حنان النبلي
بعيدا عن الدعارة الراقية التي تستعمل في الصفقات التجارية وفي العلاقات السياسية والأعمال الاستخباراتية تلك التي يشكل رقم عائداتها أضخم من عائدات عدد من قطاعات الاقتصاد الهش، اتخذت ممتهنات الجنس الرخيص من "الحفرة" و"الدرب" و"السيكتور" وغيرها من الأحياء الفقيرة من المغرب العميق عنوانا لمأساتهم و فضاء لتقديم لحومهن الغضة للاهثين وراء جنس " الكوكوت مينوت" بتعريفة تبدأ بـ 20 درهما، أجساد أنثوية متراصة، تكاد لا تخطئهن العين، يتربصن بالزبائن عبر نوافذ وعتبات "الأوكار" أو لباس مثير وماكياج طافح وحركات دلال مصطنعة توقظ الشهوة النائمة لكل من سولت له نفسه أن يطأ أرض هذه الأحياء...
"صحيفة الناس" اقتحمت بورديلات الدعارة في ثلاث مناطق بالجنوب الشرقي، وغاصت في أسرار سوق الدعارة الذي تتغذى منه عائلات ويدرس من ورائه تلاميذ وطلبة ويغطي عجزا فشل الاقتصاد النظيف في تغطيته، غير أنه لم يكن من السهل ولوج عالمهن ، كما أنه كما أنه لم يكن من السهل إقناعهن للحديث عن تجربتهن وأجندة عملهن غير المهيكل، وكثيرات ممن قابلهن لم ينبسن ببنت شفة ولذن بالصمت، غير أن اقتناص داعرة واحدة كان كافيا ليفتح لنا الطريق أمام لقاء عينات هذا الملف.
فهل واقع الحال، يقول بوجود أزمة في قطاع الدعارة الرخيصة بالمغرب؟ وهل يمكن القول إن ما يسمونها " دعارة شعبية" تراجعت بفعل تدخل المد السلفي أم أنها ماتزال نشيطة كما سابق عهدها؟ أي مقاربة ينبغي تبنيها في هذا الصدد لإدماج هذه الشريحة من المجتمع في برامج التنمية الاجتماعية؟.
+++++++++++++++
* نشاط اقتصادي وتجاري
كان الإغريق يعنون بكلمة prostasai الوقوف علانية أمام منزل للاتجار بالجسد، ومن هذه الكلمة اشتقت الكلمة اللاتينية prostare لتؤدي نفس المعنى، ولذا أطلق على البغي لفظ prostibulum ثم prostitiuo وأصبح اللفظ فيما بعد prostitute بالإنجليزية أو prostituée بالفرنسية أي البغي، وهكذا كان أهم عنصر يؤدي إليه البغاء هو الاتجار بالجسد اتجارا غير مقصور على زبناء معينين، حيث تؤدي الداعرة فعلها غير مميزة بين الأشخاص مادام شرط العطاء المادي متوفرا. أما كلمة عاهرة أو "لوبا" في اللغة اللاتينية فتعني الذئبة ومنها اشتقوا اسم "لوبنير" أو بيت الدعارة، والعاهرة هي المرأة التي تدخل في علاقات جنسية مع أي شخص على استعداد أن يدفع لها أجرا نظير ما تقوم به، وفي الجاهلية، كانت البغايا يقمن في خيام أو بيوت يرفعن عليهن أعلاما حمراء، وكذلك يطلق عليهن ذوات الرايات، وكن يؤدين الضرائب المفروضة عليهن ويتخذن بالطائف خارج عن الحضر مكانا لإقامتهن يطلق عليه "حارة البغايا". وفي اللغة العربية القديمة هناك عدة تسميات تطلق على الداعرة وكلها لها معان قدحية تعود إلى عصور الجاهلية، حيث نشأت الكلمة لأن العاهرات في الجاهلية كنٌ يكحكحن (يسعلن) للرجال المارة، حتى يعرفوا مكانهن، وفي مصر الفرعونية كان يطلق على البغايا " حريم آمون" أو " حريم الإله "، وكن يقسمن إلى طوائف تسيطر على كل منها "رئيسة الحريم".
