أعدّت الملف : حنان النبلي
قلعة مكونة.. في هذه الرّقعة الجغرافية الحصينة تتوارى العديد من الأسرار بعضها مرتبط بـ"إمكون" (وهو الجنين الرّاقد في بطن أمه) ليرسم صورة منسية عن مدينة لا تكشف وجهها الحقيقي للزائر الذي يقف منبهرا أمام الصورة الفلكلورية التي طبعها بها الإعلام الرّسمي، متمثلة في مواسم الورد والفانتازيا وجولات السياحة، وهي لا تعدو كونها طقوسا مبهرِجة تزيّف حقائق كثيرة تخفي قناعا يرتبط جزء منه بذكريات المنفى في قلاع أشهر معتقل سري في المدينة "طمرَ" وراء أسواره حقائق تاريخية وألوانا من القهر والتعذيب لسجناء سنوات الجمر والرّصاص، والبعض الآخر تفضحه سحنات الساكنة والأيادي الخشنة للنساء والمزارعين، الذين تحولوا إلى حطب يمد معامل الورد بكميات كبيرة مقابل الفتات..
هذه الزراعة التي يعول عليها كادحون ينتظرون شهري أبريل وماي من أجل الاستفادة من مداخيل وردة دمشقية أدمت قلوبهم كما أناملهم، قطفوها بحبّ وتحملوا وخز شوكها، قبل أن تتحول إلى عطور تمنح السعادة لملايين الراغبين فيها عبر العالم، لكنهم، وسط ذلك، يجدون أنفسهم الحلقة الأضعفَ في سلسلة الاستفادة من عائدات هذا القطاع ويقفون مشدوهين أمام "لعب" كبار الوسطاء التجاريين والمهَرة في تزوير ماء الورد وإضافة مواد كيماوية إليه، أغرقت سوق القلعة بأزيد من 90 في المائة من المنتجات ذات الأصل الكيماوي، حسب تصريح مصدر مسؤول..
"صحيفة الناس" ورغبة منها في الوقوف على هذه الحقائق تفتح ملفّ مافيات الورود وتقتفي أثر سماسرة ووسطاء تجاريين اتخذوا من هذه المهنة مجالا للاحتكار والمُضارَبة وإنتاج مواد مقلدة ألصقت عليها قسرا شارة "قلعة مكونة" لإيهام المستهلك بأنه أمام منتوج " بيو" مائة في المائة.. فما هو واقع حال قطاع الورد في المنطقة؟ من هم أهمّ الفاعلين المتدخلين في قطاع الورود؟ وما هي كواليس تجارة ماء الورد؟ ومن هم السماسرة والوسطاء المستفيدون من هذه العملية؟ .
* في الطريق إلى القلعة
منعرجات خطيرة في "تيشكا"، شمس حارقة، قصبات تاريخية، وبنيات طينية تعود إلى آلاف السنين. مساحة جغرافية مزروعة وأخرى بنتف شجيرات.. وأنت تطأ أرضا تحمل في طياتها تاريخ مدينة بات اسمها مرتبطا بالورد ومشتقاته، بعد أن عشّشت ذكريات معتقل سري مازال صامدا هناك لسنوات، كنوع من ترويض العين والذاكرة على حلقات ماض أليم..
في هذه القلعة الحصينة، الواقعة جنوب شرقي البلاد، يعلن الورد انتمائه ويحضن بقوة مساحات مُسيَّجة لا يمكن أبدا تجاوز سحرها. هنا، وعلى بعد 90 كيلومترا شرق مدينة ورزازات، وضعت أحجار قلعة مكونة الأولى في العقد الثالث من القرن العشرين، لكنّ المدينة لم تتجاوز عتبة التطور إلا جزئيا..
سحر خاص ممزوج بالرّهبة يستشعره الزائر لهذه المدينة الصغيرة، التي تخترقها شوارع تعجّ بالحركة والضوضاء. أجواق من الأصوات كشعلة من نار يرتفع لهيبها عاليا، وعلى طرفي الطريق انتصبت خيام "التبوريدة" وملصقات مهرجان يعود تاريخه إلى سنة 1962، حيث تُوجت أول أمازيغية تتحدّر من قرية "تغرماتين"، على ضفاف وادي "أمكون"، بلقب ملكة جمال الورود..
تبدو جوهرة الجنوب الشرقي للزائر العادي مزهوة بوردها وريحانها وهي تحتفي بموسمها، بعد أن تحولت إلى قبلة لكل السّياح واكتظت الأروقة والمحلات التجارية بالزبناء الراغبين في اقتناء ماء الورد وزيته وكل مشتقاته، دون أن يدور في خلدهم - ولو على سبيل المزحة - أنّ ما يقارب تسعين في المائة من ماء الورد الذي يُنتَج ويروّج في قلعة مكونة هو مجرد مواد صناعية ذات أصل كيماوي! .
* مجزرة "الورد" في الجنوب الشرقي .
أجود الورود تاريخيا وأحسنها جودة هنا"، مميزات لم تقِ الوردة الدمشقية في جوهرة الجنوب الشرقي من الاستغلال المفرط، حيث يتعرّض هذا النوع من الورد، الذي يشغل مساحة تناهز 3 آلاف و250 مترا خطيا، بمعدل 1000 هكتار ضمن المساحة الإجمالية للمنطقة، لأشكال مختلفة من الاستغلال، بدءا بالعمل المضني في الحقول والاستيقاظ المبكر، ومرورا بتثمين الورد وبيعه بسعر بخس للمعامل ووحدات التقطير، وانتهاء بالاحتكار الذي يمارسه بعض المنتجين والمعامل المعروفة بإنتاج هذه المادة.
في منطقة قلعة مكونة، وتزامنا مع انطلاق مهرجان الورود، حيث تخرج المدينة عن هدوئها المعتاد إلى حركة ورواج تجاري غير عادي، يعيش سكانها، وخاصة الفلاحون والمزارعون الصغار والمتوسطون ممن اتخذوا من زراعة الورد عملا لهم، على وقع مفارقة عنوانها الأبرز الاستغلال البشع الذي يتعرّضون له من قبَل مالكي وسائل إنتاج "منتوجات الورد" المتنوعة، فالمُزارع في هذه المنطقة هو ضحية علاقات اقتصادية، عمودها الفقري استغلاله وتبخيس منتوجه وحرمانه من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية.. فرغم من انتشار الورود على طول 55 كيلومترا على امتداد واد دادس، و23 كيلومترا على امتداد "أسيف أمكون"، فإن العاملين في هذا القطاع مازالوا يشتكون من الوضع المتردّي الذي يعيشونه، والذي زاد في تأزيمه غزوُ المواد ذات الأصل الكيماوي لسوق القلعة والإقبال المتزايد عليها. ولعلّ هذا يجد ما يعضده في كون الإنتاج السنوي للورد في قلعة مكونة عرف تراجعا كبيرا، إذ تفيد معطيات حصلت عليها "صحيفة الناس" أن الإنتاج انخفض منذ سنة 1990 من 2050 طنا سنويا إلى 1628 طنا. كما أن المساحات المزروعة انتقلت من 4 آلاف و100 هكتار إلى 3 آلاف و250 هكتارا خلال ما يزيد على 23 سنة، ما يهدد هذا المنتوج الأصيل..
