من غرائب ومفارقات الأحزاب السياسية بالمغرب، أن الحزب الذي يدعي الشيوعية يتحدر كل زعمائه من عائلات إقطاعية. 
وقد ظلت اللازمة التي رسخها عبد الحليم حافظ وبليغ حمدي في الوجدان العربي أيام حرب أكتوبر، «الرفاق حائرون» رنانة بين صفوف رفاق الحزب الشيوعي بالمغرب، والإشارة هنا إلى حزب التقدم والاشتراكية.
هذا الحزب هو حزب بتاريخ طويل، فهو أقدم حزب بالمغرب، إذا حسبنا سنوات الشيوعية الفرنسية التي استوطنت دروب الدارالبيضاء، بمشاركة جزائريين من بينهم الراحل علي يعتة قبل الاستقلال.
هو أيضا حزب بجغرافية صغيرة، وذلك راجع إلى معطيات سياسية وتاريخية جعلت أجهزة الدولة منذ البدء تعمل على التيقظ من انتشار هذا الحزب «الفرنساوي» والحد من إشعاعاته السياسية، سيما وأن للشيوعية رنينا خاصا داخل المغرب ونظامه السياسي.
لكن الذي لا يعرفه الكثيرون عن حزب التقدم والاشتراكية، هو ذلك القاسم المشترك بين مختلف القيادات فيه، سواء الحالية أو السالفة، وهو قاسم يتمثل في انتماء كل الزعماء الشيوعيين التقدميين فيه إلى شجرة المخزن، المعروف عنه إتقانه لحياكة «جينيالوجيا الأحزاب»، أو ما يعرف بالبعد العائلي في صناعة النخب السياسية بالبلاد.
وطيلة تاريخه عاش الحزب «تصفية» القادة غير «القابلين للاصطفاف»، أسوة بما كان يقع لأحزاب اليسار بالعالم العربي.
ولا أحد من «الرفاق الحائرين» استطاع «هضم» قصة أن فندقا بكامله بشيكاغو أكل وهو يحترق بالكامل جسد «عزيز بلال»، أحد أكبر منظري الاقتصاد الاشتراكي في العالم العربي وزعيم كبير بالقطب الاقتصادي بالدارالبيضاء. كان رئيس مقاطعة أنفا، والذي لم يكن سوى إدريس البصري من أرسله هناك بشكل مستعجل وغريب ليمثل الدارالبيضاء في لقاء توأمة ما بين الدار البيضاء وشيكاغو.
مثلما أن لا أحد من الرفاق «هضم» الموت الغريب لعلي يعتة أمام مقر جريدة «البيان» حيث دهسته «شاحنة مجهولة» آتية من الاتجاه المعاكس.
لم يعد بين الرفاق مجال للشك لكن «الشيوعيين الإقطاعيين» يمنعون لحد الآن النبش في القبور بشكل صارم، لكونهم يعرفون أن ظهور الحقيقة ليس في صالحهم.
اندهش الرفاق لتوزير «الرفيقة» نزهة الصقلي سنة 2007، لأنه لم يتم اختيارها لا في اللجنة المركزية للحزب ولا من طرف الديوان السياسي لمنصب وزيرة التنمية الاجتماعية، وظل الرفاق يتداولون في كواليسهم أن الوزيرة موصى عليها من جهة أخرى خارج الحزب.
ولمن لا يعرف نزهة الصقلي، فهي حفيدة القاضي الصقلي الفاسي الأصل والذي استقر به الحال في دكالة، وكان من كبار أعمدة المخزن هناك، يتقاضى عنده كبار تجار دكالة ويشرف على ملفات البرجوازية الناشئة في الشأن العدلي، ولكم أن تعرفوا أدوار القضاة القدامى في تشكيل البرجوازية المخزنية المغربية.
وبنفس التعليمات تم «توضيب» انتخابها في اللائحة الوطنية للنساء لكي لا ترجع لصيدليتها خاوية الوفاض السياسي، وبذلك تم حرمان إحدى أقرب رفيقاتها من مقعدها البرلماني لصالحها بعملية تدبير انتخابي داخلي، لازالت كل كواليس الحزب تتداوله إلى غاية اليوم.