وبهذا تغدو الدعارة مصطلح له تعريفات عديدة، فالبعض يعتبرها ببساطة "بيع الخدمات الجنسية"، من دون أدنى إشارة إلى التمييز بين الدعارة القسرية والدعارة الطوعية، وهناك من يرى أنهانشاط اقتصادي وتجاري في جوهره، يشمل جميع أنوع الخدمات الجنسية بما فيها رقص التعري، توفير الجنس عبر الإنتريت. وهناك أيضا من يعدها مجرد عملية جنسية بين رجل وامرأة لتلبية حاجة الرجل الجنسية ولتلبية حاجة المرأة الاقتصادية.
والبغاء لغة الاتصال الجنسي غير المشروع، فيقال بغت المرأة تبغي فهي بغي وجمعها بغايا، والدعارة من الدعر وهو الفساد أو الفسق أو الخبث أو الشر، وأومست المرأة إيماسا فهي مومس، أمكنت نفسها من الومس أي الاحتكاك أي فاجرة تجاهر بالفجور، والعهارة هي الفسق والفجور، فالمرأة عاهر أو عاهرة والرجل الذي يفسق بها عاهر كذلك.
هل توجد في المغرب دعارة؟ الإجابة بنعم لن تدهش أحدا فالبغاء مهنة قديمة، بل هي أقدم مهنة في التاريخ...لكن السؤال يصبح حارقا عندما يصاغ على النحو التالي: هل توجد دعارة تكسبية معيشية؟ وما هو حال متعاطياتها في بورديلات قديمة بات ذكرها يحيل على قصص ورايات كثيرة ؟ .
الجواب في التحقيق التالي :
++++++++++++++++++
* دعارة رخيصة..استقطاب صغيرات السن
تعرضت كثير من عاملات الجنس في بداية احترافهن لهذه المهنة إلى الإغواء والتحريض، وهذا التحريض قد يكون من المقربين أو الغرباء الذين ينتمون في الغالب إلى شبكات منظمة إذ يخطئ من يعتقد أن هؤلاء الداعرات يقطر بهن " السقف" وبسرعة البرق يتحولن إلى عاهرات محترفات " تحطهن على الجرح
يطيب" بل إن ولوج عالم بنات المتعة يحتاج إلى سلسلة من الخطوات الروتينية التي لابد للعاهرة أن تمر بها حتى تصبح محترفة وإلى دروس في فنون الإثارة الشهوانية حتى تمتلك مؤهلات عالية لخدمة مختلف الزبائن، فالمرشحة مطلوب منها التوفر على موصفات معينة، لا تقتصر على الرشاقة والقدر الكافي من الجمال، بل تتعدى ذلك إلى مطالب أخرى تتجلى في الخنوع والخضوع والتأكد من قبول العمل دون أدنى مصاعب .
+++++++++++++++++++
* " الدرب" على إيقاع الكساد
حينما تختفي رواية مدينة الورد الساحرة، وينتصب الوجه القاتم فيها، حينما تبدو الكرنفالات الاحتفالية وكأنها تعزف على قلوب نساء تحولن من فرط التعاطي لأقدم مهنة في التاريخ لا يخجلن من اتخاد عتبات المنازل والنوافذ فضاءات لعرض اجسادهن واستقطاب الزبائن بمختلف الطرق : غمز، نداء، تحرش..المهم أن تتوج كل هذه المجهودات بمعدل محترم من الزبان في اليوم يمكن بائعة الهوى من تغطية مصاريف الكراء وثمن الباطرونا وملئ أفواه مفتوحة لإخوة وأبناء جياع لا علم لهم بمصدر اللقمة التي يمدونها إلى أفواههم أو ينفقونها في تمدرسهم وتعليهم أو في شراء أدوية.."حتى وحدة فينا ما عاجبها الحال..ولكن راه خدامين على عائلاتنا" تقول إحدى ممتهنات الجنس بالدرب الذي يربض على قلب المدينة لأزيد من عشر سنوات خلت.