في هذا الصدد، يعترف جلال شرف، رئيس الفدرالية البيمهنية لمنتجي الورود بقلعة مكونة، أن ما يقارب 90 في المائة من ماء الورد الذي يُنتَج ويُروج في المدينة هو مجرّد مواد صناعية ذات أصل كيماوي..
واستدل شرف بكون الموسم الحالي عرف انخفاضا كبيرا في حجم الإنتاج، الذي لم يتجاوز 1625 طنا. في مقابل ذلك لم ترتفع أثمنة قنينات ماء الورد، ما يكشف، بشكل ملموس، انتشار استعمال "روح الورد" ذي الأصل الصناعي.. وشدد المصدر ذاته، الذي كان يتحدث خلال ندوة صحافية على هامش فعاليات الدورة الـ52 لمهرجان الورود في قلعة مكونة، على أنه ينبغي محاربة ظاهرة التقليد من أجل حماية المنتوج المحلي وإعادة ثقة المستهلك في هذه الوردة، من أجل تنمية المنطقة.
في المقابل، أكد محمد لبيب، مدير مكتب الدراسات بأكادير، في تصريح لـ"صحيفة الناس"، أنه منعاً لأي محاولة غش أو تزوير في منتجات ماء الورد الأصيل، جرى تقديم مشروع دفتر تحمّلات من أجل الحصول على شارة المنشأ الخاصة بماء الورد في قلعة مكونة، والتي يراهن فيها الفاعلون في هذا المجال على إعادة الاعتبار لماء الورد ذي الشهرة العالمية. ويتضمّن هذا المشروع مجموعة من الإجراءات والتدابير من أجل مراقبة إنتاج ماء الورد في قلعة مكونة، بدءا من الإنتاج إلى آخر مرحلة من مراحل الإنتاج، واشترط احترام التعاونيات والوحدات الصناعية لشروط دفتر التحمّلات، ما يخول لها الحصول على شارة المنشأ، التي اختير اسم "ماء الورد قلعة مكونة" كاسم لها. ولا يمكن لأي منتوج أن يحمل هذا الاسم إلا بعد أن يكون قد استوفى كافة الشّروط الواردة في دفتر التحملات، وبالتالي فإنه ستجري مصادرة كافة المنتوجات التي لا تحترم هذه المعايير، من أجل حماية المستهلك وحفاظا على سمعة هذا المنتوج.
من جهته، حمّل "محمد"، وهو فلاح أفنى عمره في زراعة الورد، المسؤولية المباشرة لوزارة الفلاحة والصيد البحري وكذا للفدرالية البيهمنة المكلفة بالقطاع، التي يجب أن تطلع بتقنين هذا القطاع ومنح تراخيص لممارسيه، بدل جعله مفتوحا أمام "مافيات الورد"، التي أغرقت سوق القلعة.. وتساءل هذا الفلاح: "كيف يعقل أن مهرجانا بهذا الحجم، وبمجرّد تدشين وزير الفلاحة لأروقته، يَغرق بمنتجات الورد الكيماوية والمزورة دون أن يكون هناك من يردع هؤلاء الذين يقومون بهذا ويساهمون في تراجع الإقبال على منتوج الورد الأصلي ويضرّون في الوقت نفسه بالمستهلك، الذي يفقد الثقة في المنتوجات المحلية؟"..
فكيف تجري عملية تزوير ماء الورد؟ وهل يخضع الزيت ومعجون الورد أيضا للتزوير؟ وما هي المواد الذي تدخل في هذه العملية؟ وكيف يميّز المستهلك بين ماء الورد الأصيل من الكيماوي؟.
* الورد وشوكه..
قبل الحديث عن التزوير والغشّ اللذين يطالان ماء الورد لا يمكن إغفال عملية قطف الأزهار وجنيها، حتى موعد عملية التقطير، إذ يجري قطف الأزهار أو البراعم في طور التفتح من طرف النساء والأطفال، وتوضع في أكياس تكون معلقة على أجسادهم. ويمكن لشخص واحد أن يقطف ما بين 10 إلى 15 كيلوغراما من الورد الطري يوميا. وتصاحب عمليةَ الجني هذه صعوبات، بسبب وجود أشواك كثيفة تسبب للعامل جروحا في يديه وساعدَيه، خاصة للنساء، اللواتي لا يمكن أن تخطئ العين أناملهن المتورّمة والخشنة..
وتمارس العملية نفسُها في بعض البلدان المنافِسة في القطاع، كما هو الحال في بلغاريا وتركيا، فموسم الجني يكون في الفترة ذاتها، من أواخر شهر ماي حتى منتصف يوليوز في بعض الدول، وذلك راجع إلى عامل التشميس ووضعية المزارع، وهذا ما يفسر المنافسة القوية بين المغرب وبلغاريا وتركيا، لأن فترة التسويق تكون في الفترة نفسها تقريبا.
وتصاحب عمليةَ الجني تأثيرات مباشرة في المردودية والجودة، إذ يُستحسن قطف الورود المستهدَفة للتحويل في الصباح الباكر وفي سلة ونشرها في الظلّ، قبل إرسالها إلى المصنع في دادس.
لكنّ أغلب الفلاحين يبدؤون العملية متأخّرين، ما يجعلهم يعوضون هذا التأخير بالبقاء في المزارع إلى الفترات التي تبلغ فيها الحرارة ذروتها، ولهذا تأثير على الجودة.. وللأسف، يُجمَع المحصول في أكياس بلاستيكية، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارتها، وبالتالي تبخّر جزء مهم منها. فحسب مسؤولي الوحدات المُحوِّلة يقدر العدد المفقود من الزيت العطري بحوالي 56.33 في المائة.
في مشهد موسمي تشق رقية طريقها إلى حقلها، وهي تتأبط بعض الشّجيرات، مجسدةً الخطوة الأولى من مراحل جني الورد، التي طالما أخذتها عن السابقين وتوارثتها الأجيال.. تقول رقية: "مع حلول شهر مارس من كل عام تبدأ أزهار الورد في التفتح، ويكون موعد قطف الأزهار مع بداية شهر أبريل، وهي العملية التي تكون منذ الصباح الباكر، أي منذ علامات الفجر الأولى، وقبل أن تظهر أشعة الشّمس، حيث إن في ذلك حكمة تقوم على أساس أن الندى العالق بأزهار الورد يجعلها متماسكة ويمكن قطفها بسهولة، أما إذا تعرّضت لأشعة الشّمس فإنها تتفتت ويصعب جمعها، وبالتالي فإن عملية جني المحصول لا بد أن تكون عند بداية الفجر وقبل طلوع الشمس".
