زايد وهنا - جديد انفو
لا يمكن أن نؤرخ لمنطقة كير إلا من خلال ما وصلنا عبر الرواة ،و حيث أن المنطقة لم تعرف تأريخا بالمعنى العلمي الدقيق ، فإن أي إهمال أو خطإ فهو غير مقصود ، و لسنا مسؤولينا عنه ، إذ الدافع هو معرفة بعضا من تاريخ المنطقة دون حيف أوتحيز، و إنما ننقل بأمانة و حسن نية ما سمعناه عن سلفنا
و ننقله نقلا صريحا ، لا زيادة فيه و لا نقصان.
تمتد منطقة واحات كير في شمالها الغربي إلى مرتفعات الأطلس الكبيرشمال كرامة ، و هذه المرتفعات هي المنبع الرئيسي لواد كيرو يضم حوض هذا الواد كل من واحة ملاحة، باكنو،إيرارة، الكرعان، قدوسة، تازوكارت، بوذنيب الكبير، أولاد علي، بني وزيم و السهلي ، و ينساب إلى حدود بوعنان حيث يلتقي واد كير بواد أيت عيسى و واد زلمو فيشتركان في واد واحد كبير هو واد الداورة . و هكذا تكون نهاية واد كير هي نقطة التقائه بهذا الواد ، و قد أطلق القدامى على هذا الجزء الأخير منه ( كير ذوي منيع ).
إذن نستنتج مما سبق أن حوض واد كير يمتد من شمال كرامة إلى بوعنان
و هي المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي لإقليم الرشيدية ، و عليه فإن هذه المنطقة التي تتخللها هذه الواحات كانت في وقت ما معبرا للقوافل التجارية ، وكانت تعرف باسم لمزالق ذلك أن الدواب تنزلق في طينها أثناء التساقطات المطرية، و رغم ذلك كانوا يعتمدونها لأن واحاتها توفر لهم و لدوابهم الماء والكلأ والظل خصوصا أيام القيظ ، فأطلقوا اسم بوذنيب على المنطقة الوسطى منها بالتحديد، و بالرجوع إلى القواميس القديمة كلسان العرب لابن منظور أو غيره من المناجد لم نجد اشتقاقا لهذه التسمية أو الكلمة إلا من فعل ذنب الذي وجدنا له عدة تعاريف منها :
ذنب-ذنبا : بمعنى تبعه ولم يفارق إثره .
تذنب الطريق : بمعنى أخذه و مشى فيه .
ذناب الشيء : عقبه و مؤخره .
ذنب الرجل عمامته : إذا أرخى جزءا منها خلف رأسه .
سالت المذانب:أي جرت مسيلات الماء .
أذنب : أي ارتكب جرما و خرج عن جادة الصواب .
الذنب: ذيل الدابة .
الذنب من الوادي: الموضع الذي ينتهي إليه مسيله .
ولعل أقرب التعريفات إلى الصواب، هو أن القوافل التجارية كانت تذنب أي تغير مسارها، فعوض أن تمربدرعة أو تافيلالت ، كانت تفضل العروج على بوذنيب طلبا للأمن و الراحة و اختصارا للطريق .
كما أن منطقة كير تعتبر صلة وصل بين ثلاث جهات أساسية، ذلك أنها إلى الجنوب تطل على الصحراء الكبرى عبر حمادة كير، و إلى الشرق ترتبط بالجزائر ارتباطا وثيقا، و إلى الغرب كانت منفتحة على سجلماسة الضاربة في القدم و التي كانت تعتبر مركزا تجاريا مهما بالجنوب الشرقي المغربي آنذاك،
و معقلا لكثير من الزوايا الصوفية التي كان الناس يؤمونها من كل البقاع طلبا للعلم والتعلم .
وقد سمعنا من شيوخنا و أجدادنا في مجالسهم أن واحات كير عرفت سلسلة من الهجرات عبر تاريخها بدءا بهجرة بني هلال و بني سليم و بعدهم بني يحسن ودخيسة ، و لا زالت بالمنطقة بعض الآثار التي تدل على مقامهم في العديد من القصور على طول واد كير، كما جاء اليهود و استوطنوا بها و اندمجوا مع السكان الأصليين، و تعاطوا للتجارة و بعض الحرف التقليدية كالنسيج ، الدباغة ، الفخار، واستغلوا مسد النخيل في صناعة الحصائر و الأطباق وغيرها كثير .
كما يحكي الشيوخ و العجزة أن اليهود هم السباقون إلى بناء منازلهم في الضفة الغربية لواد الكرابة ، و كان الناس يسمونه ( الفيلاج) ، في حين أن بعض السكان الأصليين أقاموا بعض الزراعات المعاشية في الضفة الشرقية لواد الكرابة ، كل في كربه و الكربي هو عبارة عن بستان محاط بسور من التابوت أي( اللوح ) تتوسطه بئر يسقي منها صاحب الكربي مزروعاته بطريقة ( أغرور) هذه المزروعات التي لا تعدو أن تكون إلا خضرا يقتاتون بها و يبيعون بعضها لليهود في الضفة الأخرى أي (الفيلاج) و حيث أن جمع كلمة الكربي هي الكرابا ،فقد أطلق هذا الإسم على هذه الضفة ، و لا زالت تسمى كذلك حتى عهد قريب حيث أصبحت الآن تسمى الحي المحمدي، رغم أنني أفضل أن تحتفظ باسمها القديم ذي المدلول التاريخي .
كانت هذه بعض المعلومات التي استقيناها من تراثنا القديم كما رواه لنا القدامى من خلال أبحاث شخصية قمنا بها ،لا لشيء و إنما لمعرفة تاريخ بلدتنا من منطلق حبنا لها و غيرتنا عليها ، فما أصبنا فيه فهو بعون من الله و ما اخطأنا فيه فهو من أنفسنا ومن تقصيرنا ، و الله على القصد عليم .