هنا قلعة مكونة، مدينة تبعد بحوالي 200 كليومتر عن مدينة ورزازات عبر الطريق الرئيسية رقم 10 المؤدية إلى الراشيدية. في زقاق ترتسم علامات الفقر والهشاشة على محياه و من نوافذ صغيرة، من الأعلى والأسفل. تطل وجوه لقاصرات، ونساء لم يتجاوز أغلبهن عقدهن الثالث. .نساء نصف عاريات، بعضهن بلباس النوم " شوميز دونوي" وأخريات بتنانير وأقمصة ضيقة وقصيرة تكشف أكثر مما تستر، بعضهن اخترن عتبات منازلهن من أجل العمل، وأخريات فضلن النوافذ...لا يتعلق الأمر بمشهد من فيلم أو فصل من رواية ، بل بواقع مرير بدرب الحفرة بمدينة قلعة مكونة، عند أول قدم تطؤها يتم تصنيفك هل انت ابن المنطقة أم غريب عنها، بخطى واثقة تقدمت "صحيفة الناس" عند إحداهن التي هرولت إلى إقفال البيت في وجهنا دون أن تنبس ببنت شفة، على بعض أمتار فقط تجلس فتيات أخريات تقدمت نحوهن وقدمت لهن نفسي فشحبت وجوههن وكثيرات اكتفين بالصمت كخير دليل على حالهن، رقية المنحدرة من مدينة خنيفرة والتي تبلغ 21 سنة، تسلحت بالشجاعة لتحث زميلاتها على الحديث وهي تقول لهن " مالنا كنسرقو..خلينا نقولو اللي كاين.." قبل أن يبادرنها "بنات الضومين" " هضري نت اللي شبعانة جوانات"..
"الحركة عيانة وحنا غير كنتشمشو" كانت أول عبارة تنطق بها هذه الشابة لتخلص واقع الكساد الذي تعيشه وزميلاته في هذا السيكتور..
رقية وهو اسمها المستعار تنحدر من مدينة خنيفرة وتزاول هذه المهنة لأزيد من ثمان سنوات، لكنها بعقد مقارنة بسيطة بين الأمس واليوم تعترف " هاد الضومين كان فيه ما يدار شحال هادي..أما اليوم خرفات لينا وكون غير كان عندنا شي دبلوم نبدلو هاد الحرفة"
لم يسبق لرقية أن ولجت الأقسام الدراسية، بل إن منزل أسرتها الذي كان يفترض أن يحميها ويقدم لها الدعم كان أول من يقدمها قربانا بتزويجها وهي لم تكمل 11 عشرة من عمرها، وهو الزواج الذي لم يدم أكثر من شهر..
عددهن يقدر بمائتي عاملة، أغلبهن أميات بشكل كامل، يقدمن خدماتهن في أحياء مصنفة كنقط سوداء في قلعة مكونة وبومالن دادس وتنغير، تشرف عليهن "باطرونة" تشتغل معها خمس فتيات كمعدل، وتبدأ التعريفة بـ20 درهما وقد تتضاعف التعريفة حسب سخاء المستفيد من الخدمة لتصل إلى 150 درهما.
خلال الأيام العادية يبدو السكتور فارغا إلا من بعض أبناء المنطقة الذين ألفوا مشهد بائعات الهوى دون أن يحرك فيهم هذا المشهد نزوة تذكر، ولا يشهد الدرب حركية واسعة خلال الأعياد، أو في الصيف حينما يكون أبناء الجالية المقيمون بالخارج قد عادوا أدراجهم إلى المدينة، ليروحوا عن أنفسهم بعد عام كامل من الحرمان، أو ليستعيدوا تجربة جربوا تذوقها في الصغر.
++++++++++++++++++
* من حرارة الفرن إلى دفء السرير
تنحدر من مدينة الراشيدية وحيدة والدتها المقعدة، "كريمة" شابة في العشرينيات، كانت تتخذ من عتبة البيت مكانا لاصطياد الزبائن، لم تمانع حينما جلست إلى جانبها ولم تهرب كما فعلت العديد من بنات جنسها، بل كانت اسما على مسمى و كانت كريمة معي وإن كان شرطها الوحيد عدم أخذ صورة لها " متصورينش راه فاميلتي مكيعروفونيش راه كندير هادشي..الله يعفو".
تحكي أنها اشتغلت في فرن بالرشيدية، ثم خادمة في البيوت والمقاهي في خريبكة والدار البيضاء " خرجت خدمت في القهاوي حتى عييت كضربي تمارة كيعطوك الصيمانة 200 درهم خدمت عند واحد المرة كيحسبوك بحال شي حشرة... لم يسبق لي ان تزوجت كنت على علاقة مع احد ومتفاهمناش" مكايناش الخدمة..كاينة الي كتشمش من الصباح حتى العشيىة...ظروفنا مقـ.."