* تقطير وتزوير ماء الورد
عملية أساسية عبرها يتم الحصول على جوهر ماء الورد وزيته، الذي يتم التلاعب به وإضافة نكهات ومواد كيماوية تُغرق السوق بمنتجات لها تأثير كبير على صحة المستهلك، ويتعلق الأمر بعملية التقطير، التي يعود تاريخها إلى عصور قديمة، وخاصة إلى العصر الهيليني الإغريقي. وقد ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت أن أول زيت أساسي جرى استخراجه من النباتات العطرية هو زيت "تربنتينا".
والتقطير هو عملية عزل مركبات سائل مختلط، ويُستعمل الماء والبخار في التقطير، إلا أن طرق تصنيع وتقطير الورود تختلف باختلاف المواد المراد استخلاصها، حيث ينتج المعملان المتواجدان في قلعة مكونة، حسب ما توصلت إليه "صحيفة الناس"، ثلاث مواد هي الزيت المكثف، وجوهر الورد، وماء الورد.
هناك عدة خطوات تتّبَع في هذه العملية شرحها مسؤول في وحدة لتقطير الورود في قلعة مكونة كالتالي: "تبدأ بملء الإنبيق، (ج أَنابِيقُ) هو جهاز لتقطير السوائل وتصل طاقتها الاستيعابية ما بين 1200 إلى 1500 لتر، يشحن الإناء بـ150 إلى 300 كيلوغراما من الورود المقطوفة فجرا، مغطاة بإحكام بحوالي 1200 لتر من الماء الخاصّ، ويخرج منه أنبوب يُربط بآخر، وينحني للأسفل، ليمر بحوض مياه باردة بغرض التكثيف.. بعدها، توقـَد النار تحت القِدر، وبفعل الحرارة وكثافة البخار تتم العملية، وينساب من خلال الأنبوب داخل حوض الماء المبرد ومن ثمة تتكثف وتعطينا ماء الورد وجوهر الورد وزيت الورد.. عند امتلاء القارورة يطفو الزّيت في عنقها ويتم سحبه، وبالتالي عزل كل من جوهر الورد وماء الورد"..
وأضاف المتحدّث ذاته "في شهري أبريل وماي من كل عام تنتشر الروائح العطرية الزكية في كل المنطقة، بينما تشهد وحدات التقطير صناعة محلية تشتهر بها المنطقة، والتي تتمثل في تقطير ماء الورد باستخدام طرق تقليدية وحديثة، وفق جهد المزارع في هذا المجال وقدرته على الوفاء بمتطلبات الصناعة المحلية من ماء الورد".
هذه المنتوجات المقطرة منها ما تسوق بأثمنة تحترم معايير الجودة، ومنها من تخلص بعطور ونكهات ذات طبيعية كيمائية، إذ إن ثمن ماء الورد الأصيل يتراوح بين 100 إلى 120 درهما للتر الواحد، مقابل 20 إلى 30 درهما للورد الذي يُمزَج بمواد كيماوية.
وفي هذا الصدد قال محمد، وهو فلاح صغير قرّر عرض منتوجاته ضمن مهرجان قلعة مكونة في دورته الـ52، قبل أن يصطدم بالمنتوجات المغشوشة تغزوه " كيبعو الورد مزور ويلصقو عليه تيكتة القلعة..الجودة موجودة، لكنّ الإقبال عليها ضعيف من طرف المستهلك مقارنة مع قنينات ماء ورد معظمها مغشوش وممزوج بمواد كيماوية خطيرة".
يقبض محمد على قنينة زجاجية مملوءة بماء الورد كالقابض على الجمر، ويقول بنبرة تذمّر تكاد لا تفارقه "ضعي أنفك أعلى القارورة لتتعرّفي على ماء الورد الأصيل من المزور، أتلاحظين رائحته: ليست نفاذة، لكنها قادرة على الصمود طويلا، وحتى إذا ما تذوقت طعمه تجدينه حلوا، عكس المنتوج المقلد والكيمائي، الذي يمكن معرفته بطعمه الحارّ ورائحته النفاذة التي توهم المستهلك بأنه ماء ورد طبيعي، وكذا بثمنه المنخفض والرائحة النتنة التي يصبح عليها قبل أن يتجاوز 15 يوما"..
تطرق محمد، أيضا، لقضية الرّمل، الذي يضاف إلى الورد ليعطي وزنا إضافيا : "كيزيدو الرّملة في الورد باش يثقلوه في الميزان".. نظرا إلى أنّ كيلوغراما واحدا من الورد الطري يمنح بالكاد لترا خالصا من ماء الورد، في حين أن أربعة أطنان من الورد الطري تمنحنا لترا واحدا من زيت الورد".
ولم يخف هذا الفلاح رغبته في إخضاع كل الشّركات لمراقبة دقيقة ومستمرّة، كما أن على لجن محاربة الغشّ أن تُخضع المحلات الخاصة ببيع مثل هذه المنتوجات للتفتيش والفحص حماية للمستهلك، ولوضع حد للمتلاعبين، الذين لا يهمّهم سوى الربح المادي.
من جانبه، نفى عبد العزيز الحضري، وهو عارض من مدينة مكناس، أن تكون بين منتجاته المستخلصة من الورد مواد كيماوية أو منتهية الصّلاحية موضحا أن "السماسرة موجودون ويزورن الورد عبر جلب نكهاته من مناطق أخرى، مثل الريش والدار البيضاء وخريبكة، ويخلطونه بمكونات صناعية. وأكد الحضري أنه يجب الضّرب بيد من حديد على كل من ثبت أنه يسوّق هذا النوع من المنتجات، ولِمَ لا أداء غرامة مالية لتفادي العودة إلى تسويق منتجات تضرّ المستهلك وتفتح باب المضاربة أمام بعض المنتجين لغزو الأسواق بمنتجات مقلدة ولا تحترم معايير الجودة.
في قلعة مكونة يبلغ مختلف محولي قطاع الورد 12 وحدة، وحدتان عصريتان والعشر المتبقية تقليدية. والوحدتان العصريتان هما "Les aromes du maroc" وتوجد في مركز مدينة قلعة مكونة، وقد أنشئت سنة 1938 من طرف المعمّر الفرنسي من أجل استغلال منتوج الورد بتحويله. يشتغل هذا المعمل شهرا واحدا في السنة، ما بين شهر أبريل وماي، وهي شركة تصنف ضمن الشركات المعروفة في مجال الورد .
الوحدة الثانية هي "Bioland"، وتقع على بعد 8 كيلومترات من مركز قلعة مكونة، في دوار "أمدناغ" ولها -كذلك- فرع في مدينة الخميسات، وقد أنشِئت من طرف تقنيين تابعين لمدينة غراس الفرنسية، وقد بدأت استغلالها للورود في المنطقة منذ سنة 1949، وهي شركة مرتبطة بشركة أمريكية هي فرع من فروع شركة "غراس"، التي تملك معملا للتقطير في الدار البيضاء. وتجد هذه الشركة سندا قويا ودعما كبيرا لها من قبَل معامل "غراس"، التي تبعث إلى دادس في فترة إنتاج الورود مهندسين مختصّين في الكيمياء للسهر على استخراج مستخلصات الورود، وفي الوقت نفسه يرسل معمل الدار البيضاء مهندسين وتقنيين لمراقبة فترات الإنتاج داخل المعمل في قلعة مكونة، فالوحدة لا تكتفي بالورد، بل تقوم، كذلك، بتحويل الأعشاب الطبية.
