ان المتتبع لردود الفعل والمواقف الدبلوماسية المغربية سيما وزارة الخارجية في مواجهة العديد من الأزمات والمحطات التاريخية الحديثة سيقف لا محالة عند الارتباك والتسرع وتعدد الجهات التي تبدي وجهة نظرها حول أزمة معينة، وكأننا أمام حكومات متعددة ولخير مثال على ذلك الأزمة المغربية الفرنسية التي طفت على السطح مؤخرا والتي على إثرها تم استدعاء المدير العام لمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي للتحقيق في اتهامات ذات صلة بالتعذيب علاوة على تصريحات السفير الفرنسي بنيويورك الماسة بكرامة المغرب.

هذه الأزمة مع الحليف التقليدي غير المسبوقة الإنذار كشفت عن الارتباك الحاصل في الموقف المغربي وتعدد ردود الفعل والتي تكتسي نوعا من التسرع وعدم الاحترافية في اختيار أسلوب الدفاع أو الهجوم اللهم إذا استثنينا الموقف الشجاع لوزارة العدل والمتمثل في تجميد العمل باتفاقية التعاون القضائي المغربي الفرنسي والتي خلقت وستخلق لا محالة أزمة لفرنسا بحكم العدد الهائل من المواطنين الذين يقطنون هذا البلد أو ذاك وما يطرحه ذلك من مشاكل لم يكن بالاستطاعة توحيد الرؤى حولها لولا تلك الاتفاقيات علاوة على حجم الاستثمار بين البلدين والذي يستفيد أصحابه من تلك الاتفاقيات المجمدة حاليا مما سيكون له أثر وخيم اقتصاديا، اجتماعيا و سياسيا.

ويبدو كما سلف تعدد مصادر التصريح الرسمي داخل نفس الحكومة بين وزارة الخارجية ووزارة الاتصال ووزارة العدل.
ورغم الجهود المبذولة لاحتواء الأزمة وأهمها المكالمة الهاتفية بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والذي يبقى هو المعول عليه الوحيد بحكم تجربته وحنكته الدبلوماسية المشهود له بها وبين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلا أن الأمور لا تزال تراوح مكانها.

وإن ما يزكي هذا الطرح أي الخلل الحاصل لدى وزارة الخارجية هي الطريقة التي تصوغ بها بياناتها ومضمونها فعوض مناقشة صلب الأزمة والمس الخطير بالسيادة الوطنية المغربية في شخص المس بدبلوماسييها ثم الزيغ عن ذلك لمناقشة المساطير المتبعة من طرف فرنسا في ظل هذه الأزمة مما يكشف عن قصور وضعف في التواصل وفي طرق الفعل ورد الفعل الدبلوماسي الذي ينبغي ألا يحيد عن القانون الدولي مع الأخذ بعين الاعتبار السيادة الوطنية.

ولا يستطيع أحد أن ينكر دور الجزائر والبوليساريو في إشعال مثل هذه الأزمات ففي الأمس القريب دعت مؤسسة جون كيري إلى تسليط الضوء ومراقبة حقوق الإنسان بالمغرب سيما في المناطق الصحراوية في دعم منها لخصوم الوحدة الترابية زاعمة وجود التعذيب بها وهذا نفس التوجه الذي جاء على لسان فرنسا الشيء الذي يكشف عن تواطؤ مكشوف غايته خدمة حاجة في نفس يعقوب كما يقال.

ونفس الشيء يقال بخصوص عدم فعالية الدبلوماسية المغربية في تعاملها مع ملك الصحراء المغربية فإذا استثنينا التحركات التي لا نظير لها للعاهل المغربي في خلق سياسة في علاقة المغرب الخارجية بدول جنوب أو ما يسمى حاليا في أدبيات السياسة الخارجية بمحور جنوب جنوب. نجد أنه لا شيء يذكر كإنجاز تاريخي في ظل حكومة عبد الإله بنكيران أو حتى في ظل حكومة عباس الفاسي السابقة ونذكر بهذا الصدد عدم دعم الحكومة المغربية للدبلوماسية الموازية بشكل فعال ومعقلن، وبإستراتجية واضحة المعالم مبنية على مخططات للوصول إلى الهدف كما هو الشأن عند الخصوم.

ذلك أن إشراك المجتمع المدني سيما المقيم خارج التراب الوطني يبقى موسميا وغير فعال بل إن غيرة ثلة من الشباب المغربي المتشبث بوطنيته بوطنه ووحدته الترابية تجعله ينظم لقاءات تواصلية ووقفات بمختلف المدن الأوروبية والتي تلقى دعما غير مباشر من الخارج وتظل الخارجية المغربية مكتوفة الأيدي وكأنها غير معنية أو أنها تريد أن تشير إلى أن الأمر عفوي ولا تدخل لها فيه. والحال أن المساندة ينبغي أن تكون غير مشروطة ولو معنويا وعلنيا. وتستوقفني هنا إحدى المحطات النضالية لإحدى الجمعيات النشيطة في موضوع الصحراء المغربية وهي التنسيقية الأوربية للدفاع عن الحكم الذاتي cesam والتي نظمت وقفة بلومون وهي إحدى المدن الفرنسية انتهت برد فعل عنيف لخصوم الوحدة الترابية بالخارج تعرض على إثرها العديد من أفراد الجالية المغربية بفرنسا لجروح وردود نقلوا على إثرها إلى المستشفى وحصلوا على شواهد طبية. ولم تكلف نفسها وزارة الخارجية حتى إصدار بلاغ وازن في الموضوع أو حتى تكليف أحد دبلوماسيها بزيارة الجرحى ورفع معنوياتهم وإن كان الأمر يدخل ضمن الواجب الوطني الذي لا يحتاجون عليه جزاء ولا شكورا.

إن هذا الارتباك وضعف التعامل الدبلوماسي بل وتسرع المواقف في بعض الأحيان وقلة المواكبة الاعلامية يكشف عن أزمة كبيرة لا بد من ايجاد حلول عاجلة وآنية لها على جميع الأصعدة الداخلية والخارجية سيما توحيد الرأي، وعدم التسرع، تحديد المخاطب الوحيد والمخاطب، الاحترافية في صياغة البيانات بشكل يحترم معايير التواصل ويستحضر القانون الدولي والسيادة الوطنية في نفس الوقت سن استراتيجية واضحة المعالم في طريقة التعامل الدبلوماسي بشكل استباقي لمواجهة الأزمات ونهج أسلوب واضح في إشراك المجتمع المدني سواء داخل الوطن أو خارجه ودعمه اللوجستيكي والمادي والمعنوي واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب في إشارة واضحة لطرق التعين في مراكز القرار التي أصبحت من اختصاص رئيس الحكومة.


والله ولي التوفيق