عبد الواحد الحسناوي

يعرف العالم اليوم وضعا جيوسياسيا جديدا، سيغير لا محالة من معالمه على المستوى القريب، وذلك بعد محاولة الدول العظمى إعادة التموقع من جديد للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والبحث عن مصالح جديدة من جهة، وفي ظل التنافس الكبير بين العملاقين الكبيرين الصيني والأمريكي على التحكم في الاقتصاد العالمي الجديد من جهة ثانية. 

ولعل بوابة إفريقيا هي الوجهة القديمة الجديدة للأنظار لما تتوفر عليه من موارد طبيعية هائلة كالذهب والغاز والطاقات النظيفة. 

والمغرب باعتبار موقعه الاستراتيجي الهام كبوابة كبرى وآمنة لإفريقيا، وسياسته الخارجية والداخلية، لا ينآى عن هذه المتغيرات حيث يراهن عليه للعب أدوار حاسمة في ربط الشمال بالجنوب عبر بوابته الكركرات التي أصبحت بوابة كبرى عالمية للعبور نحو إفريقيا، لذلك أصبحت نظرة الغرب له نظرة مغايرة لما قبل، فبعدما كانت الدول العظمى تبتزه في صحرائه التي يشهد التاريخ والجغرافيا والساكنة، أنها جزء لا يتجزأ منه، أصبح اليوم العد العكسي لهذه المقاربة، بقرب انفراج نهائي لهذه القضية التي عمرت طويلا.  

ولعل ما شهده المغرب مؤخرا من فتح لعدد من الدول لقنصليات بالداخلة والعيون، كان آخرها فتح الإمارات العربية لقنصلية بالعيون والقرار التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية باعترافها لأول مرة في تاريخها بسيادة المملكة المغربية على كافة ترابها بما فيه الصحراء المغربية، وطرد عناصر البوليزاريو من معبر الكركرات، والترحيب الدولي الذي لقيه هذا الإجراء، ما هو إلا توجه حثيث نحو وضع جيوسياسي جديد، سيمكن المغرب من لعب أدوار كبرى في الاقتصاد والسياسة العالميتين.

إن هذا الوضع الجديد بالنسبة للمغرب لم يأت من فراغ، بل هو تتويج لسياسة خارجية وداخلية، أثمرت تغيرا عميقا على مستوى داخل المغرب وخارجه.

فعلى المستوى الداخلي، فالمغرب يعرف استقرارا سياسيا يحفز الدول الأجنبية على خوض تجارب استثمارية مهمة، كما هو بصدد تنزيل آلية جديدة لاستثمارات فلاحية كبرى بتعبئته لعشرة ملايين هكتار، وأمام تنزيل مخرجات النموذج التنموي الجديد الذي انتهت اللجنة المكلفة ببلورته، والذي لا شك أن تنزيله سيتم خلال المرحلة الانتخابية المقبلة، علاوة على تنزيل مقتضيات الجهوية الموسعة.

أما على المستوى الخارجي، فالمغرب أتاح الفرصة للدول الكبرى لاستثمارات مهمة لتعزيز اقتصادياته وموقعه السياسي عبر عقد اتفاقيات شراكة جديدة مع دول تقليدية وأخرى جديدة أثمرت تشييد المدينة الصناعية محمد السادس طنجة تيك من طرف دولة الصين الشعبية والتي ستكون بوابة ورمزا لانفتاح إفريقيا على العالم، وبناء أكبر مزرعة طاقية بمنطقة الداخلة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، وانطلاق التطبيق المؤقت لاتفاق الشراكة الموقع في 2019 بين المغرب والمملكة المتحدة لبريطانيا وإيرلندا الشمالية اعتبارا من فاتح يناير 2019، ومشروع مد أوروبا بالغاز النيجيري عبر تراب المملكة.

في ظل هذه المتغيرات التي يعرفها المغرب، يطرح سؤال كبير وحاسم، حول الموارد البشرية التي ستواكب هذه التحولات ومدى قدرتها على تطوير ومواكبة وتنفيذ هذه المشاريع الطموحة والعملاقة؟

إن المغرب مقبل خلال الأشهر القليلة القادمة على استحقاقات انتخابية لا شك أنها ستكون مفصلية في تاريخ المغرب الجديد، وتعد الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والغرف المهنية مسؤولة تاريخيا وبشكل كبير عن هذا أنجاح أو إفشال هذا التحول. 

فإذا كنت السياسة في نظر أرسطو هو ذلك الفعل الذي يسعى من خلاله السياسي إلى تحقيق الحياة الخيرة، وكما يراها ابن خلدون كونها صناعة الخير العام: (الاتجاه المثالي للسياسة)، فإن كفاح المغرب من أجل أن يصبح دولة قوية: (الاتجاه الواقعي للسياسة)، يظل مشروعا بالنظر لتاريخه ونضالاته ومؤهلاته البشرية والطبيعية ودرجة وعي ساكنته، لذلك فهذا المنعطف يشكل للأحزاب والمواطنين على السواء فرصة تاريخية نحو البقاء والتحدي والانطلاق نحو مغرب أقوى وأفضل يتسع صدره لكل ساكنته. 

فعن مسؤولية الأحزاب والهيئات النقابية والغرف المهنية، فهي مسؤولة الآن أكثر من أي وقت مضى عن:
  • - وعيها بجميع المستجدات التي يعرفها العالم والمغرب تحديدا وعن آفاقه المستقبلية
  • - تأطيرها لشباب قادر على تحمل هذه المسؤولية في ظل هذا المناخ الجيوسياسي الجديد
  • - ترشيحها لشباب واع متمكن، قادر على مواكبة المستجدات، لخوض الاستحقاقات المقبلة
  • - تمكنها من تجاوز نخبة من ممثلي الساكنة الذين راكموا الفشل وأغرقوا البلاد في الفساد
  • - تمكنها من ترشيح نخبة من ممثلي الأمة، قادرة على صياغة زخم من مشاريع قوانين مواكبة لهذه المستجدات ومحفزة لكل ما من شأنه أن يعطي دفعة قوية للمستثمرين سواء كانوا من داخل المغرب أو خارجه.
  • - القطع مع الصيغ الانتخابات القديمة، التي فضلت، من خلال غالبية تجاربها الانتخابية، منح كرسي الإدارة السياسية لأصحاب الجاه والمال، وأقصت أصحاب الكفاءات التدبيرية والخبرات في مجال إدارة المجتمع بغض النظر عن مستواهم الثقافي والمعرفي.
أما على مستوى مسؤولية المواطن، فدوره لا يقل أهمية عن مسؤولية الإطارات السياسية والنقابية والمهنية، في تحديد معالم المغرب الجديد وذلك عبر:
  • - كونه مسؤولا عن المشاركة الانتخابية وأي تخلف عنها يعتبر إقبارا للتنمية.
  • - مسؤوليته التاريخية في الإدلاء بصوته بكل ما يمليه عليه ضميره.
  • - الإدلاء بالصوت بكل حرية ونزاهة، بعيدا عن كل مساومة أو جزاء مادي، جزء لا يتجزأ من الوطنية الصادقة، وانخراط مسؤول وواع في تحريك عجلة التنمية إلى الأمام.
لهذه الاعتبارات، فالمغرب أمام فرصة تاريخية لا تعوض، لعل مسؤولية المواطن والحزب والنقابة والغرف المهنية في الدفع بها إلى الأمام ثابتة وتاريخية.