لكنْ في الآونة الأخيرة، لم يعد تقطير الورود يقتصر فقط على هاتين الوحدتين، بعد استثمار أبناء المنطقة في هذا المجال، فظهرت عدة وحدات ثانوية لتقطير الورود، ونذكر منها الوحدتين المحدَثتين في إطار صندوق تنمية وتثمين الموارد الترابية، والممولة من طرف المجلس الجهوي لسوس ماسة درعه، وهما التعاونية الفلاحية لإنتاج وتقطير الورد الطبيعي "إسافن" وشركة "أول روز" .
* شركات تحتكر سوق الورد
مشكلة التزوير واستخدام علامة "ورد قلعة مكونة" لإيهام المستهلك أنه أمام منتوجِ ورد أصيل ليست المشكلة الوحيدة التي تقف وراء تقهقر التسويق وضعف الإنتاج والأسعار كذلك، تؤكد فعاليات المجتمع المدني في المنطقة، إذ إن بعض شركات المنطقة لا تحترم معايير الجودة، بل تزور المنتوج باستعمالها موادّ كيماوية، كما هو الشأن بالنسبة لماء الورد، الذي يُكتب على علبته أنه "صالح لمعالجة أمراض العينين"، مع العلم أنّ ما بداخل هذه العلب هو ماء ممزوج بمواد مصنعة قد تكون لها تأثيرات خطيرة على العين.. بل إنّ بعض هذه الشّركات تنتج موادها في مدن أخرى وتضع عليها علامة أنها منتوج الورد في قلعة مكونة..
وإذا استثنينا المعملين الكبيرين، اللذين يُخضعان موادهما لتحاليل ويعتمدان على منتوجات الورود الطبيعية، فإن الشركات الأخرى، والتي تتخذ من دكاكين ودور مقراتٍ لها لا تخضع لأي مراقبة، وبالتالي تركز أساسا على المواد الكيماوية المُستورَدة وتحاول إثارة الزبائن من خلال جمالية التلفيف لتوهمهم بأنهم يشترون منتوجا مستخلصا من الورد الطبيعي.
وفي هذا الصدد، استنكر صاحب شركة لإنتاج المواد المستخلصة من الورد عدم إخضاع هذه الشركات للمراقبة وترك فتح الباب مفتوحاً أمام "كلّ من هب ودبّ" يتطفل على هذا الميدان، "الذي أضحى الحصول فيه على رخصة تأسيس شركة لإنتاج مستخلصات الورود أيسر من الحصول على رخصة سياقة"..
في حين يذهب "علي"، وهو عامل في إحدى وحدات التقطير إلى الحديث عن الاحتكار الذي تمارسه كل من شركتي "كاب فلورال" و"بيولند ماروك" في إنتاج وتقطير الورود منذ مدة طويلة، ما أتاح في نظره الفرصة لهاتين الوحدتين لفرض شروطهما والثمن الذي تريانه مناسبا لهما على حساب الفلاحين الفقراء، حيث إن ثمن الورود الطرية لا يخضع لقانون العرض والطلب، بل يجري الاتفاق عليه في اجتماع يُفرَض فيه في الغالب الثمن الذي يقترحه أرباب المعامل. يقول علي "تحدَّد أثمنة الورود الطرية في المنطقة في شهر أبريل من كل سنة بطريقة مخالفة لطريقة العرض والطلب، الذي يتحكم في تحديد أثمنة البضائع المختلفة في الأسواق المحلية والعالمية، حيث يجري عقد اجتماع يحضره كل من ممثلي الشّركتين، ممثل من كل جماعة، إضافة إلى المنتخبين وممثلي السكان وبعض الفلاحين المدعوين، وفي الغالب يُفرَض عليهم الثمن الذي تراه الشركتان مناسبا لهما، ما يشكل إجحافا واستغلالا كبيرا للفلاحين وجني أرباح على حساب عرق جبينهم".
إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأت هذه الوضعية تعرف نوعا من التحسّن، خصوصا بعد استثمار بعض الخواصّ في تقطير الورود.. وبالنظر إلى ما لهذا المنتوج من أهمية، فقد قامت الشركتان بتصنيع مجموعة من المنتجات الموجهة للتصدير الخارجي، فإنتاج الورد يكتسي أهمية بالغة في المنطقة، نظرا إلى ارتباطه بمجموعة من الأنشطة، مثل التجارة والسياحة.. إلا أنه، للأسف الشديد، يقول يوسف باعسين، الباحث في الموارد الترابية -قطاع الورد العطري، إن مجموعة من المشاكل تقف في وجه التعريف بالمنتوج والدفع به قدُماً، منها ما هو بيئي، راجع إلى الظروف المناخية السائدة في المنطقة، من قبيل الجفاف أو الصقيع، ومنها ما هو راجع إلى مشكل التنظيم، خاصة مهرجان الورود، الذي تعمّه الفوضى والارتجالية، والميزانية التي تذهب هباء دون تحقيق الأهداف المرجوة من المهرجان.. كما أن لاستمرار النظام الزّراعي التقليدي انعكاسات سلبية على مستوى المردود، سواء من الناحية الكمية أو النوعية، تستوجب تغير الممارسة التقليدية، التي هي السبب في المردودية الضّعيفة، كمّا ونوعا، وبالتالي من الضروري إعطاء الاهتمام لهذا الكنز الطبيعي من خلال تحديث مساره من الغرس إلى المرحلة الأخيرة للجني.
* "الجريحة" وقلة التساقطات خطر يهدد المنتوج
لا يخضع إنتاج الورود في المنطقة للاستقرار، بل إن السمة الغالبة عليه هي التذبذب في الكميات المنتجة من سنة إلى أخرى، وذلك راجع بالخصوص إلى أسباب طبيعية تتمثل في الجفاف، حيث تعرف المنطقة توالي سنوات رطبة وأخرى جافة، إضافة إلى الصقيع، الذي يشكل أكبر خطر يهدد المنتوج. ويختلف الإنتاج من منطقة إلى أخرى نظرا إلى تباين الظروف المناخية. وقد أولى فلاحو المنطقة أهمية كبيرة لزراعة الورود منذ بداية ثلاثينيات القرن الماضي نظرا إلى إنشاء وحدتين للتقطير من قبَل المستعمر، ما أكسب هذا المنتوج أهمية اقتصادية وجعله مورد رزق بالنسبة لمزارعي المنطقة، فتوسعت بذلك المساحة المزروعة، ما أثر إيجابا على الإنتاج.. إلا أن الوضع تغير نظرا إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة، والتي تنعكس على المشهد الزراعي.
