ذ محسن الأكرمين - مكناس / جديد انفو

عند حديثنا عن مغرب البلوكاج، نعمم القول بلا حيطة ولا خوف ونقول أن بوابة التنمية المجالية بالمغرب تعيش وضعية البلوكاج الحاد. للقول سياق جار، وقد يطول الوصف فيه بدون إحاطة لأوجه البلوكاج. فحين تتحدث إلى الفاعلين الاقتصاديين تجدهم يرفعون ورقة البلوكاج الإداري والتسويف الزمني عند كل عملية تحريك للعجلة الاقتصادية. وعندما تتحدث مع كل الفاعلين بجل القطاعات إلا ويلوحون علانية بأن المغرب يدار بالرأي العمودي، وبالتحكم اليدوي في إشارة الضوء الأخضر.
 
حديث اليوم لن يجرنا إلى متاهات " مغرب البلوكاج" بالتعميم القطاعي. ولكننا اليوم سنقف على نمط واحد من البلوكاج في الحقل السياسي. وهو يبتدئ بوضع العصا في العجلة " العصا في الرويدة ". لنتفق أولا أن الفعل الديمقراطي هو نسق كلي مترابط لا يحتمل التجزيء ، فلما نميل نحن المغاربة إلى الانتقائية الائتمارية (بمعنى الأوامر) من الزعامات الحزبية بصناعة البلوكاج؟ لما نتشبع بالفكر البراغماتي/ النفعي الذي يرتكن إلى دلالة المثال الشعبي " راسي راسي وبعدي الطوفان"؟. نعم، مرت الانتخابات للسابع من أكتوبر بما لها، وما أسيل عليها من مداد وتعاليق، لكن الحقيقة الديمقراطية الكاشفة للوضوح، أنها أفرزت لنا أغلبية عددية ، وبحكم سلطة الدستور وشرعيته تم تكليف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة.
 
فرحة عبد الإله ابن كيران ب 125 مقعد والرتبة الأولى لم تكتمل لحد الآن بالتنصيب الملكي على رأس هرمية تشكيلة الحكومة الجديدة، وبقي البلوكاج كغصة في حلق محتضر تتردد بين الأخذ والرد في مشاورات عقيمة إلى حد الساعة . إنه فعل الإرضاءات والتوافقات من تحت الطاولة الذي فشل.
 
لنعد إلى تداعيات فعل البلوكاج، سنقف بالتمام أن كل الأطراف السياسية الحزبية تتحمل مسؤولية الوضعية باختلاف التأثير بالقرب أو البعد عن مركز القرار. فبعد الفشل الذي لازال يلازم عدم الإعلان عن ميلاد حكومة، يمكن القول أن المغرب يعيش وضعية غير دستورية لا يمكن التحكم فيها لوجود فراغ قانوني.
 
ومن نوافل الحديث، الصور الجميلة التسويقية التي تنقلها لنا التلفزة العمومية المغربية، السيد عبد الإله ابن كيران يأخذ أمناء الأحزاب السياسية وكتابها العامون بالأحضان، والابتسامة ترتسم على محياه بالفرحة من حيث القول المسكوت عنه بالدلالة " ياكم طحنتكم في الانتخابات" ومن حيث الهرولة نحو ابن كيران وإعلان الطاعة، ومد اليد للتحالفات غير الناضجة.
 
سوف لا نستعمل الإشارة الرمزية بالأصبع لأي حزب من الأحزاب ، ولكننا نقف على واقع حال بؤس السياسة المغربية، نقف على أن روح أجندة السياسيين لا تتماشى والطموح الشعبي، نقف أن بين الهمز واللمز، والقبلات الرباعية والأخذ بالأحضان هي في حكم السواء عند كوادر المغرب من السياسيين الجدد. نقف أن المغرب يسير بسرعتين، سرعة صورة الملكية التي ترسي الفعل الديمقراطي الحديث بحكامة، وصورة سياسي المغرب الذين ألفوا اللعب تحت الطاولة " عطيني نعطيك ".
 
الآن، البلوكاج وصل حد التنكيت في أحاديث المواطنين، وصل إلى المواقع الاجتماعية ، وصل إلى البحث عن الرأي القانوني في حالة رفع الدستور الورقة الحمراء أمام فشل تشكيل الحكومة . لكن الطريف من القول ونحن نتتبع تعليقات المواطنين من حالة البلوكاج لمدة شهر ويزيد. نجد من بينها ما يضحك، وما يبكي من سوء بؤس الفكر السياسي للأحزاب المغربية . فمن بين التعاليق التي أثارت لدينا زوبعة من التفكير"المغرب بدون حكومة رسمية، الحمد لله الأمور غادية (هانية) والبلاد ماشية!"، " الحمد لله تهنينا من مهازل أسئلة البرلمان، والكلام الخاسر... !" ، " الحمد لله الخزينة المغربية ربحات (ربحت) شهر من أجرة الوزراء... ! ".
 
هي جمل من التعابير الشعبية البسيطة وهناك غيرها بالكثرة، ويمكن الحكم عليها بالسذاجة وقصر النظر الوطني والخارجي، لكن في دلالتها الرمزية تكمن فيها الإشارة القوية، فما القيمة النوعية للحكومة ( القادمة) على معيشة الشعب في ظل الحكرة والقهر؟، لما لا تؤمن بعض الأحزاب بالديمقراطية وتشتغل علانية وسرا على مسلك البلوكاج؟، لما الدستور أغفل الإجابة عن وضعية البلوكاج السياسي التي يعيش لحظتها المغرب؟، لما فقهاء القانون يستنجدون بالتجارب التي على مرمى عيوننا ويفتوننا في أمر تجاهله الدستوري ؟ ما هي الحدود الزمنية الباقية عند الوزير الأول المعين لينزع قميصه وينسحب من ملعب اللعب السياسي؟، هل عبد الاله ابن كيران هو حجرة زاوية البلوكاج؟، هل سيتم اللجوء إلى وجه آخر من حزب العدالة والتنمية لتكوين الحكومة (الجديدة)؟.
 
إنها الأسئلة التي تروج بيننا ونحن ننتظر ميلاد حكومة. حكومة نتوقع في ظل البلوكاج أنها ستنسخ لأكثر من مرتين بمتم ولايتها الدستورية. إنها الأسئلة التي وصلت إلى حد التهديد بالرجوع إلى الشعب في انتخابات ثانية مبكرة. لكن إذا ما قمنا باستفتاء رأي عموم الشعب ، فإننا نجد أن مطالب الشعب بسيطة، ولن تستطيع أية حكومة مهما كان لونها وانتماؤها من تبنيها بالتطبيق التام. شعب يطالب بالكرامة ويكره الحكرة والقهر، شعب يطالب بالعدالة الإجتماعية وتقليص فجوة الفروقات، شعب يطالب بالحرية الائتمانية (بمعنى الأمانة) في وضعية السلم الاجتماعي، و ضمن منظور الاستمرار في الإصلاحات الهيكلية، شعب يطالب بحلق رؤوس الفساد وتحقيق العدل ودولة الحق والقانون، شعب يطالب بتخليق الفعل الحزبي السياسي المغربي، شعب يطالب بإعادة هيكلة وإصلاح الفكر السياسي المغربي الداخلي. إنها موجهات مطالب الشعب الأساسية بلا تلوينات سياسية ولا إيديولوجية ، إنها الوضعية التي ستنهي كل بلوكاج أمام التنمية المغربية الشاملة.