محمد عزاوي

في الجنوب الشرقي المغربي، وتحديدًا بمنطقة النيف، تشهد الساكنة المحلية حدثًا اجتماعيًا فريدًا يعكس عمق الروابط المجتمعية وقوة التضامن القبلي: الأعراس الجماعية. هذه المبادرة، التي باتت تقليدًا سنويًا، تُعيد للزواج معناه الأصيل، وتُجسد قيم الارتباط والتكافل والكرامة، في زمن أصبحت فيه تكاليف الزواج تشكل عبئًا حقيقيًا على الشباب.

الأعراس الجماعية بالنيف ليست مجرد احتفالات، بل هي مشروع اجتماعي مواطن، يهدف إلى تمكين الشباب من تأسيس أسرهم في ظروف تحفظ كرامتهم، وتُعزز روح الجماعة. في هذه المناسبات، تُزف العرائس في موكب جماعي يملؤه الفخر والبهجة، وتُقام الولائم بكرم وتُعزف الموسيقى التقليدية، وتُرقص رقصة "أحيدوس" في تناغم بين الأجيال.

ما يميز هذه الأعراس هو قدرتها على المزج بين التراث والحداثة. اللباس التقليدي يُزين العرائس والحاضرين، بينما تُوثق اللحظات بكاميرات حديثة لتوثيق اللحظة . الزفة تُقام على إيقاع الطبول والبندير، في حين تُدار التنظيمات بأساليب عصرية، ما يجعل من هذه الأعراس نموذجًا حيًا للمغرب المتجدد، الذي يحافظ على هويته الثقافية ويواكب العصر دون أن يفقد روحه.

ولعل أبرز ما يلفت الانتباه في هذه المبادرة هو مبدأ المساواة الذي تُجسده بصدق. ففي صف واحد، وتحت سقف واحد، يجلس الموظف والعامل، المحامي والقاضي، الأستاذة وربّة البيت، المهندسة والطالبة، دون أي تمييز طبقي أو اجتماعي. الجميع يحتفل بنفس الروح، بنفس الفرح، وبنفس الكرامة. إنها لحظة يتساوى فيها الجميع أمام قيم الجماعة، حيث لا مكان للفوارق، بل للانتماء المشترك.

نجاح هذه المبادرة يعود إلى تضافر جهود عدة أطراف، أبرزها جمعية بوكافر الشامخة، التي لعبت دورًا محوريًا في التنظيم والتأطير، إلى جانب المجتمع المدني المحلي، والسلطات التي واكبت الحدث بروح وطنية صادقة. كما لا يفوتنا أن نُخص بالشكر شركة النقل الساجري ، الشركة المواطنة التي واكبت هذه الأعراس الجماعية منذ بدايتها، وساهمت في إنجاحها من خلال دعمها اللوجستي وتوفير وسائل النقل للعرسان والمدعوين، في صورة مشرقة من الانخراط المجتمعي المسؤول.

تُعد هذه الأعراس الجماعية درسًا في الكرامة الاجتماعية، ونداءً مفتوحًا للجهات المعنية من أجل دعم مثل هذه المبادرات، مادّيًا ومعنويًا، وتعميمها على باقي مناطق المغرب. فالفرح، كما تؤكد تجربة النيف، لا يجب أن يكون امتيازًا طبقيًا، بل حقًا جماعيًا يُحتفل به في حضن القبيلة وتحت سقف الجماعة.

وفي ختام هذا الحدث، تتقدم الساكنة المحلية بالشكر والامتنان لكل من ساهم في إنجاح هذه المبادرة، من منظمين ومتطوعين وسلطات وأسر مشاركة، وشركات مواطنة مثل الساجري. كما تُوجّه تمنياتها الصادقة لكل العرسان الجدد بحياة مليئة بالمحبة والاستقرار، وتفتح أبواب المدينة لكل الزوار، مرحبة بهم بكرمها المعهود ودفء أهلها.

منطقة النيف، من خلال هذه الأعراس، لا تحتفل فقط بزواج أفراد، بل تحتفل بقيم جماعية راسخة، وبهوية ثقافية متجذرة، وبمغرب أصيل، متضامن، ومُشرق بالحب الجماعي.