أما "الفاسية" كما يحلو لصديقاتها مناداتها بهذا اللقب الذي يستهوي الزبناء فكانت الابتسامة التي ترسمها على شفاهها لإغرائهم تخفي ألما عميقا وحكاية أم لم تنعم برؤية أبنائها أكثر من ثلاث سنوات " تزوجت من سكير، كان يبرحني ضربا ويقهرني دون سبب، كانت تغلب عليه بليته، أنجبت منه 3 أبناء، أكبرهم سنا يبلغ 7 سنوات، كنت أحاول تحمل هذه الظروف القاسية لأجلهم " حتى تقاضى صبري" فقررت الانفصال عنه، وبإرشاد من إحدى الصديقات، قصدت السيكتور، وحرمت منذ ذلك الوقت من رؤية أبنائي، بل حتى النفقة التي حكمت بها المحكمة لصالحي لا زالت لم أتوصل بفلس منها"
الفاسية بدت ناقمة على الظروف التي قادتها إلى قضاء زهرة عمرها معلقة في النوافذ أو أمام عتبة منزل مشبوه تنتظر أن يأتي فرج زبائن لا يتجاوز ثمن ما يقدمونها في أحسن الأحوال 50 درهما.
" معجبنيش الحال ومني كنجلس مع راسي كنبكي وكنرجع اللومة المغرب ديالنا ما فيهش قوانين..مكيعتارفوش بينا..مبقانش في الهضرة ديال التلفزة تيقولو خرجو صندوق العيالات المطلقات فيناهو كيتعطى بالوجهيات".
+++++++++++++++++++
* الحركة عيانة ومبقى ما يدار
في الجهة المقابلة لمنزل الفاسية، كانت عاملة جنس تقف بلباس شفاف، تدخن سيجارة وتنظر باتجاهنا، تقدمت نحوها، فلاذت بالفرار، قبل أن ننجح في إقناعها بالحديث إلينا، تقول لمياء وهو اسمها المستعار أنها حديثة الالتحاق بالدرب فهي بالكاد أتمت أسبوعين هنا لكن " الحركة عيانة ومبقى ما يدار.. خاصنا نتسناو السوق ولا الصيف باش نروجو".
تقول هذه الأخيرة إن الزبائن يفضلون "الفتاة" حديثة الالتحاق بالدرب ويكون الطلب عليها متزايدا، وهو ما جعلها تجني في أسبوعها الأول مبلغا محترما من عرق "فرجها" قدرتها ب700 درهم، مكنها من بعث قسط منه لأسرتها وأختها التي تتابع دراستها الجامعية. عما إذا كانت لا تخاف من الأمراض المعدية أكدت هذه الأخيرة أنها تشدد على الزبائن باستعمال الواقي الذكري، تجنبا للمشاكل، كما تشرح العملية المعتمدة في هذا الإطار على الشكل التالي " التعريفة محددة في 20 درهما للزبون الذي يستعمل العازل الطبي، أما بالنسبة إلى الزبون الذي يرفض استعماله فإن عليه أن يدفع 30 درهما نظير ذلك لتكتمل شهوته عشرون دراهما منها ربح خالص من نصيب ممتهنة الجنس، و10 دراهم المتبقية تذهب إلى الباطرونا، ومنها تؤدي واجب كراء الغرفة.
كالحصان الجامح وجدت نفسها واقفة بجسدها الطويل النحيل منتصبا، عيناها السوداوان مرفوعتان إلى أعلى، وشعرها الأسود متناثر فوق جبهتها وأذنيها وعنقها من الخلف، وأنفها مستقيم حاد، وشفتاها مطليتان بأحمر الشفاه الذي يخفي الزرقة التي طبعتها الأدخنة.
لم يكن مظهرها يختلف كثيرا عن هؤلاء الفتيات، سوى أنها كانت ترتدي البنطلون، وساقاها كانتا طويلتين، عظامهما مستقيمة، وعضلاتها قوية، تستطيع أن تدب على الأرض وهي تمشي، تحرك ساقيها بحرية وتفصل بينهما بثقة بينهما.
تلك هي حياة التي بدأت طريق الاحتراف والكسب السريع من جسدها بعد أن تعرفت على سيدة تعرف جيدا وجوه من ضللن الطريق، التقطتها سريعا، وعادت بها إلى منزلها و غازلت أعينها البريئة بالملابس والنقود، قبل أن تبدأ في استخدامها، " مارست الجنس مع كبار السن والمراهقين وكل من يقصدني بحثا عن خدمة جنسية سريعة.
