محسن الأكرمين - مكناس / جديد أنفو

كثافة المتسولين عند مواقف الطريق بمدينة مكناس ، انتقل من ظاهرته الوطنية /المحلية إلى العالمية باستحواذ السوريات ثم الأفارقة من جنوب الصحراء على مواقع استراتيجية في المحور الطرقي للسير بالمدينة . أود أولا بأن أزيح عنكم التفكير الكلي برمينا بأن ليس لنا إحساس بوطأة أزمة الذات و حال كل من مد يديه للمساعدة وطلب الدعم المادي للحصول على لقمة عيش . بل نحن جميعا نمتلك إنسانية التضامن والتآزر وهو ما يخفف عن الدولة قفة الرعاية الأخلاقية لكل من يعيش تحت سمائها .

لن نناقش وضعية التسول بمكناس من موجه الدراسات السوسيولوجيا (انظر مقالا سابقا : التسول بين الهواية والاحتراف بمدينة مكناس ) ، وإنما آثرت في هذا المقام نقلكم من حجم المشاهد العطوف برؤية المتفرج أو المتصدق ، إلى وضعية تدمجنا جميعا لإيجاد حلول جذرية لجيش المتسولين بعلامات "قف " في جميع تقاطعات الطرق الرئيسية بمدينة مكناس .

كساد بضاعة المتسولين المغاربة بمد اليد جاء نتيجة المنافسة القوية لموجة المتسولين من السوريات والأفارقة من جنوب الصحراء . اعتدنا على ملامح السوريات حتى بتنا عندهم في مواقف الضوء الأحمر معروفين بالتحية والسلام ، وضبطوا أوقات توجهنا إلى العمل والعودة منه ومسار كل واحد منا .

فمن المقطع الطرقي قرب "قصر أيام زمان " إلى مدخل " تجزئة الزهوة " إلى مفترق الطرق أمام " ثانوية الزيتون " تتوزع المواقف الإجبارية بالتقاسم والتساوي بين الوافدين " الأجانب" والمغاربة ... فيما الصراع يصل إلى التراشق بالحجارة عند باب تجزئة الزهوة لموقعه الاستراتيجي ولحجم أسطول السيارات المارة به -(المحور الرئيسي الذي يربط بين شمال المملكة وجنوبها عبر الطريق الوطنية )- فضلا عن كرم المارة به ، ثم لطول فترة الوقوف لتعدد المسالك الموجهة.
في الليل بدأ الخوف ينتاب كل من يقف بعلامة الضوء الأحمر أو علامة قف وخاصة العنصر النسوي ، والسبب هو تجمهر جيش من المتسولين حول السيارة . لا نمن الصدقة عليهم ولكن الأمر استفحل وعاد يستوجب حلا استعجاليا . فما هي إذا مقاربة التعامل مع وضعية التسول المتزايدة بمدينة مكناس؟

قبل كتابة هذا المقال حاولت أخذ بعض الارتسامات العفوية من مستعملي الطريق- (محور حمرية / سيدي بوزكري )- فوجدت الجميع، من حيث كثرة المتسولين غير المغاربة قد لاحظوا الأمر وأكدوا عليه .أما من حيث الأثر السلبي على وضعية المدينة الاعتبارية من سياحة وجمالية وأمن وبيئة ... ،فالكل أكد أن الظاهرة لها امتداداتها السلبية على رواد المدينة ، ويمكن للأمور أن تتطور وتصبح شبيهة بما حدث ويحدث بمدينة طنجة .

ومن غريب الأخبار عندما أسر لي أحد المارة واليقين عنده بمتم ذمته ،أن حافلتين أوصلت حمولتين من الأفارقة إلى مكناس من مدينة الناظور وأفرغت حمولتها البشرية دون الولوج إلى المحطة الطرقية . والغاية من العملية تقاسم الأزمة، وتخفيف وطأتها على مدن الشمال المغربي ... في حين لم أحمل الخبر محمل الجد ...

لكن الأمر استفحل ووجب تدخل المسؤولين الولائيين لوزارة الداخلية .أولا للحد من التدفق المتزايد للمتسولين على مدينة مكناس(الطريق السيار من وجدة / فاس /مكناس ) ،وثانيا لإيجاد حلول جذرية حتى لا تتطور الوضعية إلى مفهوم "ضريبة الوقوف " عند كل موقف إجباري للسيارات ،ولما لا نفكر في وضع خريطة تموقع سكن الأجانب بالتتبع والمراقبة وخاصة في ظل التحولات العالمية والمذهبية والأزمة الليبية ... الحلول كثيرة من جانبها التنظيري وصعبة من مستوى التطبيق الفعلي ...فمعادلة الإنسانية تلف أعناقنا بحزم طيبوبة المغاربة وكرمهم .ثم بوضعية الولاء للأمة والانتماء الإفريقي ... فضلا عن البعد الحقوقي الوطني والعالمي ...

إن تفعيل دور الرعاية للأجانب هو المطلب المماثل عالميا لتحجيم ظاهرة التسول ووضعها تحت سلطة المراقبة والتحكم .أما العملية الوطنية الكبرى فهي في حماية حدودنا الممتدة مع الجزائر ،وتوسيع بناء الجدار العازل باليات المراقبة المتطورة ... ثم تفعيل تجريم كل من يتاجر في نقل البشر بطرق غير مشروعة ، مع عقد اتفاقيات مع الدول الإفريقية لإرجاع كل مهاجر غير شرعي إلى موطنه الأصلي ...

لكن إنشاء دور الرعاية/ ملاجئ سيقود المغاربة الذين هم في وضعية صعبة إلى القول نحن أحق بها ،انطلاقا من مقولة " تازة أولا ، قبل ..." . لن ندخل جدال هذه القضية لأن الرعاية والتضامن تم التنصيص عليها علانية ضمن تبويبات دستور المملكة 2011، والاتفاقيات الدولية حول وضعية معاملة اللاجئين، وما نص عليه القانون الدولي في شأن النازحين واللاجئين.

رفع يد الوصاية لسلطة وزارة الداخلية عن ظاهرة التسول بالمدينة ، يحيلنا إلى التفكير في الفعل الجانح بالانتقال من التسول إلى التكثل الفئوي الوافد، تجاه الساكنة الأصلية .إنها تجربة طنجة ومحيطها تنتقل إلى مدينة مكناس . اليوم أصبح الدعم الاجتماعي الطوعي للمتسولين المغاربة من طرف المارة يقل ومن المنتظرأن تدخل هذه الفئة الهشة المحلية في صراع مع من تعتبرهم متطفلين على مهنة التسول بالمدينة ودخلاء عن الدولة الوطنية ...وهنا أستحضر حالة مشادة بالحجارة بين المتسولين المغاربة والسوريين والأفارقة قرب باب تجزئة الزهوة، ولولا خلو الممرات من السيارات لعدم وجود فترة الضغط الجولاني للسيارات لاختلطت حرب الحجارة ولأصيب المارة بسوء.

الدولة ممثلة في وزراة الداخلية عليها تسطير خطة استراتيجية لتخليص المدينة من جيوش المتسولين ،فالوضع أعلن لونه الانذاري بالأحمر عند كل المواقف الإجبارية بعلامة " قف " . والمجتمع المدني عليه التحرك بدون كاميرات وصفية إلى فعل اجتماعي يحمل بين طياته أخلاق العناية الوطنية والكونية ...