فحجم الإنتاج في الموسم الحالي عرف انخفاضا كبيرا لم يتجاوز 1625 طنا، وما بين عامي 2000 و2007 عرف الإنتاج ضغطا، وهذا راجع إلى فترة الصقيع، التي أثرت سلبا على الإنتاج، إذ بلغ 564 طنا في 2000 و697 طنا في 2007، بينما سُجّل أعلى إنتاج خلال سنة 1991 بحوالي 4 آلاف و100 طن وسنة 2008 بحوالي 3 آلاف و900 طن. كما أن الطرق المُستعمَلة لزراعة الورد وكذا سعره يؤثران في الإنتاج، سواء الورد الطري أو المجفف، الذي يوزع في الأسواق المحلية والوطنية ويُستعمل بالأساس في استخراج الزّيوت الأساسية.
* المزارعون حطب يحترق
المغرب واحد من أهمّ منتجي زيت الورد عالميا، بعد بلغاريا وتركيا. وقد أنتج ما بين سنتي 1995 و2000 حوالي 8 أطنان من زيت الورد، كما أنتج شتائل ورد بقيمة 1.5 مليون درهم. وقدِّر إنتاج عطر الورد في عام 2003 بـ3.06 طن مقابل 1.840 طن سنة 2002، ما يشكل زيادة بفضل الظروف المناخية المواتية.
وبدوره، لا يفلت زيت الورد من التزوير والتقليد، إذ أن يجري خلطه بمكونات عطريه وملؤه في عبوات جذابة ووضع علامة "زيت الورد قلعة مكونة" عليها لإيقاع المستهلك في شرك منتوج ملغوم.. لكنْ، وحسب شهادات الكثير من الفلاحين، فإن زيت الورد لا يخضع للتزوير بالحدة ذاتها التي يخضع له ماء الورد، نظرا إلى ندرة هذا الأخير، إذ إن 4 أطنان من الورد تعطينا لترا واحداً فقط من زيت الورد. كما أن الإنتاج العالمي منه يبلغ حوالي 20 طنا سنويا فقط. وتتربع تركيا على التصنيف العالمي لمنتجي هذه المادة.
ولهذا الإنتاج الهام للزيت قيمة مضافة عالية، ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من زيت الورد 40 ألف دولار في السوق الدولية.. ومن الدول المستوردة الرئيسية لها نجد الدول الغربية للاتحاد الأوربي، وعلى رأسها فرنسا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وسويسرا وكندا.
كما أن ثلث الإنتاج يثمن في القلعة عن طرق التصنيع من طرف المصانع الموجودة في المنطقة، والتي تستخرج الزّيت الأساسية ومجمل المواد الموجهة إلى التجميل وللأغراض الصحية، والمسوقة في الأسواق الدولية، وبقية الإنتاج حوالي 70 في المائة يثمن على شكل ورد مجفف ويسوق في الأسواق المحلية والوطنية. فالورود المنتجة إما تسلم طرية لوحدات الإنتاج المحلية (20 إلى 30 في المائة) أو تجفف وتباع في الأسواق المحلية (70 إلى 80 في المائة) عن طريق التجار الذين يبيعونها لاحقا في المدن الكبرى، بما في ذلك مراكش والدار البيضاء وفاس. وشهد تسويق الورود العطرية سنة 2014 تحسنا ملحوظا، حيث ارتفع إلى 25 درهما للكيلوغرام الواحد، مقارنة مع السنة الماضية، التي كان فيها الكيلوغرام الواحد من الورد يساوي 13 درهما. في السنة الجارية حُدّد سعر الكيلوغرام من الورد في تسعة دراهم، وهو مبلغ يبقى غيرَ كاف، حسب شهادات عدد من قاطني القلعة بالنظر إلى المجهود الذي يُبذل من أجله، والذي يُحوّل الفلاحين إلى مجرد يد عاملة يسيل عرق جبينها ليتحول إلى أرباح يجنيها التجار الكبار وأصحاب المصانع، الذين يحولون الورد إلى منتجات أولية يجري تصدير جزء كبير منها إلى الخارج، لاستعمالها من قبَل الشركات العالمية المتخصصة في إنتاج العطور، في حين يحصل الفلاحون على دراهم معدودة يستعينون بها على أداء الديون التي تراكمت عليهم طيلة السنة..
وأكد أحد شباب المنطقة أن الفلاح الصغير والمزارع متضرّران، رغم أنهما يفهمان جدا قواعد اللعبة والطريقة التي يجري بها فرض أثمنة الورود وطريقة التعامل مع أيّ زيادة عشوائية يدفع ثمنها مزارعون شبّههم أحد الفلاحين بـ"الحطب الذي يحترق" من أجل إمداد المصانع الموجودة في قلعة مكونة بما تحتاجه من ورود تخفي تحت رائحتها ولونها الزهري مرض الحساسية، الذي يهدد عددا من المزارعين وقاطفي الورد.
وتقدر مصالح المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي في ورزارات حجم الإنتاج السنوي من الورود العطرية بحوالي 3 آلاف طن، تصل قيمتها المالية حوالي 30 مليون درهم، مع العلم أن مجموع إنتاج الوحدتين يوجه نحو التصدير. وتحتلّ الورود العطرية مكانة مرموقة على الصعيد العالمي، حيث يصنف المغرب في المرتبة الثانية بعد بلغاريا من حيث كمية الإنتاج، بينما يصنف الدهن المستخلص من قلعة مكونة في الرتبة الثالثة وراء فرنسا وتركيا.
* سيطرة فرنسا وضعف التسويق
تعاني منتوجات الورد من منافسة مناطق أخرى تسيطر على السوق العالمية للنباتات العطرية، سيطرة تكاد تكون مطلقة، مثل منطقة غراس الفرنسية، حيث تتوفر على خبرة ومعرفة كافيتين في ما يتعلق بمكانيزمات السوق العطرية، إضافة إلى معرفتها ودراستها للأسواق، ولكون هذه المنطقة تعتبر نفسها مهد وعاصمة العطور العالمية، بل المعطرة العالمية. وتتوفر غراس على المواد الأولية "الورود" لتصنيعها محليا، كما تشتري النباتات العطرية من مناطق مختلفة من العالم لهذا الغرض. ولكل دولة منتجة لمواد العطرية ممثلٌ في منطقة غراس قصد ضمان تصريف إنتاجها في أحسن الظروف، كما تدعم غراس المعامل التي تنتج الورود في كل من إيطاليا وبلغاريا والمغرب..
في ما يخصّ تسويق الورد في هيئته الطرية، فإن أغلب الإنتاج يتشتريه الوحدات المحلية، بينما يجري تجفيف الباقي لبيعه في الأسواق المحلية. ومن خلال تزويد الأسواق الوطنية الكبرى، أهمها مراكش، فاس، الدار البيضاء وأكادير. ففي سنتي 2002 و2003 ارتفع معدل الورد المجفف، وهذا راجع إلى الثمن المرتفع للورد الجاف، حيث وصل ثمنه إلى 125 إلى 150 درهما للكيلوغرام الواحد.
