أستاذ متدرب – مركز درب غلف -

المسيرة الوطنية الثانية تأكيد جديد على أن الأساتذة المتدربين عازمون على تحقيق مطالبهم المشروعة وان استمرار سياسة الاذان الصماء التي تنهجها الحكومة في وجه الأساتذة المتدربين سيؤدي الى تطور المعركة وتبني خطوات تصعيدية لا يمكن التنبؤ بها ولكن الأكيد أنها لن تكون في صالح الحكومة. 

استمرار التجاهل ونهج سياسة التهديد والوعيد وتبخيس النضالات اليومية للأساتذة المتدربين مند شهرين من مقاطعة للدروس النظرية والتطبيقية، ووقفات ومسيرات جهوية ووطنية انما هو استخفاف وجهل بهذا الجيل الذين لا يفهمونه ولا يعرفون كيف ينضر للأمور، جيل يصرون على أنه لا يفقه في السياسة شيئا وكل همه هو قضاء ساعات وساعات وراء شاشة الحاسوب وفقط. 

هذا الجيل الرقمي، الجيل Y (مواليد منتصف الثمانينيات فما فوق) شكل ومازال يشكل تحديات كبرى لكل المنضمات (بالمفهوم الواسع للمنضمة –مقاولات، شركات، نقابات، أحزاب وحكومات-) عبر العالم لكونه بدأ منذ بضع سنوات يقتحم سوق الشغل ويصل الى مراكز القرار ونضرته الى الأمور مختلفة تماما عن الأجيال السابقة -جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية وجيل الحرب الباردة -، هذا الجيل الذي بدأ مع الطفرة التقنية وتطور الانترنيت قائم على رفض الوصاية والتمركز ومعتمد على المشاركة والتشارك والتي هي في الأصل مبادئ تأسست عليها هذه التكنولوجيات -الكود المفتوح المصدر، حرية المشاركة، إشاعة المعلومة...- فتم اسقاطها اجتماعيا لتصبح هذه المبادئ السمة المميزة لهذا الجيل في علاقاته و نمط تفكيره.

الجموع التي حضرت الى الرباط طواعية من كلا الجنسين ومن كل ربوع الوطن، الشعارات الموحدة، اللباس الموحد، الأشكال الإبداعية المصاحبة له، التنظيم المحكم في مشهد رهيب لم يسبق له مثيل... انما هو افراز من افرازات هذا الجيل الذي يستعمل التكنولوجيا في الحشد والتنظيم والاعلام بعيدا عن كل المركزيات النقابية والحزبية التي فشلت في جمع مثل تلك الحشود وبذلك التنظيم رغم كل الدعم الذي تتلقاه، صحيح ان اغلبه غير مهتم بالسياسة بالمفهوم الذي تفهمه الديناصورات السياسية المغربية من كلمة سياسة(غير منتمون حزبيا، اغلبهم لا يصوتون في الانتخابات...)، و لكنه جيل رفض و فضح لكل الممارسات السياسوية.

فهذا الجيل -والذي ينتمي اليه الأساتذة المتدربين- هو من فجر فضيحة دانيال، مولات دانون، وزير الكراطة، وزير الشكلاط، الشرطي الركال، مولات جوج فرنك... انه يفرض بهذا الأسلوب رقابة شعبية على الممارسات السياسوية لمسؤولينا اللامسؤولين وأصبح الكل يحتاط من هذه الجيوش الرقمية والتي تشكل قوة لا يستهان بها، وكانت المحاولة الأولى لانزال هذه الحشود الى الشارع فيما يعرف بحركة 20 فبراير و التي حركت الراكد و أخرجت ألاف المواطنين للاحتجاج و بعثت بصيص الامل في التغيير غير أنه لعدم تحصينها الجيد و لكونها التجربة الأولى فقد تم اجهضها و نزع صفة الشبابية منها بعد تدخل المستحاثات النقابية و الديناصورات الحزبية و مرشدي الجماعات الدينية فيها، اجهاض هذا التحرك اعقبه ركود ما بعد دستور 2011 و"الإصلاحات المتقدمة" التي يقال انه جاء بها. هذا الركود هو ما استغلته الحكومة الملتحية بقيادة بنكيران لتمرير مخططتها التي لا تختلف عن سابقتها وهي التملص التدريجي من تقديم الخدمات العمومية وتقديمها هدية للقطاع الخاص تنقيدا لإملاءات المؤسسات النقدية الدولية.

وفيما يتعلق بقطاع التعليم فمواقف بنكيران معروفة حتى قبل توليه رئاسة الحكومة، فالتاريخ يسجل أنه كان ضد مجانية التعليم وكان من أشرس المدافعين عن الأداء في التعليم عندما كان في اللجنة التي سهرت على بلورة ميثاق التربية والتكوين، كما انه من المستفيدين من الوضع الراهن -الهجرة من المدرسة العمومية نحو التعليم الخاص - باعتباره من مالكي أحد أهم مجموعات مدارس للتعليم الخصوصي. وصرح بان القطاع التعليمي أصبح عبئا على الدولة و في عهده تراجعت الميزانية المخصصة للتربية و التكوين بالمقارنة مع الحكومات السابقة، ولفهم ما يجري حاليا يجب العودة الى لقاء عبد الإله ابن كيران يوم الجمعة 13 يونيو2014 بممثلي "التعليم الخاص" بالمغرب حول تفعيل الاتفاق الموقع في ماي من سنة 2007، الذي يتضمن مجموعة من التحفيزات لتنمية القطاع والرفع من جاذبيته تتمثل بالخصوص في الإعفاء من الرسوم الجمركية وضرائب الجماعات المحلية حيث التزمت الحكومة بإلغاء الرسم على مؤسسات التعليم الخاص المستحق في إطار القانون المتعلق بضرائب الجماعات المحلية والاستفادة من صناديق إنعاش الاستثمار بالتزام الدولة بتقديم تحفيزات على مستوى العقار والمواكبة في التمويل والدعم الإداري والاستفادة من خطوط التمويلات الخارجية وإعفاءات ضريبية أخرى.