ابنة القاضي الصقلي كوزيرة تركت «تركة» لا يعلم فداحتها سوى الوزيرة الحالية بسيمة الحقاوي. ولأن العدالة والتنمية لا يريد خسارة حليفه الشيوعي الآن، فإن الوزيرة بسيمة تقوم اليوم بتبييض التركة السياسية للصقلي، متناسية كوارث من قبيل مركز الابتسامة بمكناس، مركز النساء بالحاجب، مركز النساء بالصويرة، فضيحة تشغيل 140 معاقا نصفهم من ذوي علاقات داخلية في الوزارة، البلاوي الكبرى بالمعهد الوطني للعمل الاجتماعي بطنجة، والتي كان بطلها الكاتب العام السابق لوزارة التضامن، والذي يدفئ الآن عظامه في منصب فاخر ككاتب عام للمكتب الوطني للمطارات، فالشجرة الكبيرة تخفي الجريمة الكبيرة، هذا ما قاله صامويل بيكيت.
الرفيق إسماعيل العلوي، الشيوعي الكبير، ليس سوى حفيد من حفدة أبناء المولى إسماعيل، وهم الحفدة الذين تطاحنوا في حروب دامت أكثر من 40 عاما حول الأنساب والتركات العظيمة التي تركها السلطان القوي. وهو ابن أحد أعيان سلا، لم ينف أنه كبر في كنف القصر الملكي بأعطياته وإكرامياته وامتيازاته.
وظل الوفاء يجمعه بدار المخزن حتى وهو شيوعي بلحيته الراديكالية وتزوج من دار المخزن، على يد العريفة القوية لالة فطوم، تزوج بنتا من بنات آل الخطيب، وهي الشجرة التي أنبتت الدكتور الخطيب، مؤسس العدالة والتنمية والأب الروحي والكفيل السياسي لبسيمة الحقاوي وغيرها من نساء الحزب.. وهي الشجرة نفسها التي أنجبت أقوى جنرالات الدرك الملكي وهو الجنرال دوكور دارمي حسني بن سليمان، ابن خالة إسماعيل العلوي الشيوعي.
ولمن لا يعرف العلوي إسماعيل فهو كان دائم الضيق والضجر من «الجزائري» علي يعتة، وكان من مهندسي دخول الراحل التهامي الخياري عند الشيوعيين. وللعلم فإن الخياري التهامي كان من بين أعضاء «جماعة مخترقي الأحزاب» فرضه إدريس البصري على علي يعتة، وإلا فالحل كان دائما مصيرا يتهدد الحزب في أية لحظة.
الرفيقان الناصيري وبنعبد الله لا يخرجان عن هذه القاعدة، فهما سليلا قواد من قادة المخزن القديم، الأول من الناصريين بالجنوب الشرقي للمملكة والثاني من قواد فاس. فلسفتهما الموالية للمخزن معلنة وقوية ومباشرة وفيها كثير من الصلافة في أحيان عدة. لكن كوارثهما «السلوكية والسياسية» كثيرة، الأول أنهى منصبه بفضيحة سلوكية خطيرة صدرت عنه وعن ابنه أمام مقر البرلمان في إحدى ليالي 2008، والثاني ترك ملفات «انفصاليي روما» عندما كان سفيرا بها، وبدأ يفصل ما بين زوجته وزوجة الفاسي الفهري، لأنهما «تناتفتا» على مقعد من مقاعد إحدى السهرات.
وقد سبق أن نشرنا ملفات عن الحاج الرفيق نبيل وأخيه المهندس، في ما يتعلق بتفويت الكثير من صفقات دراسات وتجهيزات وطلبات عروض بوزارة السكنى. كما سبق أن نشرنا خلاصات التقارير السلبية جدا حول تدبير خالد الناصيري للمدرسة الوطنية للإدارة، وهي الملفات التي يعجز الرميد اليوم عن إحالتها على النيابة العامة.