لم تكن حياة تتحصل من عملها على المبلغ كاملا لأن " القوادة" كانت تستولي على نصفه، وهو ما جعل هذه الأخيرة أبعد ما تكون عن الادخار " نقدر نقول ليك أنني مطفرتوش من هاد الخدمة، حيث اللي شديتها كنصيفطها لدارنا، مجمعت والو، اليوم لقيت راسي معندي منقدم منوخر".
تهرب الشابة بعينيها بعيدا، تعتدل في جلستها وتشعل سيجارته وتردف قائلة " تأزمت بزاف، وليت كنظل نتشمش، نتسنى شي "فكتيم" يجي يخلص علي الكارو وجاب الله لقيت هاد الحي قابلة علي كون خرجت نتشرد".
حسب التقارير التي تتوافد على السلطات المحلية، فإن عدد المومسات اللواتي يستقرن بالدرب الجديد بقلعة مكونة يفوق 100 عاهرة، بعد أن كان يبلغ سنة 2002 إلى 600، وهو رقم مرتفع جدا بالمقارنة مع نسبة بائعات الهوى المقيمات بمنطقة اقدار بتنغير أو بدرب الحفرة المتواجد ببومالن دادس والذي ينطق هذا الاسم لابد له من الحديث عنها كمنطقة عسكرية، وهذا ما يقودنا بالضرورة الى الحديث عن الموقع الجغرافي لقلعة مكونة التي تعتبر منطقة مرور بين ورزازات وزاكورة الرشيدية وهذه جميعها مناطق عسكرية شيدها المخزن من أجل التحصين ووفر لها سوقا جسدية لتفريغ مكبوتات جنوده كما يحدث بجميع بلدان العالم يضيف مصدرنا الذي لم يجد حرجا في التأكيد على ان الكل هنا مقتنع بان الدرب يؤدي وظيفة اجتماعية واقتصادية الشيء الذي يلغي اية إمكانية لمسحه.
++++++++++++++++
* بومالن دادس.. الحفرة أقدم مصانع الجنس الرخيص
عيون شاخصة تبحث عن صيد ثمين أو رخيص ، أجساد أنثوية متراصة..ماكياج طافح يخفي حقيقة وجوه شاحبة تحكي تاريخ من التجارب و المآسي، لا يفتح باب أسرارها، إلا إذا انفتح القلب لمن يسمعها.
الساعة تشير إلى الخامسة مساء، هنا حي ايت يدير أو "الحفرة"، أقدم مصانع الجنس الرخيص في المنطقة، المعروف بتقديمه للخدمات الجنسية لكل اللاهثين وراء جنس " الكوكوت مينوت"، على عتبات هذا الحي يترسخ الفقر في أقسى درجاته، ويكاد الغريب عن المدينة يعتقد أن هذه المباني العتيقة ستنهار على رؤوس المارين و ررؤوس ساكنيها، مجرد نطق اسم الحفرة يحيل إلى معنى قدحي بالمدينة يجعل الوجوه ترسم أكثر من دلالة، بل إن بعضهم يذهب إلى القول إن هذا الحي كان ولازال شر لا بد منه نظرا لتواجد الثكنة العسكرية هناك.
"حفيظة" واحدة من ممتهنات الجنس بـ "الحفرة"، تبلغ من العمر 28 سنة، قبل أن تفتح الباب أطلت برأسها من نافذة حديدية، وهو إجراء احترازي دأبت على القيام به كنوع من الاحتياط، بعد تردد كبير، فتحت الباب، كان فتاة ممشوقة القوام، ناصعة البيضاء، تزين وجهها شامة على الخد، بدا وجهها الطويل النحيل بملامحه العميقة المستغرقة إلى حد الإرهاق، كأنه لاينام، ولا يأكل، وعيناها السودووتان ونظرته النافذة تصل الى القاع البعيد.
داخل غرفة ضيقة تشبه الزنزانة، لا تحتوي سوى على حصيرة فوقها غطاء من الصوف ووسادة صلبة كالحجر، جلست الشابة وهي تحملق في طويلا، قبل أن تشرع في سرد قصتها الأليمة.
