محسن الأكرمين (مكناس)

طوال تلك السنوات التي مضت لم أعرف إلا خلطة ملونات الظلام. ظلام احتل مساحة ثلاثة أرباع من حياتي بتمامها ، وما تبقى فيها يحمل ندوبا آتية من حياة الظلمة. حين أتحدث عن الظلام فلا أجعل تعريفه مقابل النور، بل أحدده بانكسار الذات والروح.

لقد رأيت ما رأيت من متاعب حياة، وعلمت ما علمت من تجارب مريرة، كانت مرات عديدة بالظلمة السالبة. لكن حين عدت من حرب الظلام كانت العاصفة البحرية لازالت تتقوى بؤرتها التحتية، فيما الحيتان الكبيرة فقد لزمت الصمت والانزواء في ظلمة قعر البحر واتخاذه موطنا. حين عدت من حرب الظلام لم يكن حزني على الموت الفاضح للحياة بالنور. لم يكن غضبي من انهزام الذات، ولا من نور الحرب، لكن اشتد غضبي حين تقاسمنا جميعا الفرحة في الظلام، حين أصبح الظلام يخطط لأيام النور.

لا يمكن أخد قلبي و السطو عليه، لا يمكن أن يمسي قلبي ليله أقساطا ربوية بين حياة النور و استدامة الظلام. فالطبيعة البشرية جعلت من قلب الظلام سلاحا يشعل حربا كانت جاهلية بين داحس والغبراء ولما التتمة تكون بحكاية حرب البسوس. لكن في منام ظلامي، كان حلمي أنني سأعطي للعالم القاسي بظلمة الأجنحة السوداء ملكة تحمل أمل نور دفء شمس لم تنل خرقة بيضاء عند ولادتها الثانية.

صدمت من تهكم التعريفات وفلسفتها. ذاك كان حين أردت البحت عن تعريف للنور، وقفت نصف قوس منخفض للظلام و تيقنت من أن التعريف يوسع مساحة زاوية الظلام ويمسك بالنور تقليصا لدرجاته المنغلقة. لم أتحد سلطة التعريف حين وجدت أن النور مرحلة زمن ضيق تمر بين ظلمتين. لم أستوعب الأمر بضرورة المعرفة والتحليل، ولكن اعترفت للظلام بسطوته التامة على حياتنا، وجدت رزمة مسوغات للنور حين انزوى وتعب من آهات الليل و أغمض عيونه.

ملونات فزاعة الظلام ممكن أن تسطو علي وعليك، ممكن أن تأتي بالجمع والإفراد، ممكن أن تكون بصيغة المذكر والمؤنث، لكن الحقيقة التي لا نقدر عليها هي إحداث ثورة على ملونات الظلام  والعيش في النور بالإستدامة. فيما إشعال نور بصيص أمل ممكن أن يلف الحواجز بالاختصار الموضعي والزمني ، لكنه لا يقدر على خلق انفجار بركان نار النور.

تبددت رؤيتي للظلام بحزم مساحة حياة، تسرب كل ما تعلمته عن قيام علاقة قبلة الغسق بين الظلام والنور. لكني  وقفت على حسنات الظلام حين تعلمت التفكير في زمنه، حين تعلمت أن العقل يكون في حده الأقصى من التفكير في الظلام، حين تيقنت أن رؤية الظلام تخطط لحياة النور وتوصي خيرا به.

رزمة من الوصايا العشرة الآتية من النور كانت تؤنسني في عتمة الظلام بالتفكير والتداول المنطقي. كل متناقضات وضعتي ماانفكت تترك لي مساحة خلخلة تفكير حين كنت أفتح عيوني وأنا في الظلام، فما دور عيوننا والظلام يلفنا بالجمع ولا تفرد فيه....