عرف يوم الخميس: 08 ربيع الثاني من سنة 1436 ه الموافق ل : 05 فبراير 2015 ، حدثا مهما في تاريخ المغرب الحديث وتاريخ الرشيدية والأقاليم التابعة لها على وجه الخصوص، حيث صادق مجلس الحكومة في إطار اجتماعه الأسبوعي على المرسوم رقم: 40-15-2 والمتعلق بتحديد عدد الجهات وتسمياتها ومراكزها و العمالات والأقاليم المكونة لها، هذا المرسوم الذي بموجبه أصبح المغرب يضم اثني عشرة جهة من بينها جهة درعة تافيلالت; التي تضم  عمالات: وارزازات تنغير زاكورة وميدلت والرشيدية، هذه الأخيرة التي تعد مركزا لهذه الجهة.

 هذا التقسيم الجهوي الذي يندرج في إطار تنزيل مقتضيات الدستور الجديد للمملكة والقاضي بإحداث جهات  قابلة للاستمرار، من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية لمنظومة جهوية جديدة.

وبوقفة عند الجهة الجديدة : درعة تافيلالت نتساءل عن توفرها على معايير موضوعية تجعلها جهة قائمة الذات.

من خلال هذا التساؤل سأقف عند البعض من هذه المعايير وبالأخص تلك المتعلقة بمواردها البشرية.

على مر التاريخ وبالرغم من كون مناطق الجنوب الشرقي كانت ولا زالت تعاني من قساوة الطبيعة من تصحر وجفاف، انعكست سلبا على الوضعيتين: الاجتماعية والاقتصادية لساكنتها ، فإن ذلك لم يمنع هؤلاء من اهتمامهم بالعنصر البشري الذي كان لهم ولا زال بمثابة رأسمال لامادي ساهم في تنمية منطقتهم  وفي الوطن وخارجه ،يؤكد هذا المعطى، ذلك الكم الهائل من الأطر- الجنوب شرقية- التي تعمل في مؤسسات حكومية وغير حكومية أو ترأس إدارات عليا وطنية ودولية، و تلك اليد العاملة المؤهلة التي ساهمت بشكل لافت في بناء اقتصاد الوطن و اقتصاديات دول أوربية وشرقية، والتطوع الكبير الذي عرف عن ساكنة المنطقة في القضايا المصيرية للوطن، كما حدث في المعارك التي خاضوها ضد المستعمر وكما هو الشأن في المسيرة الخضراء وفي الحركات التحررية التي عرفتها دول أوربية وإفريقية ومشرقية التي ساهموا فيها في تحرير الإنسانية من الرق والعبودية ، حيث أبانوا عن استبسال وشهامة ونبل الأخلاق.
إلا أن جميع هذه القيم الوطنية والإنسانية النبيلة التي يتحلى بها مواطنو الجنوب الشرقي لم تكن أبدا محددا أو عاملا إيجابيا في التنمية المحلية لهذه المناطق التي لا زالت تشكو من الهشاشة البنيوية مما يجعل السؤال مشروعا حول التناقض الحاصل بين ما تزخر به المنطقة من مؤهلات بشرية ووضعها الحالي كمنطقة لا تتوفر على مقومات المدن التي توفر لساكنتها شروط العيش الكريم.

انسجاما مع القولتين الشهيرتين : (زامر الحي لا يطرب ) و( حتى قط ما تا يهرب من دار العرس ) فالهجرة القسرية للأدمغة واليد العاملة المؤهلة لغرب وشمال المغرب وللدول الأوربية لم تكن طوعا بل كانت لها أسبابها الموضوعية والذاتية:
فأما الموضوعية منها فترجع أساسا إلى الشح الذي تعرفه هذه المناطق من مناصب شغل تنسجم مع الشواهد والدبلومات العليا التي يتوفر عليها المهاجرون ،وبطء التنمية التي تدفع  اليد العاملة للهجرة بحثا عن موطئ قدم لها في شمال المغرب وغربه وفي ما وراء البحار.