لن يصدق من رآها أنها أم لستة أبناء تركتهم خلف ظهرها في إحدى قرى المغرب العميق، ورحلت بعد خلافا نشب بينها وبين عائلة زوجها، تأبطت فقط طفلها السادس الذي كان حليبها لازال بين أسنانه، تنقلت بين مدن خريبكة وسطات واشتغلت خادمة في البيوت وعاملة في المقاهي إلا قادتها قدماها إلى الجماعة الحضرية بومالن دادس..حيث اتخذت من بيع جسمها الغض مهنة، كانت تدر عليها في فترات سابقة ما يكفيها لتغطية مصاريف الكراء وسد فاه ابنها، قبل أن تشح ظروف العمل وتعيش الحفرة على إيقاع الكساد.."شحال هادي كنت كنصور حتى 200 درهم، كان كيكون الصف عليا، دابا ماتت القضية ويلا صورتي 80 درهما في النهار مبحالك حد"
ترددها وهي تحبس الدمع في عينيها " كون كانوا معامل في المنطقة فين نصور لقمة الحلال، كون بدلت هاد الحرفة، ولدي غادي كيكبر وأنا منرضاش يقولوا ليه صحابو سير يا ولد القـ.."
على إيقاع أغنية " مالي أنا معندي زهر" ودعتها حفيظة وهي تأمل في أن يكون غدها أحسن من يومها..
لا يكاد حال حفيظة يختلف عن حال "يطو" القادمة من مدينة خنيفرة، تكتري هذه الأخيرة رفقة ثلاثة نسوة وحدهن القدر بيتا بالحفرة، تبلغ من العمر 30 سنة وعلى قدر مقبول من الجمال، الذي تؤثته تنورة قصيرة وماكياج طافح وصدر "معصور" كليمونتين ينفع لإيقاظ الشهوة النائمة.
الدخول إلى هناك كان صادما بالنسبة لي، غرفة بأرائك متهالكة، وستائر تقسم الغرفة إلى قسمين: قاعة انتظار وقاعة للعمليات، التعريفة تبدأ دائما بـ 20 درهم لـ "للباص".
يفترشن الحصير بغرفة ضيقة، لا تختلف عن باقي بيوت "الدرب" المليئة بالرطوبة ، وتشتكي الباطرونا من كساد بضاعتها مؤكدة " الحركة عيانة غير كنتشمشو، لدينا مصاريف كثيرة، من كلفة الماء والكهرباء الى انتظارات اخوتها الذين يعتمدون عليها لاطعامهم، أما هؤلاء اللواتي ترون امامكم، فأغلبهن أمهات لطفل أو أكثر..
تتعاطى يطو هذه المهنة مدة عشر سنوات، ولجتها صغيرة السن بعد أن باء زواجها وهي قاصر بالفشل، توفيت والدتها، فتزوج الوالد وكان مصيرها رفقة شقيقيها الأصغر منها الطرد..."وليت مسؤولة على خوتي وخاصني نخرج نخدم عليهم..أنا مقارياش ومعندي حتى شهادة، مشيت خدمت في الديور حتى عييت قالت لي صاحبتي يالله تمشي ديري خدمة ساهلة صافي وبديت".
لم تكمل يطو حديثها حتى خرجت من غرفة مجاورة عاملة بلباس النوم، قصدت الحمام وهي تشير لصديقتها مع من تتحدثين ؟ أجابتها صحافية تقوم ببحث حول الدعارة لتقذفها بكلمات نارية: "بقاي غير تهضري واش الهضرة كتخلص الكرا وترسل ليك الفلوس لخوتك" قبل أن تعود إلى زبونها الذي كان ينتظر..
تعدل يطو ماكياجها وتخاطبني قائلة: "يالله خليني نخدم على خوتي"..
وبخلاف يطو فإن نعيمة رفضت أن تتذكر تفاصيل قصتها مشيرة إلى أنني بسؤالها صببت الملح على الجرح " ماذا تريدين لي أن أقول لك، هل أتحدث لك عن الاستغلال الذي تعرضت له من طرف شخص ادعى أنه يحبني وسيتزوجني، قبل أن يخذلني ويتركني عرضة للضياع، افتض بكارتي ووجدت نفسي حاملا وأنا لا أتجاوز 16 عشر من عمري، فهربت من بيتي خوفا من الفضيحة، وتعاطيت الدعارة " مبقيتش كنحمل راسي..حنا دايرين بحال الجفاف اللي جا كيمسح فينا يديه، ويقدر يخلصك ولا يسلت.. كنظلو نتشمشو والقضية خرفات في هاد الحفرة".
