بالنظر إلى ما سجل خلال السنوات الأخيرة من مكتسبات بعد الخطاب الملكي السامي لأجدير (تأسيس المعهد الملكي للغة والثقافة الأمازيغية، وتدريس الأمازيغية بشكل محتشم ببعض مستويات التعليم الابتدائي، وفتح قناة تمازيغت، وكتابة بعض يافطات المؤسسات العمومية باللغة الأمازيغية المعيارية...الخ)، لكن المتتبع للمشهد السياسي سيسجل نكوصيته اتجاه الأمازيغية، ويتجلى ذلك في طريقة  التعامل مع هذا الملف الأكثر حساسية مقارنة مع ملف التقاعد، لأن الآمر  هنا لا يرتبط بمنطق ضمان الخبز اليومي الحافي واشباع شهوة البطن، بل الأمر مرتبط بهوية وتاريخ حضارة وثقافة أمة، ومما زاد الطين بلة هو عدم التزام الحكومة بأجرأة ما هو مقرر بالدستور في فصله 5 الموقوف التنفيذ منذ 2011، واقصاء المهتمين المعنيين لتأطير ندوات وفتح نقاش عمومي عميق على الصعيد الوطني لرفع توصيات تليق بمستوى رسمية لغة دولة، وتركتها جانبا إلى غاية الوقت الضائع من عمر ولايتها، مما سيتسبب في ولادة قيصرية لمواد قوانين ستؤخر لسنوات تكريس طابع التعددية والتنوع  الذي يميز روافد الهوية  والثقافة المغربية.

يوم الثلاثاء 14 يونيو 2016، وأنا أتابع عبر التلفاز مجريات أسئلة الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب، وضمن أجوبته على الأسئلة المتعلقة بالسياسيات العامة خاصة سؤال الفريق الاشتراكي حول التأخر في اخراج القانون التنظيمي للأمازيغية، صرح بالحرف أنه "تم إعداد مشروع هذا القانون التنظيمي وهو جاهز وسيعرض في غضون الأيام القليلة المقبلة، على مجلس الحكومة إلى جانب القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية".  وحسب قوله "سيطرح علينا جميعا تحديا على مستوى التنزيل".

في رأي لو لم يتم تذكير الحكومة من طرف صاحب الجلالة نصره الله خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية بمقر البرلمان بضرورة الالتزام بأحكام الفصل 86 من الدستور، الذي يحدد نهاية هذه الولاية التشريعية كآخر أجل لعرض القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية على مصادقة البرلمان. لما "تفعفعت" الحكومة من سباتها لإعداد مشروع هذا القانون وفي صمت رهيب وبانفراد وبشكل مستعجل. ونحن نعلم مآل المخططات الاستعجالية بالمغرب.

رجوعا إلى ما صرح به رئيس الحكومة حول جاهزية هذا القانون، فالجاهز " Le prêt-à-porter" لم يعد صالحا حتى في الألبسة فما بالك بمصير هوية ولغة أمة، ومردفا سيطرح علينا جميعا تحديا على مستوى التنزيل، نعم سيطرح على حكومتكم تحديا واقعيا سواء في التنزيل أو في الشارع إذا كان محتواه فارغا ولا يستجيب للحاجيات والتطلعات، والسبب هو انفرادكم بشكل مقصود في إعداد مواده، وضربكم عرض الحائط المقاربة التشاركية التي أسس لها الدستور، وقزمتموها في فتح باب بوابتكم الالكترونية وأقفلتم كالعادة باب الحوار أمام مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين المعنيين لتقديم مقترحاتهم بشأن القانون التنظيمي المذكور، وأعد حسب مواصفاتكم ونواياكم مع سبق الإصرار والترصد بعد ما أن وصفتموها بحروف الشينوية، وداعيا البرلمانيين "يلا جاء عندكم متعطلوه عفاكم".  في إشارة مبطنة للتصويت عليه بالسرعة وبعيون مغمضة، وأنه لن يقبل الملاحظات والتعديلات التي قد يتم اثارتها من طرف نواب الأمة، تمهيدا لتمريره إلى جانب قانون "اصلاح" أنظمة التقاعد بعلله ومهما كلفه ذلك سياسيا وأخلاقيا.