فالوحدات الإنتاجية العصرية تصدر إجمالي إنتاجها إلى الأسواق الخارجية (97 في المائة) بينما توجه الوحدات التقليدية وشبه التقليدية الإنتاج إلى الأسواق المحلية والوطنية بمعدل 98 في المائة، بينما توجّه نسبة 2 في المائة فقط إلى الأسواق الفرنسية بالأساس. ويعاب على هذا النظام في التسويق أن المستفيد الأساس منه هم الوسطاء التجاريون الذين ينشطون خلال موسم الإنتاج ..
لكنْ تظلّ زراعة الورد العطري تعاني من انعدام التنظيم، فالورد ما زال يُزرَع كسياج للمشارات الزراعية وفي حدودها وفي هوامش السواقي وفي الحدائق والمنازل، وفي بعض الأحيان يُزرَع مع المحاصيل الأخرى، وهذا ما يحُول دون استفادته من الرعاية التقنية من سقي وتسميد وتقليم وصيانة، وهذه العمليات تتسم بضعفها أو انعدامها، ما يؤدي إلى التأثير السّلبي المباشر على الإنتاج، كمّاً ونوعا. أما طرق الثتمين في دادس فيغلب عليها الطابع التقليدي.
ويستوجب هذا الوضع الذي تشهده زراعة الورد في المنطقة تدخلا لتثمينه وتطويره من أجل خلق دينامية اقتصادية محلية من خلال تحسين الممارسات الزراعية والجني وما بعد الجني من أجل تحقيق تحسن في الإنتاج، كميا ونوعيا، وكذلك تحديد الأنواع والأصناف المحلية المرتبطة بالوردة الدمشقية، وضرورة إيجاد حلول لتنظيم القطاع وتعزيز الإشراف التقني للفلاح، من تأطير وتوعية بأهمية القطاع، فهما شرطان أساسيان لتطوير القطاع في دادس، فقبل اتخاذ أي إجراء يهمّ تنمية القطاع من الضروري إجراء تشخيص للحالة الراهنة من أجل تحديد مواطن القوة والضّعف.
* ماء الورد.. استعمالات تتسم بالتنوع
يستعمل ماء الورد كمعطر ومرطب للبشرة، خاصة الجلد الجاف والحساس. وبصفة عامة يستعمل في التزيين، فهو يحظى لدى مستعملي مواد التجميل بشعبية كبيرة، إذ تستعمل استعمالات داخلية وخارجية، فهو مضادّ لتجاعيد الوجه، وفي علاج الحمى ونوبات الإسهال وصداع الرّأس وضربات الشمس (بوضع كمادات على الرأس والجبين) والتهابات الأذن. كما أن لماء الورد حضورا في المطبخ، فهو يستعمل لتحضير بعض الحلويات..
في بعض البلدان، مثل تركيا، يستعمل ماء الورد لصناعة بعض الأدوية الغنية بخصائص مضادّة لألم الأسنان والعيون واضطرابات المعدة والأمعاء، وفي المنطقة يُستعمل ماء الورد غالبا للعيون وآلام المعدة.
* زيت ومعجون الورد.. استعمالات ذات منفعة طبية
مزايا الوردة الدمشقية معروفة منذ القدم ضمن عدة استعمالات، فهي تعالج مجموعة من الأمراض. وعلاوة على ذلك فزيت الوردة الدمشقية يساهم في دورة الأوعية الدموية الصغيرة، وبالتالي في تقليص شيخوخة الجلد وتساعد على استعادة الجسم لتوازنه.
* الورد المجفف.. دور فعال في الميدان الطبي
في المغرب يستعمل الورد المجفف كذلك لأغراض طبية، ولعلاج مجموعة من الأمراض والآلام بطرق مختلفة، كأن يُخلط الورد مع بعض النباتات العطرية المجففة هي الأخرى، مثل الحناء والخزامى. كما أن النساء في المناطق الريفية يستعملن الورد المجفف لإعداد ديكورات منزلية.
* استخراج المعجون ومحلول الورد
بدأت هذه العمليات في بداية القرن التاسع عشر بطرق متطورة نوعا ما، إذ جرى استعمال المذيبات عوض بخار الماء، والتي لا تعطي نتائج جيدة مع أصناف معينة من الورد، مثل الوردة النرجس. من بين هذه المذيبات الأكثر استعمالا "الهكسان"، ولديه قوة هائلة في التحلل. وهذه المذيبات تحلل المركبات العطرية، وكذا بعض الأجزاء الشمعية بسهولة، يجري إدخال المادة الخام (الورد) إلى المحول، وخلال هذه المرحلة يجري غسل المادة بطريقة متناوبة مع مذيب مناسب، بعد مرورها من خزان الترسيب ثم إلى المحور، وتليها عملية التقطير الجزئي. وللحصول على المعجون ومحلول الورد هناك مرحلتان أساسيتان :
تركيز المادة الأولية في المبخار تحت ضغط يصل إلى 60 درجة مئوية كحد أقصى، لتفادي تغير على مستوى التركيب. وفي المرحلة الموالية يتم خفض الضّغط حسب الكمية الموجودة في المبخار (50 إلى 100 لتر).
هـو ذاك حــال مدينة لازالت تئن تحت وطأة الفقر والهدر المدرسي وانعدام البنيات التحتية وما يزيد الطين بلة انتشار سماسرة ووسطاء تجاريين اتخذوا من الورد تجارة تدر عليهم أرباحا طائلة وأحكموا قبضتهم على أعناق كادحين صبروا على ألم أشواك الورد من أجل بعض الفتات...كادحون يبقى كل أملهم أن تتحرك الجهات المعنية لوضع حد للفوضى التي يعاني منها هذا القطاع..
* أول معمل لتقطير الورود في قلعة مكونة 1938
زراعة الورد العطري في المغرب هي من أقدم الزراعات، وليست وليدة زمن قريب، رغم أنّ الأنواع والأصناف المغربية غير محددة بوضوح، فالإجماع من الناحية الأدبية على أنّ الوردة المغربية تنتمي إلى الصنف الدمشقي الذي يجد المكان الملائم لنموه والوحيد على الصعيد الوطني، هو قلعة مكونة، بواحتيها "دادس" و"مكون"، إذ تتميز هذه المنطقة بمناخ بارد شتاء وحارّ صيفا، وتربة طميية عميقة بدرجة حموضة متوسطة وفقيرة نسبيا من المواد العضوية.. هذه الظروف البيئية تلائم انتشار هذا النوع من الورود، وهو كذلك يفسر كثافة هذا النوع في المنطقة. وحسب التقديرات فهذه الزراعة تغطي مساحة تقدّر بحوالي 3 آلاف و250 كيلومترا خطيا، أي ما يقدر بـ1000 هكتار، ويقدر الإنتاج السنوي للورد العطري بحوالي 300 طن.