يطو، نعيمة، وحفيظة أكدن أن وراء تعاطيهن لتجارة بيع الجسد بالضرورة، أسباب لا تخرج عن الفقر، التشرد، الاغتصاب، قسوة زوجة الأب، أو وفاة الوالدين معا، أو حتى كثير من الطيش الذي يرفضه المجتمع، فيقود الفتيات إلى الهروب نحو مثل هذه الأماكن.. فمعظم اللواتي يتربين في ظل مناخ اسري متفكك يعشن أزمات سواء اجتماعية أو اقتصادية قد تدفعهن إما للعمل المبكر كخادمات في البيوت في سن مبكرة وهذا يساهم بشكل كبير في غياب الحصانة الأسرية كذلك الحوادث الناجمة عن أخطاء معينة تؤدي الة فقدان البكارة وبالتالي مغادرة بين الأسر خوفا من العواقب وولوج عالم الدعارة.
+++++++++++++++++++
* نهاية بورديل تنغير
بورديل "أقدار"، أو "السيكتور"، كما يحلو للبعض تسميته في هذه المدينة، وبعد أن كان يضم أزيد من 400 عاملة جنس، تم إخلاءه اليوم وترحيل العاملات فيه، فانتهت بذلك أسطورة أقدم بورديل للدعارة بتنغير، في ظل تنامي بعض الأصوات المنددة بـ"الفساد والدعارة بالمدينة"، خصوصا بعد صعود التيار الإسلامي واختراقه للمجتمع المدني، ووصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى دفة تسيير المجلس البلدي لتينغير، وبروز نتائج مخيفة لعدد المصابين بالأمراض المتنقلة جنسيا بالمنطقة،حيث أقدمت السلطات الإقليمية و بتنسيق مع وحدات من الأمن الوطني بتنغير بإخلاء ماخور المدينة و المعروف ب "أقدار" و الذي يضم العشرات من بائعات الجنس ، كما يعتبر نقطة سوداء بالمدينة و بؤرة لشتى أنواع الانحراف و الجرائم و الأمراض ..وأكدت مصادر مطلعة أن هذه العملية أسفرت عن ضبط العديد من القاصرات وكذا عدد من ذوات سوابق مبحوث عنهن وطنيا. و بعد عملية التطهير هذه شددت السلطات الأمنية الحراسة و المراقبة حول مداخل الحي.و أعربت السلطات الإقليمية عن عزمها على استئصال هذا الحي من المدينة حيث ستتم إعادة تهيئته، وهو ما عاينته "صحيفة الناس" لدى زيارتها لهذا الحي، الذي تضاربت روايات أبنائه وبعض المستفيدين من خدماته بين من ثمن هذه المبادرة واعتبرها حميدة وتذهب نحو اجثتات أوكار الدعارة الرخيصة التي تتسبب في انتشار الفساد والأمراض الجنسية المعدية، وبين من اعتبر أن تنقيل هذا الحي من تنغير، ساهم في خلق أزمة اضطر معها الشباب للتنقل إلى المدن المجاورة لقضاء حاجاتهم الجنسية، بعد أن كانت 20 درهم كافية، انضافت إليها مصاريف التنقل على حد تعبير أحد أبناء المنطقة.
لكن وبالرغم من هذه البادرة التي تحسب للجهات التي قامت بها، فإن أسئلة حارقة تنتصب في هذا الصدد. هل يكمن الحل في إغلاق الحي وإجلاء العاملات فيه؟ ألا ينبغي التفكير في مقاربة أخرى لمعالجة هذه الظاهرة بعيدا عن حملات المداهمة والتعامل مه هذه الشريحة من المجتمع كأنها لا تستحق العيش بكرامة؟ لماذا لم يسبق لفعاليات المجتمع المدني التفكير ضمن أجنداتها في برامج لإدماج ممتهنات الجنس؟.
