الخجل هو ذاك الكف السلوكي الذي يصاحب حدوثه بمجوعة من الأعراض نحو احمرار الوجه وشحوبه /التلعثم/ الارتجاف / التعرق ...ومهما عملنا بتكلفة على ضبط أغواره التعريفية  فإننا لن نجد اتفاقا قارا بين كل من خاض في البحث في موضوع الخجل من المتخصصين . لأن معناه متمدد بتمدد مظاهر دلالاته السلوكية وعوارضه اللاحقة.

الخجل بتجلياته هو نوع من الإعاقة الطوعية أوالقصرية للذات الإنسانية . فمن خلال تسويق الذات للآخر كبنية إنسانية تواصلية أساسية في التفاعل الإجتماعي ، تحدث الفجوة المميتة التي يحتلها الخجل بالوصاية والحماية ، لأن هوية الذات الإدراكية تهوي في أسفل درك التقوقع بلازمة الخجل ...فيصبح الخجل ذلك الكابح السائد الذي يستبد بسلوك الذات كرهينة وفديتها اللحظية إيقاف التواصل الاجتماعي ...والركون نحو الوحدة والإنزواء ... وتحاشي كل الوسائط الاجتماعية.

فالخجل ليس هو الإرتباك فالدلالة اللغوية لا تحيلنا على أنهما من فصيلة المرادفين المتماثلين – رغم أني لا أقر بوجود الكلمة المرادفة في اللغة العربية من حيث حمل نفس الدلالة اللغوية اللفظية - فالخجل هو صفة لاصقة وملازمة لنفسية الخجول ، بينما الإرتباك هو حالة مصاحبة للخجل في مواضيع متفرقة الموقع كالرهاب الإجتماعي من زاوية التعبير السليم العلني عن أمر ما ضمن مجموعة اجتماعية معينة نحو الخوف من الغرباء / العلو / الظلمة ...كل هذه العوارض وغيرها كاشفة عن المظاهر النفسية الخارجية للخجل عند الفرد الخجول.

إن اعتبار الخجل من المداخل الأولية للرهاب الاجتماعي هو في حده الأبعد استفحال لحالة عدم التوافق النفسي والإجتماعي غير السوي عند الفرد. فعندما نلقي بالنعت القدحي فلان خجول ، فإننا نعمل على خندقته ضمن خانة عوارضها تضيق عليه بالانكماش المتوالي من حيث القلق/العصبية /الصمت ... والنأي بالذات عن الإحتكاك بالوسط الإجتماعي والتواصل مع الاخر.

نقر جميعا أن الخجل مرض اجتماعي يستدعي العلاج النفسي أكثر من الدوائي، وهو ليس مرتبطا بالحياة المعاصرة بل جذوره عريقة في الماضي . وهذا الأمر نلمسه جميعا في بعض الكتابات القديمة التي تناولت موضوع الخجل بالدراسة والتحليل .

فالبحث عن خريطة الخجل هي تلك التيمة الشاحبة بوطأة الإحساس بالرهاب في الفرد الخجول (ة) . فالفروق الفردية في بعدها التفسيري لظاهرة الخجل من حيث الجانب العقلي أو على مستوى الشخصية البنائية لهي المنفذ المفضي إلى البحث عن البيئة المشتركة للتنشئة الاجتماعية وعن البيئة غير المشتركة في التنشئة الإجتماعية المولدة لمكون الخجل ...

ألحظ أنه في المنحى الأول الرامي إلى وجود قواسم مشتركة في التنشئة البيئية/ الإجتماعية داخل الأسرة الواحدة ، لنكشف بأن هناك من يسلم من الخجل من الأبناء ، وهناك من يحصل في شبكة الخجل العنكبوتية ، لما الأمر هكذا ؟ إنه متغيرشعرة معاوية  المنشأ بين الذات والآخر...إنه فعل الانضغاط الحياتي بالتحدي...إنه العامل الوراثي...كثيرة هي الأسباب وإسم الخجل حاضر في كل مكون واحد بمتلونات وتجليات داخلية وخارجية ...

أما في المنحى الثاني من حيث العوامل البيئية غير المشتركة نلحظ كذلك تمفصل ملمح الخجل بين الظهور الكاشف وبين النار الخامدة تحت رمادها ودخانها الخفيف الذي يفشي بتواجد الخجل ضمن المكون الجماعي في جانب التنشئة البيئية العامة ...

إن سمة التدخل الطارئ - إن لم نقل بالسيمات - كبنية عيادية /إكلينيكية لمعالجة الخجل تتمثل في الاستخدام الأمثل للوصف الداخلي ثم الخارجي من حيث البحث عن علامات اتساق -"التوافق" – السلوكات بين نزوع الفرد الخجول نحو تكرارها وإصدارها لأكثر من مرة ، وفي مجموعة من المواقف المشابهة بالتلازم :الإحمرار/التلعثم / الإرتباك ... كموجودات لاحقة وملتصقة بالخجل ... هنا يتحدد منطلق الخجل الذي يتطلب العلاج والتتبع بواسطة عمليات نسقية تنفيذية ومنتظمة المراحل كجلسات  التحليل النفسي وبأخلاق العناية الإجتماعية ...

