقهى بقلب السوق.

قصة هذا الورش ليست ملفا جديدا، لكنها لم تظهر للعلن إلا في الآونة الأخيرة حين انطلقت به أشغال البناء لتكشف عن ملف ساخن تعددت أطرافه حتى استعصى علينا استقصاء الحقيقة لتضارب الآراء بين أطراف النزاع..

القصة ابتدأت تقريبا منذ سنة ونصف، حين باع مالك الأصل التجاري للمقهى ملكيته لمستثمر آخر لم يكن مقتنعا بحالة المقهى ولا قدرتها على مسايرة رغبته في الاستثمار مادامت قديمة وتقليدية ليس في شكلها وبنايتها فقط، بل وحتى على مستوى نشاطها الذي لم يكن مؤهلا لتوفير مداخيل مقنعة لصاحب المشروع، وكان بديهيا أن يبحث لنفسه عن سبل تنمية موارده بتأهيل المقهى ونشاطها.

إلى هنا والقصة عادية لا تثير أي فضول، لكن أن تتحول المقهى من مساحة لا تتعدى 45 مترا مربعا إلى أزيد من 110 أمتار مربعة، وأن تكون في الطابق الأرضي لتعتلي بعد إعادة بنائها سبعة دكاكين جديدة، وأن يصبح من حق المالك الجديد التصرف بهذه الدكاكين، وتفاصيل أخرى سنأتي على ذكرها في المقال، هو ما جعل القصة تأخذ منحى خطيرا أصبح معه تجار وحرفيو السوق يهددون بالتصعيد.

وفي الوقت الذي يصر المجلس البلدي – حسب ما صرح لنا به أمين الحسناوي عضو بالمجلس الجماعي للرشيدية – على أحقية المستثمر في التصرف في الدكاكين السبعة بنفسه أو بالكراء أو البيع وبأي ثمن شاء مادام الأصل التجاري في ملكيته، ومادام ملتزما بأداء واجبات المجلس الشهرية، خصوصا أن البناء تم من ماله الخاص، فإن جمعية تجار وحرفيي السوق والنقابة الوطنية لتجار وحرفيي سوق الواد الأحمر المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب الدراع النقابي لحزب الاستقلال، يرون رأيا آخر خصوصا مع ارتباط اسم المستثمر الجديد بحزب العدالة والتنمية الذي يسير المجلس البلدي من جهة، ولكون ملف تغيير النشاط سبق وأن تم رفضه للمستثمر السابق من طرف مجالس سابقة، مما يضفي على الملف شبهات سياسية لا سبيل لإزالتها إلا بالتطبيق الحرفي للقانون.

وحتى نكون منصفين فلابد أولا من التأكد من ملكية هذه المقهى هل هي ملكية خاصة للمجلس البلدي أم ملكية عامة، لأن الملكية الخاصة تمنح صاحبها الحق في التنازل عنها أو عن مداخيلها أو عن أصلها التجاري وبشكل عام التصرف فيها، في حين أن الملكية العامة لا تمنحه ذلك الحق، وهذا يحيلنا إلى إشكاليتين أساسيتين:

الأولى تتعلق بالطلب الذي وضعه مستشارو المعارضة بالمجلس البلدي للرشيدية لرئيس المجلس للاطلاع على الملف القانوني للمشروع، دون أن يتوصلوا بأية وثيقة حسب ما أفادنا به مصدر مطلع من داخل المعارضة.

والثانية تتعلق بانتماء المستثمر الجديد لحزب العدالة والتنمية، مما يجعل الملف مشوبا بشبهة الريع السياسي خصوصا بعد رفض نفس الملف في نفس المكان لمستثمر آخر من مجالس سابقة، بالإضافة إلى إمكانية استفادته من 350 مليون سنتيم، بمعدل خمسين مليونا لكل دكان مقابل بيع حق التصرف فيها لأطراف أخرى أو ما يسمى بالعامية المغربية "بالساروت".

أمين الحسناوي في معرض حديثه عن الموضوع صرح لنا بما يوحي بأن الأمر يتعلق بملك خاص للبلدية يمنحها القانون الحق في الاستثمار كيفما شاءت، وتساءل استنكاريا عن الترخيص ببناء الطابق الأول على كل دكاكين السوق هل يمنح القانون الحق للبلدية في ذلك، ليؤكد بعدها أنها فعلا تملك الحق في ذلك لأنها تتصرف في ملكها الخاص، ولأنها الجهة المخولة بمنح رخص البناء، والمستفيدة من الضريبة المهنية وواجبات الكراء.