++++++++++++++++++++
* فشل المقاربة الأمنية
يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن ظاهرة الدعارة أعمق وأشمل من أن تفسر على أساس اجتماعي أو اقتصادي حتى نربطها بالاكتواء بنيران الأزمة، أو نحكم على تراجع العمل داخلها، ذلك أن هذه التجارة تبقى في جميع الأحوال غير مهيكلة، تتأرجح بين قانون العرض والطلب كما أنه يصعب الحديث عن أي تراجع في ظل غياب أي دراسات أو تقارير تضع النسب محل الدراسة والتحليل ونرسم صورة واضحة عن هذا النشاط التجاري الذي يزدهر طالما كان هناك طلب عليه كوسيلة لإشباع الرغبات، والطلب على البغاء ما هو إلا تعبير عن حاجة ملحة هي التي تسبب هذا الطلب، والحاجة الملحة هي الرغبة في الاتصال الجنسي، غير أن الطلب يرتبط ارتباطا وثيقا بالعرض فكما يؤدي الطلب إلى وجود البغاء فإن العرض يؤدي إلى خلق الطلب والأمر في ذلك شأن أي سلعة أخرى تؤدي وفرة عرضها والاستمتاع باستخدامها إلى زيادة الطلب عليها.
+++++++++++++++++++
* الدعارة تتأثر بالحياة الطبقية للمجتمعات
الدعارة ظاهرة لا تخلو منها المجتمعات منذ بدء التاريخ، وقد كان البغاء عند نشأته مقدسا ولم يكن وليد ما يزعمه البعض من اتساع رقعة الحريات الجنسية، وإنما هو ثمرة العقائد الأولى في القوى المنتجة للنسل حيث ضرورة تقديس المرأة عن طريق رجل غريب يمثل قوة الإله الخارقة، حتى يهبها الإخصاب الذي لا تحمل النساء بدونه ولا يستمر بغيره بقاء الإنسان على الأرض، فكانت الفتاة تبدأ حياتها الجنسية بأن تهب نفسها إلى إله الإخصاب الذي يمثله هذا الرجل الغريب على أساس أنه قد منح من الإله قوة خارقة للطبيعة لا تتوافر في الرجل القريب أو الزوج، الأمر الذي يضمن الإخصاب للأرض وما عليها، ثم تطور الحال وأصبحت القوة المقدسة مستمدة من المكان لا من الرجل الغريب واقتصر الأمر على إزالة البكارة داخل المعبد وتلا ذلك حجز الفتيات في المعابد ليهبن جمالهن لتخفيف ما يعتري حياة الكهنة المقدسة من ملل وسأم، حيث يمارسن البغاء بعرض أنفسهن على زوار المعبد، وكان ما يحصلن عليه يذهب إلى خيرية المعبد ثم أصبحن يحتفظن بجزء منه للإنفاق على زواجهن.
ولم تكن مصر القديمة بمنأى عن هذا البغاء المقدس الذي عم حضارات العالم، وقد ظل حتى عهد الرومان، حيث كانت المعابد تشتمل على نساء يحترفن الدعارة وكان هذا موردا رسميا معترفا به ، فتحول البغاء المقدس فيما بعد إلى صورته الحالية، حيث حلت الرغبة المطلقة في قضاء الشهوات محل العقيدة الدينية وأصبحت الدعارة مهنة تدر الأموال الكثيرة.
أما في المغرب فقد عرف البغاء منذ معاهدة الجزيرة الخضراء في أبريل 1906 حيث طبقت على البغاء في المجتمع المغربي نفس القوانين السائدة في فرنسا آنذاك إلى أن جاء عهد الحماية الفرنسية فظهر فيه نوعان أساسيان ، هما البغاء الرسمي المنظم، والبغاء الحر المحتكر من طرف المستئمرين للبغاء من الفرنسيين والأجانب والعملاء وكانت الدولة تقوم بحمايتهم في مقابل ضرائب معلومة وكان لابد للمغرب أن يتخذ موقفا من تلك الظاهرة في عهد الاستقلال، فكان أن صدر ظهير يمنع البغاء ويحرمه، لكنه مع ذلك لم يتوقف.
وقد تأثر مفهوم الدعارة عبر التاريخ بالحياة الطبقية للمجتمعات، فانكمش التعريف حتى اقتصر على أولئك الصغيرات اللاتي يبعن جسدهن مقابل نقدي محدد، بينما ظلت سائر النساء الأخريات، وبما في ذلك أشكال البغاء الراقية سيان في ذلك المحترفات الثريات، بنات الأسر اللاتي يصدرن عن دوافع نفسية في ممارسة البغاء ، وتلك الجموع المستترة التي تبيح جسدها مقابل مزايا اجتماعية دائمة.









المصدر: صحيفة الناس