إن إدراك الخجولين لوضعيتهم النفسية والعلائقية لهي المنبهات المنغصة عند تقديم الذات والعودة بها إلى ظرف زماني أقل انضغاطا للحصول على تقييم وتسوية للوضعية بأكثر وثوقية من "عذاب الضميرالذاتي "... فحشد الاليات الطبية والإكلينيكية وإدارة الإمكانات العنائية ولو ببساطتها لحصر تجليات الخجل وتجاوز عوارضه النفسية، لهي العملية التي تستوجب تنزيل الحلول الملائمة بواقعية الأثر الإيجابي العلاجي ،و التأثر ضد الخجل بالمواقف السوية  للذات " أنا " بتضمينها للسلوكيات التوافقية الاجتماعية مع " الاخر".

إن الهروب نحو غرس الرأس  في الرمل " كالنعامة " من الخجل هي عملية واحدة من بين تجليات التحاشي من المواقف البسيطة للفرد الخجول . وباعتبار مجموعة من الحالات التي تكون مصدر قلق الإنسان الخجول  ...أدفع بكم إلى التفكير عن بعض السبل الإستباقية لتلافي نمو درجات الخجل وسلبياته النفسية والإجتماعية عند الأفراد ...

لا نختلف في عدم وجود مرادف دلالي للخجل ...فأنا منذ البدء ألمحت إلى الأمر من حيث أنني لا أقر بوجود مرادف في اللغة العربية ،بل إن الجانب التوليدي للغة العربية كمنبع فياض هو ما جعل المصطلحات تتقارب في ما بينها لكنها في دلالتها المعرفية تختلف ولو باعتبار الصفة محمول لحامل إسمي متنوع الدلالة ...ما علينا نتفق بأن الحياء ليس هو الخجل ...فالأول سلوك تربوي أخلاقي مكتسب بفعل الإدماج الإجتماعي ...أما الثاني فهو كف سلوكي ، يتطلب التصويب العيادي النفسي والعنائي ،وأسبابه كثيرة وحدُّها النهائي وراثي...

فإذا قلنا كقياس "أنا خجول فأنا أعاني من عدم التوافق الإجتماعي...." إنه قياس بسيط، لكنه ينطوي على وجوده الواقعي كحالات اجتماعية (غير سوية ) تفرض علينا التواصل معها بحس عاطفي لطيف وإدماج اجتماعي بأخلاق العناية ...
فالتربية الأسرية ليست ذلك المسجب الذي نعلق عليه كل الحالات غير السوية للتنشئة الاجتماعية ، وغيرالمتوافقة سلوكيا، بل هناك مسامير مغروسة في أفكارنا تدفعنا بشكل مستعجل الى تنميط الظواهر ومعيرة حلول لها كنسق يفتقد الى وظيفة الإبدال والتحويل  ....

الخلل في الخجل يسكننا جميعا ،لما أدفع بهذا الأمر ... لأننا نتجاوز إشكالية الخجل بالمرور الكريم والكف عن الخوض فيه بغية الإصلاح... والقطع بينه وبين مشتل النشأة " حشومة ".

إن الرهاب الإجتماعي بغير الوثوق بالمستقبل الاتي هو المكون المولد للقلق المستديم ،وما كفاف الذات الانطوائي إلا انعكاس يفصح عن وجود مرض الخجل بيننا....لكن الأمر الذي لا بد من التوقف عنده هو عدم ملاءمة الهوية الذاتية مع الواقع الاجتماعي من حيث أن الذات الواجب تسويقها بسلاسة لا تكون موضع ترحاب وقبول من طرف الآخر.وهذا الجزء القاتل يدفع بالخجول الى الإستنجاد بعملية التقويم الذاتي وما يتبعها من قسوة على الذات/النفس ك "عذاب للضمير".

إن قصور امتلاك الاندماج الإجتماعي، والوقوع في الخطأ المتكرر من المسببات الأولية لامتلاء حقينة مستنقع الخجل . فالفرد عند سقوطه في الخطأ يقحم نفسه في عوارض تصبح الذات فيها لا محل لها من الإعراب في جانبها التركيبي /الاجتماعي....  من تم فلا مناص لنا من إعادة فتح موضوع الخجل من مسلك الأسرة والوسط الاجتماعي الى المدرسة ،ثم العمل على حصر أسبابه ومسبباته بغية إيجاد وصفة علاجية تقينا أوليا ولما لا نقول استباقيا من تعثر الاندماج الاجتماعي والثقافي.