لحسن ايت الفقيه - جديد انفو / متابعة

كانت سجلماسة بالأمس خزانا بشريا تغذي السهول المغربية بالتعمير كلما حصل الانهيار الديموغرافي عقب المجاعات والأوبئة التي كان يشهدها المغرب بين الحين والآخر، وأضحى محيطها قصر أبو عام، وقصر صوصو، والريصاني، بعد اندراس الحاضرة المحتضنة العمران والحضارة والثقافة مهددا بالهلاك تحت وقع الإهمال والتخلف وتعذر الولوج إلى الحق في الصحة. إنه موقف عام، يبدو مصادرا به المطلوب. لكن الواقع شاء أن يجند جثة الهالكة أسماء اسماعيلي علوي، المزدادة بقصر (دوار) صوصو سنة 1996، التي لاقتها الموت هي ومولودها يوم الأحد 13 من شهر دجنبر من العام 2015 لترسم تاريخا آخر يردف إلى اندراس حاضرة سجلماسة هلاك سكان الريصاني ومحيطها تحت وقع الإهمال. لن نشهد إلا بما علمنا مستفرغين السجل الصوتي المضمن لشهادة شاهد من أهلها. وقبل ذلك خاض سكان مدينة الريصاني وقفة احتجاجية يوم الجمعة 18 من شهر دجنبر من العام 2015 منددين بالوضع السيء بمستشفى الريصاني. ولئن كانت الرواية الواحدة والوحيدة غير كافية لاستقصاء الخبر فإن بسطها، من وجهة نظر المشتكي وحده، قد تنير بعض معالم أهوال الإهمال واللامبالاة، التي تؤدي المرأة والطفل ثمنها:

