لعل أحد أهم أسباب الفقر والهشاشة التي تتفاقم اعدادها بإقليم الرشيدية هو ذلك التفكك الأسري الذي تعانيه عائلات تافيلالت بسبب غياب الموارد المالية وغياب البنيات التعليمية والتي يضطر معها الأبناء للهجرة بحثا عن الدراسة في الجامعات والمعاهد العليا ومنها الى البحث عن مناصب شغل ومعها الاستقرار بعيدا عن الوطن والعائلة… والأرض التي تحولت الى عقارات سكنية.

اقتصاد تافيلالت ذلك الاقتصاد الهش الذي يعتمد على التجارة والوظيفة العمومية والعسكرية بشكل كبير، بعد أن كان الاجداد يعتمدون على الفلاحة الواحية المعاشية والتجارة وهو ما ساهم في تقوية الروابط العائلية والحفاظ على القيم والمبادئ والتربية الدينية على شكل مجتمعات بأشكال اقتصادية صغيرة محمية بما يسمى “القصور” و”القصبات”. الا ان الجفاف والتطور ودراسة الأبناء الذين هاجروا للبحث عن أفق جديد، جعل الاراضي الفلاحية الواحية تهجر بدورها وتتحول الى اراضي عقارية بعد ان تخلى عنها الجميع لصالح الوظيفة العمومية او العمل لدى القطاع الخاص في المدن الساحلية.

هذا التدمير الذي تعرض له المجتمع الواحي بتافيلالت ساهت فيه الدولة المغربية بشكل كبير جدا بسبب اقصائها للعمق المغربي الذي تنتمي له المنطقة, حيث استعملت الدولة التقسيم الاستغلالي الذي ابتكره المستعمر لوصف المنطقة بالمغرب غير النافع, فاعتبرت الدولة أن المدن المنتجة هي التي تستحق التنمية والاهتمام, فوجهت اهتمامها لمدن الساحل والمدن السلطانية لاستغلال الاولى كموانئ تصدير لخيرات المغرب الباطنية والفلاحية والبحرية, واستغلال الثانية لإقامة اقتصاد يعتمد على السياحة, كل ذلك في أفق تحقيق نسبة نمو مهما ارتفعت او انخفضت فهي لم ولا تؤثر على التنمية في الاقاليم الداخلية للمملكة.

أبناء الاعيان وكبار العائلات بتافيلالت اضطروا الى بيع ممتلكاتهم العقارية واراضيهم الفلاحية التي ورثوها عن آباءهم بغض النظر عن طريقة اكتسابها واستثمار أخرى على شكل تجزئات سكنية، فصنع الكثير منهم ثروة ورؤوس أموال حقيقية هجرها نحو الغرب لإقامة المشاريع الكبرى، بينما بقي المبتدؤون وصغار رؤوس الأموال بدون قدرة على الاستثمار الحقيقي المنتج الفعال والمؤثر، ليكتفوا بمشاريع صناعة الطوب وبيع مواد البناء او المواد الغذائية واقامة المقاهي التي استعملت لممارسة السياسة وصناعة الرأي العام وترويج الإشاعة.

من جهتهم، لم تكن لدى أغلب الفاعلين الجمعويين والمنتخبين لا القدرة ولا الكفاءة على جلب المستثمرين كما فعلت مدينة ورززات مثلا، أولا بسبب الريع الانتخابي الذي استعمل المال لينصب فاشلين وأميين وفاسدين في مراكز القرار والتسيير والتشريع مما انعكس على قدرتهم على انتاج برامج اقتصادية تنموية والترافع في مراكز القرار لأجل المنطقة، وثانيا بسبب غياب البنيات التحتية الضرورية والمشجعة لرؤوس الأموال التي قد تختار المنطقة للاستقرار والاستثمار.

وان حدث وأن فكرت الحكومات في الاهتمام بتافيلالت فهي توجه لها برامج لتنمية الواحات كنوع من “الاستهزاء” بها وبقدراتها من خلال دعمها لمشاريع “عائلية” صغيرة لتربية الاغنام أو الارانب أو “صناعة” مربى التمور وقهوة علف التمر أو زراعة النخيل الذي يهدده الجفاف وسيطرة اللوبيات الاقتصادية التي تتهرب من مشاريع حقيقية تشغل أكبر قدر من اليد العاملة.

ويبقى المواطن الفيلالي مقصي ومنسيا تلاطمه امواج البطالة والتهجير من مدن اقليمه الذي عانى ويعاني من استنزاف مهول في وارده البشرية والمادية.

فهل ستحقق جهة درعة تافيلالت التنمية التي نريد وتُوقف هذا النزيف؟ أم انه سيستمر مسلسل الاقصاء والعزلة الممنهجة أكثر بعزل أقاليم الجنوب الشرقي ضمن جهة ترابية موحدة اداريا ومقصيه تنمويا من برامج الدولة واهتماماتها؟ .