محمد عزاوي / ألنيف
في منطقة النيف، حين تنبعث الزغاريد من عمق الوديان وتتمايل الأجساد على إيقاع أحيدوس وفن كناوة ، لا يكون العرس مجرد احتفاء بزواج فردي، بل تجددٌ موسميٌ للروح الجماعية، وتذكير قوي بأن الأمل ما يزال حيًّا وسط المعاناة.
الأعراس الجماعية في النيف ليست حدثًا عابرًا، بل امتداد لتاريخ من التضامن الشعبي، فحين اجتمعت كلمة أهالي المنطقة سنة 1933 في لحظة فارقة للصعود إلى جبل بوكافر، رغم قساوة الظروف ومآسي المواجهة، كانوا يرسمون أولى ملامح الوحدة السياسية والاجتماعية. كان القرار جماعيًّا، المقاومة مشتركة، والهدف واضحًا: الحفاظ على الكرامة، حتى لو كتب التاريخ استثناءات مؤلمة. واليوم، يعود ذلك المشهد بصورة أخرى، حيث يُستبدل صوت البندقية بصوت المزمار، ويغدو الزواج الجماعي محطة جديدة لتأكيد أننا شعب لا يهزم حين يكون متلاحمًا.
وسط الفقر والبُعد عن مؤسسات الدولة، ينشئ المواطنون أنظمة تضامنهم بأنفسهم. الأعراس الجماعية هي ثمرة هذا الإيمان العميق بالعيش المشترك، حيث يُعفى الفقير من التكاليف الباهظة ويجد الفلاح نفسه إلى جانب القاضي والعامل كتفه الى جانب القائد و المهندس و الاستاذ... ، ويجد الغني في التواضع فرحًا مضاعفًا، ويتعلم الشباب أن الزواج لا يُقاس بالبذخ بل بحجم الحب والصبر والنية الطيبة.
في كل دوار من دواوير دائرة ألنيف، تُقام هذه الأعراس بجهود تطوعية، ومساهمات أهلية، وببركة نساء يُحضّرن الطعام بالأمل، وشيوخ يروون الحكايات، وأطفال يحلمون بدورهم في هذا العرض الكبير للانتماء.
هنا أقف و أقول لماذا لا نستشرف المستقبل و تكون الأعراس نموذج سياسي واجتماعي لماذا لا نأخذ من هذه الظاهرة درسًا في العمل الجماعي؟ لماذا لا يستلهم السياسيون من طريقة تنظيم هذه الأعراس كيف تكون المسؤولية تشاركية؟ لماذا لا يتعلم النخب أن القرارات العظيمة تُولد من الخيمة، من النقاش العفوي، ومن الحاجة لا من المكاتب المُكيَّفة؟
إننا بحاجة إلى سياسة ترقص على أنغام أحيدوس... لا إلى سياسة تُقصي المختلف وتشطب على الهامش. الأعراس الجماعية تفتح الباب أمام فكرة أن المشاريع المحلية لا تحتاج دائمًا قرارًا مركزيًّا، بل تحتاج فقط إرادة صادقة من أبناء الأرض.
اللهم بارك في الأزواج الجدد، واجعل أيامهم مليئة باليُمن والسكينة. ارزقهم الفرح الطيب، والسكن الرحيم، وأغمرهم بحبٍّ ينمو رغم الصعاب.
اللهم ارزق شباب النيف فرصة عمل تحفظ كرامتهم، وامنحهم الأمل لنبني في السنة المقبلة أعراسًا جماعية بالعشرات، في كل دوار وكل قصر... وإن حصل ذلك، لن نحتاج لحضور رئيس الحكومة، سنكتفي بحضور القلوب النقية التي صنعت الفرح بعرقها ونيتها. في بلد ينعم بالأمن والأمان والاستقرار في رعاية عاهل البلاد والعباد حفظه الله ورعاه لأنه رمز وحدة وأمن هذه الدولة الأمة.
من الارشيف فيديوهات لجديد أنفو اثناء تغطية العرس الجماعي بالنيف :