«عمر أختي يوم هلاكها 19 سنة وأربعة أشهر، تزوجت في السن المطلوب، ولم تكن قاصرة»، تقول أخت الهالكة بمنزل أبيها بقصر (دوار) صوصو المحاذي لمدينة الريصاني. نعم «إنها توفيت بالإهمال، ولقد رافقتها مشيا على الأقدام إلى المركز الصحي بالريصاني، وأصرح أنها كانت مواظبة على التردد على الممرضين منذ الأشهر الأولى من الحمل، وكانت استفادت من بعض النصائح والمراقبة، ولم يُر [فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة] عليها أي مرض وفق تصريح الدكتور العوني»، يضيف زوجها الذي هاجر من مركز الجرف إلى الريصاني بحثا عن العمل كمياوم ليضمن بعض الشروط لزوجته، كالولوج إلى الحق في الصحة عن قرب، في أحسن الأحوال! «لقد لمسنا من المولود (الأنثى) أثار الرضوض والتشوه (انظر الصورة) لما أسقطت أرضا بالعنف. لقد اكتمل نموها في رحم أمها، وكان من المفترض أن تخرج إلى الحياة بشكل طبيعي سليمة من كل بأس» تقول أخت الهالكة. « إنهم لم يبينوا في التلفزة صورة جثة المولودة، ولم يبينوا شهادة طبيب الريصاني، بل فتحوا المجال أمام طبيب بالرشيدية، ليواجه الإعلام المرئي المقتضب» يضيف الزوج. ولأن الإعلام المرئي يخضع للتصرف فضل الزوج أن يبدأ من حيث يجب البدء: «خرجنا من المنزل ابتداء من الثانية بعد الزوال من يوم الأحد أي: بعد تناولنا طعام الغذاء، ولم يُر على الزوجة أي وقع للآلام…». ولأن أخت الهالكة قاطعت الزوج، ولم تسمح له بمواصلة الكلام، لا لشيء سوى أنها عاينت أن استحوذ عليه الحزن وامتلأت عيناه من الدمع ولم يقدر، تحت وقع الخجل، أن يستفرغ الدمع بالبكاء، ولا على الاسترسال في الحديث، فكان لزاما الإنصات للأخت: « لقد مكثنا بعيدا بالمركز الصحي، من الثالثة عصرا إلى الخامسة من يوم الأحد [13 من شهر دجنبر من العام 2015]، لم نلف بالمركز من يتحدث معنا عدا الحارس. ولقد استعطفت الحارس [العساس] لما تبين أن سائلا ينزل من أختي، وأن ذلك من علامة المخاض، حسب تجربتنا في الوضع. أخبرني الحارس أن السيدة الطبيبة المكلفة سافرت إلى مدينة الرشيدية، لكنها تركت من ينوب عنها، وسأتصل بها، عساها تقوم بالمطلوب وتحقق المراد. ولقد فعل ولم تجبه السيدة النائبة، فنشأت أمي تبكي متأثرة بالفشل الذي حالفنا. هنالك دلّ الحارس زوج أختي الهالكة على منزل ممرضة، قال إنها ذات تجربة في الريصاني، وذات أخلاق حسنة، أملا في تقديم المساعدة. واشترط منه – الزوج- ألا يُعلمها وألا يذكره عندها خوفا من اللوم. طرق الزوج باب البيت المقصود ولم يجبه أحد، وطرق باب المنزل المجاور فخرج رجل يواجه الزوج، ومن رافقه بوابل من اللوم، لأنه من العيب دق أبواب رجال الصحة العمومية يوم الأحد». ويبدو أن حارس المركز الصحي بالريصاني دلّ الزوج عن قصد، لا عن غفل أو تغافل، على منزل الطبيب. «لقد بدأ يسبني أنا ووالدتي» يقول الزوج، إذ قال لي:«إن هذا المنزل ملكي الخاص ولا يحق لكم التردد علي لإزعاحي». ولما حضر بالمستشفى تبين أنه طبيب وبدأ يلوم الحارس متهما إياه بأنه هو الذي أراه المنزل. وأقسم «أقسم بالله أن الحارس دله فقط على منزل السيدة الممرضة»، تضيف الأم مسترسلة أنها اتصلت بالمستشار الجماعي الذي نادى ممرضة قصد المساعدة، ولكن ثبت أنها لم تحضر. والذي حدث أنه حصل بعد قليل أن «حضرت ممرضة صغيرة، ممرضة متدربة بالمركز الصحي صحبة سائق، وفور دخولها نشأت تصيح [علاش برزتوني ! وأنا ما عندي شي خدمة! وانا ما عندي خدمة! يالله تحركي]، قلت لها مهلا أختي الممرضة لا تعنفي السيدة [بشوييا اختي مرا مازالا قاصر] قالت لي: [برا عافاك] أي: انصرفي إلى خارج قاعة الولادة! اتصلي بزوجها ليحضر لنا الغطاء والملابس» تضيف أخت الهالكة. «إنها ممرضة متدربة، جرّت أختي إلى قاعة الولادة. وعقب ذلك حضر معها ممرضتان [ذكرتهما بالاسم] وخادمة في مجال النظافة». وأضافت «لما قضيت لهن بعض الأغراض، اشتريت أكياسا من البلاستيك، وجدت إحداهن تضرب أختي بعنف، قلت لها: ساعديها من فضلك، إنها غير ذات تجربة في الوضع. أخرجتني من القاعة، [شفتهم تايعطيوها التصرفيق على رجلها، كل شي كايغوت عليها خمسة تجمعوا عليها]»، وأضافت الأم أنها سمعت صوت العنف. واصلت أختها الحديث «اتصلت إحدى الممرضات بالطبيب ليحضر، بعد أن تعذر عليهن توليدها، أخرجت [فعل ماض مبني للمجهول بصيغة المتكلم] من المستشفى، وسمعت صيحتها. صاحت صيحة واحدة، ثم سكتت وسكنت بعد ذلك، قلت في نفسي: إنها وضعته. دخلت عليهن، على حين غفلة، فوجدت امرأة [ليست بممرضة] صاعدة فوق بطنها ضاغطة عليها. لاحظت أن أختي تنفث دما، ونشأت أصيح: ماتت! لقد ماتت! ماتت! أخرجوني من القاعة ليدل عقب ذلك الطبيب. ولقد كتمت سرا على أمي لأنها مريضة بالسكاري، أفصحت لها، بالباطل، أن أختي تخلصت من الحمل [تفكات]، خرجت إحدى الممرضات لتأمرنا بأن نحضر لها طعاما، انتظرنا عقب ذلك ساعة ونصف حتى فقد الطعام سخونته. هنالك خرجت ممرضة أخرى لتخبرني أن نزيفا لحقها، وظننت أن النزيف باللغة الفرنسية هو الدواء، وأفصحت أن النزيف لا يعالج بالريصاني، وأن عليك إخبار أبيها لينقلها بسيارة الإسعاف إلى الرشيدية، وأما المولودة التي وضعتها فقد أغمي عليها، عندها فهمت المعنى الصحيح. ولقد تأخر حضور سيارة الإسعاف أكثر مما ينبغي، ولما أخرجت من قاعة الولادة عاينتها تنفث دما وكأن السماء تمطر»، ودون الاسترسال في الرواية فارقت السيدة الحياة بين أرفود والريصاني، لكن الناقلة واصلت سيرها إلى الرشيدية، وفي اليوم الموالي توفيت المولودة.

يستنتج من هذه الرواية التي أذاعتها أيضا قناة المغرب الثانية مقتضبة، وإن كانت أحادية البعد ما لم تردف برواية الممرضات، ما يلي:

– ضعف الموارد البشرية المؤهلة بمركز الصحة بالريصاني.

– سوء التواصل بين إدارة المستشفى والمواطنين.

– صعوبة المعلومة ذات الصلة بالصحة من ذلك ما يتصل بالمداومة والمسؤولين عنها.

– توظيف غير المؤهلين للقيام بدور صعب من ذلك الممرضات المتدربات.

– سيادة الإهمال لتكرار حالات الوفاة بالتدبير السيء للوضع بالريصاني.

* بالفيديو : الوقفة الإحتجاجية للتنديد بوفاة الضحية  أسماء اسماعيلي علوي ومولودتها أثناء الولادة :

الجمعية المغربية لحقوق الانسان بالرشيدية اصدرت بيان تضامني توصلت جديد انفو بنسخة منه تطالب فيه بفتح تحقيق نزيه في وفاة الضحية  أسماء اسماعيلي علوي ومولودتها هذه نسخة منه :

 * فردغل وسبيطار الريصاني :