ويسعى الاتفاق كما جاء فيه، الذي حدد سنة 2015 كأجل لتحقيق أهدافه، إلى تأهيل القطاع وتسريع هيكلته والرفع من جاذبيته وتكريسه كشريك رئيسي للدولة من خلال استيعابه ل 20 في المائة من مجموع التلاميذ والطلبة والمتمرنين. هذا الاتفاق تعبير صريح بعد أن كان مخفيا – عن توجه سائد اجهز على المدرسة وجعلها مقاولة خاضعة لمبدأ العرض والطلب، يغلب عليها طابع الربح والخسارة على طابع التكوين العلمي والاجتماعي المنوطين بها، وما اصدار المرسومين الا الخطوة الأولى في هذا المنحى و الذي بموجبه -المرسوم- سيتم تخريج الاف من الأساتذة المؤهلين من جيوب دافعي الضرائب لصالح قطاع خاص محترف للتهرب الضريبي و همه الوحيد هو الربح.

وفي سياق هذا الهجوم يمكن اعتبار معركة الأساتذة المتدربين ردا ومحاولة ثانية لهذا الجيل بعد افشال "حركة" 20 فبراير، ورغم انها تبدو في المظهر فئوية إلا انها مجتمعية في عمقها، فنضالها ونزولها للشارع ضد المرسومين هو نضال من اجل المدرسة والوظيفة العموميتين وقطع للطريق امام لوبيات الخاص الذي هو المستفيد الحقيقي من هذه المراسيم فالدولة تتكلف بإعداد وتكوين جيوش من الخريجين المؤهلين اللذين سيتزايد عددهم كل سنة و تقحمهم في “سوق شغل جديدة ” هي” سوق” التربية التي يتم تسليعها، و لن يصبح الخريجون موظفين في وزارة التربية الوطنية، يؤدون المهام التربوية كخدمة عمومية، بل مجرد حاملين لشهادات تأهيل مهني، يتنافسون مع بعضهم للحصول على منصب شغل بأي شروط، مما سينعكس سلبا على حقوقهم، وكذلك على مكاسب الشغيلة التعليمية ككل. 

هذه المعركة المستمرة على المستوى الوطني وعلى مستوى كل مركز هي اعلان عن ميلاد جيل جديد من الأساتذة، جيل متضامن، واع ومتقبل للاختلافات في توجهاتنا السياسية والفكرية بل وفي اعتقاداتنا الدينية وهذا الاختلاف بحد ذاته نقطة قوتنا ومناعتنا ويجنب التنسيقية الوطنية أي احتواء او ركوب سياسي ويعطيها شرعيتها التي تظهر جليا في لاستجابة الفعالة لكل النداءات التي تطلقها سواء على المستوى الوطني او المحلي. ان المعركة التصعيدية التي تقودها التنسيقية الوطنية أوقعت رئاسة الحكومة ووزارة التربية الوطنية في الارتباك والتناقض في التصريحات والتبريرات المقدمة حول خلفية اصدار هذين المرسومين فمن ادعاءات الجودة، الى محاولة حل إشكالية المناصب المالية بعد فضيحة العام الفائت الى الحديث عن امكانية ارسال الأساتذة للعمل بدول الخليج. ان النجاح الباهر لمسيرتنا الوطنية الثانية والمشاركة اللافتة لأمهات وأباء الأساتذة وكذا الطلبة والتلاميذ لدليل على أننا على الطريق الصحيح وأن قضيتنا وصلت للقواعد الشعبية وان بنكيران وبلمختار يلعبون أوراقهم الاخيرة.

لتعلم حكومتنا اللاموقرة أن هذا جيل منفتح على ثقافات وأفكار من كل انحاء العالم بفضل الانترنيت، جيل يبحث في نفس الوقت عن المعلومة ونقيضها مما يولد عنده حسا نقديا ولا يتم اخضاعه بسهولة، انه جيل لا يثق فيكم ولا في وسائل الضبط والأدلجة التقليدية التي تهيمنون عليها وله في ذلك تقنيات ووسائل بديلة. نحن لا نثق لا في اذاعاتكم ولا قنواتكم ولا برامجكم ولا خطبكم ولا برلمانكم. ولكم ان تحللوا خطورة الشعارات التي هتفت بها الوف الحناجر البارحة "هذا برلمان؟ حاشا" "هاذي حكومة؟ حاشا"... ولكم ان تفهموا تداعياتها وتتنبؤوا بما ستؤول اليه الاوضاع إن استمريتم في تجاهلنا.

* رسالة التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين بالمغرب :

* أغنية أنا أستاذ الغذ - ابداع أساتذة الغذ فرع تيزنيت :