كوارث الصديقي وزير التشغيل استثنائية، فبالإضافة إلى فضيحة تدخله لإنقاذ زوجته من المتابعة القضائية بعد دهسها لشرطي مرور، ففضلا عن كوارثه الداخلية من خلال اعتماد منظام داخلي غريب ومساطر تنصيب في المسؤولية شاذة جدا، أمر وزير التشغيل وكاتبه العام بإعطاء صفقة إعداد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل لزميلهما ورفيقهما في اللجنة المركزية الذي جلب زملاءه في الحزب والمتعاطفين كخبراء. والأنكى أن الخبير الشيوعي سرب الاستراتيجية إلى البنك الدولي قبل الحكومة لأن علاقته بالبنك وطيدة، ورغم علم الوزير بذلك فلم ينبس بكلمة.
الخطير أيضا أن الاستراتيجية التي تم إعدادها من طرف الخبراء، والتي كلفت 30 مليون سنتيم لكل خبير، لم تكن سوى عبارة عن بحث جامعي متواضع لطالب في الماستر، مما اضطر معه الوزير لتأجيل الإعلان عنها وإعلان حالة الطوارئ لدى الموظفين الذين سيعدون الاستراتيجية بدل الخبراء الذين سيتقاضون الثمن، وكل هذا بتواطؤ من الكاتب العام الجديد ابن بلدة الوزير والأستاذ الجامعي ذي 63 عاما.
وفي انتظار الكشف عن فضائح «الراميد» والأموال الطائلة المهدرة عليها والمشرف عليها الرفيق الحسين الوردي، ربما سنصل إلى نتيجتين لا ثالث لهما بخصوص تقييم الجانب «الشيوعي» في حكومة الإسلاميين، أولا، ما هو مشاع بين شيوعيي المغرب وزعمائهم هو «مخزنيتهم» التاريخية التي تضمن لهم الحياة داخل سوق السياسة كيفما كانت الأجواء، وهي نفس المخزنية التي يتمتع بها السيد بنكيران وزعماء حزب «المصباح».
ثانيا، حصيلة الشيوعيين كارثية خصوصا في الجانب الاجتماعي وتدبير قطاعاته، وهو ما يتنافى أصلا والرسالة السياسية لليسار ذي المنحى الشيوعي.
وآخر ما قام به الرفيق الحاج نبيل بنعبد الله هو الضغط من أجل «تبليص» رفيقه البرلماني وعضو المكتب السياسي للحزب أنس الدكالي، على رأس الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل، والرفيق القيادي هشام برة على رأس مديرية سياسة المدينة بوزارة نبيل بنعبد الله، ثم القيادي في حركة التوحيد والإصلاح وعضو العدالة والتنمية امحمد الهلالي، على رأس مديرية الشؤون القانونية بوزارة الحاج الرفيق نبيل.
وللعلم فقد شارك في مباراة الانتقاء لمنصب مدير الشؤون القانونية، أربعة ومن بينهم الهلالي.
علما أن المرشحين الثلاثة كانوا جميعهم من وزارة السكنى، وكان يرأس اللجنة واحد من وزارة نبيل بنعبد الله، مما يكون قد أفقدها عنصر الحياد والاستقلالية. 
كما أن اللجنة لم يكن أعضاؤها خبراء في القانون مما لم يكن يؤهلهم لتقييم كفاءة موظف سيكون على رأس مديرية الشؤون القانونية.
بل إن مرشحا وجد نفسه أكثر كفاءة من أعضاء اللجنة في مجال القانون، خصوصا أنه دكتور دولة في القانون وتقلد عدة مناصب في الإدارة العمومية، ومنها مناصب مسؤولية في مجال الشؤون القانونية، منها منصب رئيس قسم، وسبق أن كان مستشارا قانونيا بمجلس النواب ولديه ثلاثة مؤلفات في مجال القانون وأكثر من 100 مقال منشورة في المجلات العلمية القانونية والإدارية داخل المغرب وخارجه.
غير أن رأي اللجنة استقر على الهلالي للحصول على منصب مدير للشؤون القانونية بوزارة السكنى، رغم أنه حاصل فقط على الماستر ولم يسبق له أن ألف أو كتب مقالا أو قام بدراسة في مجال القانون منشورة له في مجلة علمية.
غدا نتابع مع حزب الاستقلال الذي تحول بفضل شباط وحوارييه من حزب عريق إلى حزب غريق.