دأب المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (إركام) على تخصيص منح مالية لفائدة الجمعيات العاملة في مجال النهوض بالأمازيغية بعد دراسة مشاريعها المقدمة وفق شروط و معايير يؤطرها إطار مرجعي.

لكن هذه المنح كانت دائما مثار سخط و انتقادات المهتمين و النشطاء الأمازيغ لكون لائحة الجمعيات المستفيدة منها لا تشير إلى مناطق اشتغال هذه الجمعيات و لا تتضمن حجم المبالغ المالية المرصودة لها رغم المطالبة الملحة بذلك تحقيقا لمبدأ الشفافية و النزاهة و الوضوح.

و يُؤخذ على المعهد كونه لا يتعامل بقدم المساواة مع كل الجمعيات و يَنظر إليها من زاوية الانتماء الجغرافي أولا بغض النظر عن مشاريعها المقدمة. فلوائح المستفيدين تهيمن عليها جمعيات الجنوب و هي التي تحظى كذلك بنصيب الأسد من حجم الدعم. و يفسر المنتقدون سبب هذه الحظوة و الأفضلية بانتماء أغلب مكونات المعهد لمنطقة سوس خصوصا الجهة المشرفة على الجمعيات.

و السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح لماذا لا يبادر المعهد إلى إثبات مناطق الجمعيات المستفيدة و حجم الدعم المخصص لكل واحدة منها داخل اللائحة ليقطع بذلك دابر هذه الشكوك و ينأى بنفسه عن كل شبهة، لكن إصراره على عدم فعل ذلك يعكس نيته المبيتة و يثبت بالملموس صحة الاتهامات الموجهة إليه.

إطلالة بسيطة على لائحة الجمعيات المحظوظة برسم هذه السنة ( لائحة الجمعيات المستفيدة من الدعم في المرفقات ) تظهر أن غالبية المشاريع المقدمة – كما باقي السنوات - يغلب عليها الطابع الفلكلوري و الفرجوي الذي يجعل من الأمازيغية مجرد أيقونات فنية و لوحات سياحية تحت مسميات فضفاضة و ملتبسة : مهرجان أمازيغي، ملتقى التراث، ملتقى الفنون، أيام ثقافية، تظاهرة ثقافية أمازيغية، نشاط ثقافي...

كما أن اللائحة تتضمن جمعيات يظهر من خلال تسمياتها أنها بعيدة كل البعد عن اللغة و الثقافة الأمازيغيتين كتلك التي تقدم خدمات للمقابر (عدد 736 في اللائحة) و كأن الأمازيغية أصبحت في عداد الموتى و لا تنتظر منا غير الرحمة و المغفرة أو أنها مزار لا يصلح إلا للتبرك بكرامات أوليائه. فعوض أن تدخل الأمازيغية إلى معهد متخصص يعالجها من الأسقام و يبث فيها الحيوية و النشاط ها هي تَنْجرّ لتقبع داخل قباء معابد التحنيط و تلتمس من يقوم على خدمتها و يسترزق بها.

مصلحو الدراجات الهوائية ( عدد 839 في اللائحة ) وجدوا لجمعيتهم كذلك موطأ قدم داخل المعهد و كأنّ النخب الفكرية و الثقافية استعصى عليها أمر الدفع بعجلة الثقافة الأمازيغية إلى الأمام فاستنجدت بالميكانيكيين لإصلاح دواليبها و ضخ مزيد من الريح في عجلاتها المشلولة لتتتسنى لها الحركة.

حتى ضحايا الأمراض المهنية ( عدد 2007 في اللائحة) وجدوا ضالتهم في المعهد، و الحقيقة أن الأمازيغية هي الضحية الأولى لسوء التدبير المزمن. فالولاءات و الزبونية و المحسوبية تتحكم بشكل كبير في الاستفادة من هذا الدعم. و قد سبق للإذاعة الأمازيغية - تمزيغت الأطلس المتوسط – أن وقفت على خطورة هذه التجاوزات و الاختلالات من خلال برنامج أذيع يوم الأربعاء 01/02/2012 و قدم فيه صاحبه شهادات حية و مباشرة لممثلي جمعيات كانوا ضحايا "سماسرة المعهد" على حد تعبير صاحب البرنامج.

و قد صرح لوسائل الإعلام آنذاك، أنه على إثر تلك الحلقة، تلقى سيلا من السباب و الشتائم و الوعيد من طرف أحد أعضاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، و كادت القضية تتطور أكثر و تعرف طريقها إلى المحاكم لولا أن تدخلت بعض الجهات لطي الملف.

و بمقابل ذلك، يكون الإقصاء المتعمد و الممنهج هو نصيب الجمعيات الفاعلة و المسؤولة و التي تقدم مشاريع جادة تروم إلى إخراج الأمازيغية من صورتها النمطية الاستهلاكية و ترقى بها إلى مستوى الأبحاث الأكاديمية و الدراسات العلمية و النقاشات الفكرية العميقة بشكل يتلاءم و وضعها الدستوري كلغة رسمية.

لكن المعهد و القائمين عليه لا يزالون ينظرون إلى الأمازيغية من منظور دستور ما قبل 2011 و يتعاملون معها وفق الظهير المنظم الذي لم يجرؤ على اعتبار الأمازيغية لغةً، فلا وجود إطلاقا لعبارة " لغة أمازيغية" على طول بنود و فقرات الظهير.

و بهذا يكون الظهير المنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية متجاوزا من الناحية الدستورية و القانونية و تكون الضرورة ملحة لإعادة النظر في اختصاصات هذه المؤسسة و تركيبتها خصوصا و أن الدستور ينص على إحداث " المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية" و الذي نتمنى أن يرى النور قريبا.

مرفقات

لائحة الجمعيات المستفيدة من الدعم برسم سنة 2014