فتفعيل ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ للأمازيغية ﻫﻮ ﺇﻗﺮﺍﺭ ﻭﺗﻨﺼﻴﺺ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺃﻧﺸﻄﺘﻬﺎ ﻭﻣﺮﺍﺳﻼﺗﻬﺎ ﻭﻭﺛﺎﺋﻘﻬﺎ ﻭﺗﺪﺍﺑﻴﺮﻫﺎ في مختلف ﺍﻟﻘﻄﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻻﺕ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ، وﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ الترابية المحلية ﻭﺍﻟﺠﻬﻮﻳﺔ، وفي جميع ﺍﻹﺩﺍﺭﺍﺕ، وفي ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻢ، وﺍﻟﺴﺠﻼﺕ ﻭﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ، والأوراق المالية وﺍﻹﺩﺍﺭﻳﺔ، وبجميع ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻡ ﺧﺪﻣﺎﺕ ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﺃﻭ ﺗﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ مع الحرص بعد المصادقة  على:

- تحديد جدولة زمنية دقيقة لكل القطاعات الحكومية من أجل اعداد مخططاتها لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛
 
- التنصيص على مقتضيات واضحة في هذا القانون للمساواة بين اللغتين الرسميتين للبلاد الأمازيغية والعربية في جميع الميادين؛
 
- تخصيص الموارد المالية والبشرية المؤهلة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛
 
- إحداث مؤسسات ولجن مستقلة لمواكبة وتتبع وتقييم خطوات تنفيذ القوانين التنظيمية ذات الصلة بالأمازيغية بمختلف الوزارات والقطاعات الحكومية؛

ﻭﺃﻱ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﻠتنزيل ﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﻫﺬﻩ الإجراءات ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ بعد المصادقة، في نظري ﻫﻲ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﺧﺘﺰﺍﻟﻴﺔ ﻭﻣﻨﺎﻭﺭﺓ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ تسبق استحقاقات 7 أكتوبر المقبل، ﺑﻞ ﺍﻟﺘﻔﺎﻑ ﻋﻠﻰ مقتضيات الفصل الخامس للدستور وديباجته وللوضعية ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻟﻠﻐﺔ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻐﻴﺔ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻷﻫﻢ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﻧﺸﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺠﺮﻳﺪﺓ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ، ﺗﻔﻌﻴﻠﻬﺎ ﻭﺗﻨﺼﻴﺐ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺘﺪﺑﻴﺮﻫﺎ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ، ﻭﺃﺟﺮﺃﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺗﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺑﺔ. وتبقى أسئلة مطروحة حول من الذي سهر على إعداد هذا القانون الجاهز؟ وهل انطلق من دراسات تشخيصية لواقع الأمازيغية بالمغرب؟ وهل تم أخذ بعين الاعتبار مذكرات الأحزاب السياسية والنسيج الجمعوي والحركي الأمازيغي التي تم التوصل بها عبر البريد الالكتروني على الرغم من علة الطريقة المتبعة هاته؟...الخ

وفي انتظار خروج مسودة هذا القانون للرأي العام، أتمنى أن يتم تطوير مواد مقتضياته لأن الاستعجال والسرعة والسياقة بانفراد هي من بين الأسباب الرئيسية لحوادث السير السياسية، بما سيضمن الشروط الكاملة للنهوض بالأمازيغية وتمكينها من كافة الشروط السياسية والمؤسساتية، مما سيجعلها لغة ورصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية، في ظرف يستعد فيه رئيس الحكومة للرحيل "وموجد لباليزا وفيها لحوايج ديولو"، وكونه لا يستطيع ولو توفير الحماية الأمنية لطالب أمازيغي حميد أوعضوش لاجتياز امتحاناته الجامعية أمام تهديده بالتصفية الجسدية، فما بالك بإصدار قانون يحمي هويته وثقافته، ووصف وزيركم في التعليم العالي للطلب الأمازيغي مصطفى أوساي بالقاتل بعدما أن فضح حيثيات محاكمته الصورية، وأصبحت في عهد ولايتكم الجامعات ملاذاً لكل متعطش لدماء الأمازيغ، وخذوا العبرة من طريقة استقبالهم. فما عساي إلا أن نقول لكم الباب أوسع من كتفيكم  و اتركوا الكراسي أسباب المآسي.