والحقيقة أنه لا يجب أن ننسى أن الملك العمومي سواء كان خاصا أو عاما فهو ملك للشعب، والمجلس البلدي مفوض فقط لتدبيره لمدة زمنية محددة ووفق القوانين الجاري بها العمل، وفي احترام تام لحقوق المواطنين باعتبارهم ملاكا أصليين.

فهل يملك المجلس البلدي الحق في الترخيص ببناء سبعة دكاكين جديدة تحت المقهى؟ خصوصا أن الأمر لا يتعلق بتغيير نشاط لأن النشاط الأصلي ظل على حاله مع إضافة الدكاكين الجديدة وبمساحات أكبر من الدكاكين الأصلية بالسوق التي تصل مساحة أكبرها إلى مترين و80 سنتمترا طولا ومترين ونصف عرضا في حين أن الدكاكين الجديدة مساحتها ثلاثة أمتار ونصف طولا وثلاثة أمتار عرضا؟ وهل يحق له التنازل عن كل هذه المداخيل لمستثمر كيفما كان لمجرد أن البناء تم من ماله الخاص؟ أم أن مستثمرنا له حظوة خاصة ويحق له ما لا يحق لغيره؟ ولماذا رفض المجلس البلدي مقترح تجار وحرفيي السوق بإجراء سمسرة عمومية تستفيد البلدية من مداخيلها مع تعويض المستثمر عن مصاريف البناء؟

ومن جهة أخرى هل يمكن اعتبار الترخيص ببناء الطابق الأول مجانا لكل تجار وحرفيي السوق مساهمة في التوسيع عليهم أم أنه مجرد التفاف لإيجاد مخرج لمشكلة المقهى؟ ولماذا تم التغاضي عن احتلال صاحب المقهى للملك العمومي خلال الحملة التي قادها عامل صاحب الجلالة على الإقليم منذ شهور؟ ألا يمكن اعتبار ذلك نوعا من تهييئ الطبخة على نار هادئة ليستفيد منها المستثمر الجديد؟ خصوصا وأن دكاكينه الجديدة ستتربع على مساحة 110 أمتار مربعة في حين أن المقهى ستتجاوز ذلك لأن ورش البناء يوضح أعمدة خارجية ستكون لا محالة لبناء المقهى على مساحة أكبر.

هي أسئلة غير بريئة ولا شك، لكنها تحمل في طياتها الكثير من الغموض الذي من الواجب على المجلس البلدي للرشيدية العمل على إزالته، ولن يتم ذلك إلا بالإجابة على كل التساؤلات، بدءا بضرورة الكشف عن الملف القانوني للمشروع بما في ذلك العقدة التي تجمع المجلس مع المستثمر، دون إغفال الرد على كل الشبهات بنصوص قانونية دامغة تسكت المحتجين أو توقف "ورش العار" إن كان فعلا كما أسماه التجار والحرفيون، أما مسألة المرافق الصحية فهي متروكة لضمائر المسؤولين لأن بين مرتادي السوق مرضى وضعاف وذوو احتياجات خاصة، والأولى التفكير في تركها في الطابق الأرضي أو –كما قال أحد الظرفاء– استغلال بعض المال المتحصل عليه من الدكاكين الجديدة لتركيب مصعد كهربائي للصعود إليها دون مشقة، أما الحديث عن المرافق الصحية المتواجدة في أقصى السوق خلف دكاكين التمور فهو من قبيل العبث والهروب إلى الأمام لتنفيذ الأجندة المسطرة وحسب.

المسؤولية الآن ملقاة على عاتق رئيس المجلس البلدي للرشيدية الذي لم أعهد عنه إلا الجرأة والمكاشفة، فهل سيتحلى بهذه الجرأة اليوم لكشف الملف كاملا، أولا لتطبيق مبادئ الدستور الجديد فيما يتعلق بحق المواطنين في المعلومة، ثم إما لتبرئة المجلس من ادعاءات كاذبة يروجها خصومه، أو للاعتراف بالخطأ والتوبة عنه وإرجاع الأمور إلى نصابها؟؟ لا أدري..

الصورة من الوقفة الإحتجاجية التي نظمها تجار سوق الوادي الأحمر خلال إنعقاد الجلسة الاستثنائية للمجلس الجماعي للرشيدية يوم الأربعاء 02 دجنبر 2015 .