في سنة 1938 قامت أول شركة ببناء أول معمل لتقطير الورود في قلعة مكونة. وفي سنة 1948 أنشئ معمل ثان في منطقة "أمدناغ"، ما حثّ السكان على تكثيف جهودهم للزيادة في غرس الورود وتمديد مجال انتشارها لقيمتها الاقتصادية، باعتبارها المنتوج الوحيد المدر للربح..
وبالنسبة إلى الوردة الدمشقية الأكثر زراعة في المغرب فإن منتوجها المهمّ من الزيت من حيث الكمية والجودة لا يمكن الحصول عليها إلا في مناخ حار صيفا، وبارد وجاف في الشتاء، مع نظام ري ملائم. أما المناطق التي تسود فيها الرطوبة في فصل الشتاء، مثل المناطق الساحلية، فهي غير صالحة لمثل هذه الزراعات..
يقدّر الاستهلاك العالمي من منتوجات الورد ومشتقاته المختلفة بنحو 8 ملايير دولار سنويا، ومن المهم كذلك الإشارة إلى الأهمية التي تعرفها الصناعة التحويلية للورد من أجل استخلاص الزّيت الأساسية، والتي تعدّ سوقا قائمة بذاتها، إلا أن هذه الصناعة قبل أن تستقر وتعرف في المنطقة كان مركزها في بلاد الفرس ودول المشرق حتى القرن الـ17، والتي تطورت في ما بعد في تركيا ودول البلقان، خاصة بلغاريا وأوربا. ويبلغ الإنتاج العالمي من الزيوت الأساسية من أصل نباتي حوالي 45 ألف طن سنويا، 65 منها في المائة تُستخرَج من الأشجار أو الشجيرات، منها الأرز والأكاليبتوس..
وتعدّ واحتا "دادس" و"مكون"، الخاضعتان للمركز الجهوي الاستثمار الفلاحي في ورزارات، أهمّ مجالات الورد الدمشقي في المغرب، والذي يصل إنتاجه إلى 3000 طن.
* اليهود هم من استجلبوا الورد إلى قلعة قلعة..
تعدّ الورود من أكثر النباتات الزهرية شيوعا وانتشارا في الحدائق العامة والمنزلية لجمال أزهارها وتعدّد ألوانها ورائحتها الزكية، إضافة إلى إمكانية استخدامها في العديد من المواقع الزراعية وإمكانية إنتاجها بشكل تجاري، بقطف أزهارها وبيعها.
ولكنّ أجملها وأزكاها رائحة وأكثرها فائدة هي الوردة الدّمشقية، وهي نوع من الورود المغروسة في حوض "دادس"، وارتبط اسمها بموطنها الأصلي دمشق.. وقد أخذت أهميتها وشهرتها لكثرة فوائدها وانتقلت زراعتها إلى معظم بلاد العالم القديم بواسطة اليونانيين والرومان وقدماء المصريين، لتنتشر في مناطق مختلفة، مثل مدينة غراس الفرنسية وفي بلغاريا وكذلك في سوريا وتركيا..
وقد كانت الشعوب الشرقية تهتمّ كثيرا بغرس الورود ذات الرائحة الطيبة نظرا إلى اهتمامها الكبير بمواد التجميل والعطور. إلا أن سكان الصحارى المستقرّين في الواحات الجنوبية للمغرب والجزائر تعرّفوا عليها بدورهم عن طرق إحضارها إلى المنطقة منذ زمن بعيد.
والوردة المغربية، بصفة عامة، هي من أصل هندي، انتقلت إلى المغرب عبر إيران وسوريا. وإذا أمعنا النظر في الطريق أو المسلك الذي سلكته الورود للوصول إلى المغرب، نجد أنه يعدّ من أهم طرق تجارة القوافل التي تعبر الصحراء من السودان عبر الشرق العربي منذ عصور قديمة، انطلاقا من ذلك يمكننا القول إن تجار القوافل هم الذين أدخلوا أو نقلوا هذه الورود إلى الواحات الجنوبية للمغرب، وخاصة واحدة "دادس"، التي تعدّ ممرا تجاريا للقوافل التجارية الصحراوية.
وقد ذكِر في بعض الروايات حول ورود "دادس" أنها كانت موجودة في حوض هذه المنطقة قبل الفتح الإسلامي، ومن المغرب انتقلت إلى الغرب، أي أوربا.. وترجح هذه الرّوايات يكون أن اليهود هم الذين استجلبوا الورود إلى "دادس" نظرا إلى استقرارهم منذ القدَم في المنطقة واعتنائهم بالمزروعات التسويقية والصناعة التحويلية، مثل استخراج ماء الحياة أو شراب مسكر من التين..
وحسب الرّواية الشفوية فإن الحجاج المغاربة هم من جلبوا هذه الورود إلى المنطقة لإعجابهم بها وبرائحتها الطيبة. وقد أثارت هذه النظرية تساؤلات وانتقادات الكثيرين حول صحتها، نظرا إلى طول المدة الزمنية التي يستغرقها الحجاج للعودة إلى المنطقة وغياب وسائل النقل الحديثة، حيث كانوا يحجّون بواسطة الدواب، لكنّ ما يرجح هذه النظرية هو إمكانية الإثبات بواسطة البذور..
مع دخول المستعمر تغيرت الوضعية، حيث عرفت المنطقة انتشارا كبيرا في زراعة الورود منذ الثلاثينيات، نظرا إلى اعتناء الفرنسيين بها، حيث أصدر المقيم الفرنسي سنة 1930 أوامره بواسطة المدير المكلف بالفلاحة والتجارة في ورزارزات لإنجاز دراسة حول الورود في دادس، إضافة إلى عقد مؤتمر دولي شاركت فيه عدة وفود دولية من أوربا وأمريكا لدراسة الورود ذات الرائحة في كل مكان من الواحات الجنوبية للجزائر ومنطقة غراس الفرنسية ومنطقتي سكورة ودادس في المغرب.
* وزير الفلاحة يؤكد على أهمية الاستثمار في مجال الورود المطلوب في السوق الدولية
أكد عزيز أحنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري عن دعم الحكومة ووزارة الفلاحة لمهرجان الورود بقلعة مكونة في دورته 52 المنعقدة من 22 إلى 25 ماي الجاري تحت شعار "بالورود نستقبلكم"و أشار لجودة تنظيمها بفضل الجهود المبذولة من طرف الجهة المنظمة التي تسعى كل دورة إلى تطوير هذا المهرجان حتى يحظى خلال الدورات المقبلة بالرعاية الملكية، وزاد قائلا: "بهذه المناسبة كونوا على يقين بأنني سأبلغ الملك تحياتكم وسلامكم وروح المبادرة واهتمامكم بمنطقتكم".
وشدد أخنوش على أهمية وجود فيدرالية بيمهنية تعكس تنظيم سلسلة الورود المهمة في مخطط المغرب الأخضر، لأن المنتوج محلي وله مستقبل رهين بالرفع من المردودية ومساحات زراعة الورود، نظرا لكون الورد وجميع مشتقاته مطلوب محليا وعالميا.