وأما الذاتية منها فترجع لما عاشته المنطقة من نزعات قبلية عرقية بغيضة وما ولدته من عنصرية مضادة والتي ما فتئت تكبل عجلة التنمية.

 فالتعايش الذي يفترض أن يتوفر في هذا المجتمع بين أمازيغ وعرب وبين ما ينطوي عليه هذان المكونان من قبائل : أيت عطا أيت مرغاد، أيت تيوخسين أيت حديدو ايت ازدك  ايت خباش... وشرفاء وحراطين وعرب ... وباقي المكونات الإثنية القبلية من أجل الدفع بعجلة التنمية وتأهيل المنطقة لتصبح مستقطبة لمهاجرين بدل تصديرها ، فإن استغلاله تم بشكل انتهازي من طرف البعض الذين استفردوا بزمام أمور البلاد لحماية مصالحهم الكبرى محتمين ومناصرين من طرف أناس مستضعفين لا حول لهم ولا قوة ،ورافضين كل دخيل يمكن أن يعطي انطلاقة حقيقية للتنمية، فكانت النتيجة التي نعيشها اليوم : مدن هشة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا .
هذا الوضع  تمخض عنه اليوم ولادة فئة أخرى كانت سابقا تعاني من القهر بشتى تلاوينه الاجتماعية والسياسية والثقافية والتي احتمت بالدين ليكون لها موطأ قدم في المجتمع لإثبات الكينونة ، وهي التي أصبحت اليوم شريحة سياسية بامتياز.

وضعية استفاد منها البعض وكانت ضحيتها هذه الأرض الطيبة التي جادت وضحت من أجل الوطن وأبنائه التواقين للعيش الكريم.

ونحن نستقبل هذا المولود الجديد، بقدر ما نصفق له وننتشي  بتسميته : درعة تافيلالت، بقدر ما نعلن تخوفنا من تلك اللوبيات المريضة التي لا زالت تؤمن بالتفاوتات الإثنية وعدم الاحتكام للكفاءة في إسناد المسؤولية لا مبالية في ذلك  بالتجارب الرائدة للدول في مجال الديموقراطية و التي تجاوزت هذا التفكير الرجعي المثبط بتقدير الإنسان وتكريمه.

مولود جديد يمكن احتضانه بسهولة، إذا توفرت الإرادة وذلك بجعل مؤهلاتنا البشرية نقطة ارتكاز، حتى يعيش ويستمر وينمو في كنف أبيه وأمه : الوطن، ويكون ولدا بارا بهذا الأخير بما ينتجه له من تنمية محلية تمتد أغصانها وثمارها لجهات أخرى وذلك عبر:

- اعتبار الانتخابات المقبلة محددا حاسما في الإصلاح.

- المصالحة الشاملة مع النخب المثقفة التي اعتزلت السياسة وارتكنت إلى الوضع السلبي المتفرج على الوضع، بدعوتها للمشاركة السياسية وإسنادها مسؤولية التسيير.

- القطع مع لوبيات الفساد التي تركت هذه الأقاليم تعاني سنوات وسنوات من الحرمان والتهميش، بجعل الانتخابات المقبلة مدخلا حقيقيا للتنمية الحقة عبر المشاركة السياسية الإيجابية لجميع المواطنين والمواطنات التي تفضي إلى اختيارات نوعية  تكون في مستوى انتظارات الجميع.

-  جعل التنوع الإثني بالمنطقة مرتكزا إيجابيا ينبغي استغلاله في التنمية.

-  القطع مع المتلاعبين بالأموال ( أصحاب الشكارة) في تحديد الخريطة السياسية لكل جماعة ترابية : محلية أو إقليمية أو جهوية أو وطنية .

-  دعوة رجال الأعمال المستثمرين خارج الجهة إلى العودة للاستثمار محليا وتوفير المناخ المناسب لهم.

-  الدعوة إلى التسامح والتلاقح الاثني والقبلي ....

 هي دعوة بل مسؤولية كل الغيورين - وهم كثر- على التربة الطاهرة لجنوبنا الشرقي للانخراط في تجسيدها لتجاوز الماضي واستشراف المستقبل.