بقلم: ذ عبد الواحد الحسناوي

كما تهتز مشاعرنا انتشاء وفخرا لما نرى من يمثل وطننا في مسابقات دولية وإقليمية، أو لما نرى علمنا خفاقا عاليا بين الأمم في محافل دولية، أو لما نحتفل بمناسبات وطنية تخلد لبطولات الأجداد واستحضار أمجادهم التاريخية، نستحضر وطنيتنا كذلك بغيرة عالية لما نرى أبشع الصور التي تقزم وطننا، وتخدش صورته وتجعلها باهتة بين الأمم، إذ يصيبنا الأسى والتحسر وعدم الرضى، لكوننا جبلنا على التطلع لرؤية ما يجعل وطننا قويا صامدا أمام العواصف متحديا لكل التحرشات التي تحوم حوله، تاريخه مجيد يدل على عظمة أبنائه وعزتهم وشرفهم.

وانطلاقا من مقولة الفيلسوف نيتشه: "هل لأن الحقيقة عارية، نخجل منها " فإن ما يروج عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات توثق لاحتفالات الشباب بمناسبة عاشوراء، وما رافق ذلك من عنف وتخريب للممتلكات ومواجهات بين الأمن ومجموعة من الشباب، تعتبر واقعا لا ينبغي المرور عليه دون تسليط الضوء على بعض مدلولاته.

فالاحتفال بهذا الشكل يوحي بكون هؤلاء الشباب يجهلون المغازي الدينية من وراء هذه المناسبة، فهي يوم العاشر من شهر محرم الحرام، ميزه الله بفضائل ذكرها ابن رجب في كتاب "لطائف المعارف" أنه اليوم الذي تاب فيه الله على آدم، ونجا فيه نبيه موسى من فرعون وجنوده، وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي ونجاه الله ومن معه من الطوفان".

وقد تميز عند المسلمين بالصوم لكون الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.
ولكي نبقى في صلب الموضوع، فإن ما شوهد وما يتداول عبر الفيديوهات من إشعال للنيران وإطلاق للمفرقعات وكر وفر بين الشباب ورجال الأمن، يسائل مرة أخرى عن دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية: أسر ومدرسة وأحزاب ومؤسسات الشبيبة والرياضة، عن دورها في تأطير الشباب الذي ينتظر منه أن يقود قاطرة المغرب في ظل التحولات العالمية الكبرى، وفي ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتظره في المستقبل القريب؟

إن المشهد يبين الفشل الذريع لهذه المؤسسات، لكونها لم تستطع أن تنتج شبابا واعيا بأمور دينه منضبطا لقوانين مجتمعه محافظا على مؤسسات وطنه، فاعلا حقيقيا في تنمية بلده، ما يجعل من مجهود الدولة ينحو نحو جعل الأمن أولوية كبرى بدل التفكير في صيغ أخرى كفيلة بإنتاج مواطنين معتزين بوطنهم مدافعين عنه، والتي تعتبر التربية عبر الأسرة والمؤسسات التعليمية المدخل الأساسي لذلك.

فشل الدولة كذلك يظهر من خلال منظر مروع والذي يتمثل في التراجع الخطير لرجال الأمن أمام الهجوم الكاسح للشباب، الأمر الذي يجعل من المؤسسة الأمنية التي طالما تفاخرنا بها تهتز أمام أعين كل من شاهد المقطع وتهتز معها هيبة الدولة، مما يجعلنا نتساءل هل هذا التراجع راجع لسوء تدبير عابر أم أنه حقيقة لا مفر منها؟

 وعموما فما ظهر من خلال الاحتفال بيوم عاشوراء، يدفع المنظرين لمغرب 2030 ولجنة بلورة النموذج التنموي، إلى مراجعة مجموعة من الأوراق كل حسب مسؤوليته واختصاصه، كما يدعو مؤسسات أخرى: أسرة ومدرسة وحزبا ودورا للشباب لمراجعة مقارباتهم التربوية وتوجيهها نحو تأطير وتكوين أجيال قادرة على رفع التحدي وتمثيل مغرب المستقبل الذي نأمل أن تستمر رايته خفاقة بين رايات الأمم.