وأضاف المصدر ذاته أن مخطط المغرب الأخضر عندما جاء لم يستثن أي سلسلة من سلاسل الإنتاج وأدرج المنتوجات الفلاحية كدعامة جد مهمة في تطوير الفلاحة، مشيرا إلى ضرورة التعامل إيجابيا مع سلسلة الورود عن طريق القيام بعدة استثمارات تراعي الفلاحة البيولوجية والسوق الدولية، مع عدم إغفال دور مركز البحث العملي وباقي الشركاء الذين يجب أن يضاعفوا جهودهم من أجل المردودية والزيادة في عدد المساحات بعقلانية وذكاء.
وأشار وزير الفلاحة إلى القيمة التي يكتسيها الورد نظرا لأثمنته المرتفعة والطلب المتزايد عليه عالميا، وختم قائلا: "لكم مهارات وتاريخ ومهنة قديمة، هناك جميع الإمكانيات لإنجاح وتطوير قطاع الورد والرفع من إنتاجيته".
* حوار مع الإدريسي مولاي الحسين نائب رئيس الفدرالية البيمهنية للورد العطري : مشكل التقليد لا يشرّف قلعة مكونة ودفتر التحمّلات سيضع حدا له .
- متى تأسست الفدرالية البيهمنية؟
- تأسست الفدرالية البيمهنية المغربية للورد العطري (fimarose) يوم 6 أبريل 2012 في مكتب الاستثمار الفلاحي في قلعة مكونة، حيث انتخب جلال شرف رئيسا للفدرالية وانتخبتُ نائبا له. وقد كان حدث تأسيس الفدرالية حدثا تاريخيا بامتياز نظرا إلى الإضافة النوعية التي تشكلها الفدرالية من أجل غد أفضل للورد وكذا لرفع قيمة المنتوج والفائدة بالنسبة للفلاحين والمنتجين معا..
- أين تتجلى أهمية هذه الفدرالية البيمهنية للورد العطري؟
- تتجلى أهمية الفدرالية البيمهنية للورد العطري في كونها تعمل على المساهمة في تنظيم وتطوير وإدماج سلسلة الود العطري. كما أنها تتبنى مقاربة تشاركية تعتمد التنسيق بين مختلف الفاعلين من أجل تنمية سلسلة الورد على المستويات الفلاحية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى امتداداتها على المستوى الفلاحي والبيئي. كما أنها تسعى إلى تفعيل دور الجمعيات المهنية والتعاونيات وكل الفاعلين في القطاع.
- وقعتم اتفاقية -إطارا مع الحكومة، ممثلة في وزارة الفلاحة، ما أهمّ بنود هذه الاتفاقية؟
-بالفعل، جرى توقيع اتفاقية -إطار يوم 24 أبريل 2012 بين الفدرالية البيمهنية للورد العطري وبين الحكومة، تشمل مبلغ 103.2 ملايين درهم على امتداد ثمان سنوات، أي من 2012 إلى 2020، وتهدف الاتفاقية إلى تحقيق عدة منجزات على الأرض لعلّ أبرزها سيكون رفع المساحات المزروعة بالورد من 800 إلى 1200 هكتار، وكذلك جعل كمية الإنتاج من الورد ترتفع من 2000 طن حاليا إلى 8000 طن.. وهذه الأهداف في حال تحققها ستجعل الفلاح في المنطقة يخرج أيضا من فكره كون الورد ثانويا، حيث يستعمل غالبا كسياج بين الحقول فقط.. وسيجعل هذا الأمر الفلاح يقتنع بأن الورد مورد اقتصادي هام سيرفع من مداخيله، وبالتالي سيكون عنصرا هامّاً في التنمية المحلية وتطوير الحالة الاجتماعية للفلاح الصغير والمتوسط.
- ماذا أعدّت الفدرالية كخطة لتأطير صغار الفلاحين والمزارعين؟
- هناك إرادة وتعاون بين جميع الفاعلين والمتدخلين، ويمكن تحقيق ما يمكن أن أسميه المخطط الثماني (أي على مدى ثمان سنوات كما سلف). فلتحقيق تلك الأهداف هناك خطة عمل أعدّتها الفدرالية البيمهنية للورد العطري، وتتمثل في تكوين 2000 فلاح وتأطيرهم على مستوى الإلمام بالتقنيات الفلاحية العصرية والبيولوجية وكذا تعريفهم بطرق ووسائل التسويق وتقنياتها. كما أن الفدرالية تسعى إلى تحقيق أهدافها الرامية إلى غرس 4 ملايين غرسة من الورد العطري. ولتشجيع البحث تهدف الفدرالية إلى تأسيس "دار الورد للبحث التطبيقي" وغيرها من المبادرات والأفكار التي تؤطر خطة العمل سالفة الذكر.
- كيف تتعامل الفدرالية مع مشكل المواد الكيماوية والمقلدة التي تغزو أسواق القلعة؟
- مشكل التقليد هذا لا يشرّف قلعة مكونة ويؤدي إلى ضياع مجهودات العديد من المتدخلين في سلسلة الورد، وهو لا يقتصر على قلعة مكونة لوحدها بل يأتي من عدة مدن، أهمها مكناس وخريبكة والرّيصاني وسلا، حيث يتم استجلاب المواد الكيماوية وخلطها بمنتوج ماء الورد الأصيل، وقد وقفتُ خلال معرض الفلاحة المنظم مؤخرا في مكناس على أنّ جل المنتوجات المعروضة، سواء من ماء الورد أو الزّهر هي مغشوشة ومزورة، وهو ما حذا بـ"Fimarose" إلى إعداد مشروع دفتر تحمّلات تبين فيه كل جوانب المشروع، من حيث التشخيص والأهداف والمعنيين والمجال الجغرافي... ويقدم هذا المشروع للجنة مختصة في وزارة الفلاحة لدراسة الملف من مختلف الجوانب القانونية والتقنية للاعتراف به، ثم يسجل ويُنشر في الجريدة الرسمية والمكتب المغربي لحماية الملكية التجارية والصناعية. آنذاك، تحصل الفدرالية على تسمية المنشأ المحميّ، ما سيخول لها المصادقة على منتوجات ماء الورد.. وهذه المصادقة لا تعتمد على مرحلة التقطير فقط، بل تأخذ جميع المراحل الأخرى بعين الاعتبار، حيث تجري معاينة عمليات الزرع والقطف والتحويل. ويجري التعامل هنا مع وحدات التقطير والتعاونيات المنتجة لماء الورد.
ورغم تعقد مسطرة الحصول على هذه الشارة، فهي ستمثل نقلة نوعية في مجال إنتاج وتسويق ماء الورد، الذي أصبح مجالا مستباحا من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالميدان يعملون على تشويه سمعة ماء الورد في المنطقة ويحتالون على الزّبناء بتزويدهم مياه اصطناعية باسم ماء الورد..













