أحمد بيضي – خنيفرة / جديد أنفو
 
تزامنا مع النقاش الدائر حول "مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية بالمدارس العمومية والخصوصية والعتيقة"، وفق التعليمات الملكية الصادرة مؤخرا لوزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية، أثناء أشغال مجلس الوزراء الذي ترأسه الملك بمدينة العيون، بادر المجلس العلمي المحلي بخنيفرة إلى التنسيق مع فرع الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، من أجل تنظيم ندوة علمية "حول الفكر المقاصدي كمدخل أساس لتجديد الخطاب الديني"، تخللها استعمال الشاشة الضوئية لعرض صور وأنشطة المجلس العلمي وفرع الجمعية.
 
وقد تميزت الندوة العلمية بمشاركة عدد من أساتذة التربية التربية الإسلامية، إلى جانب منسقة لجنة الدراسات والأبحاث بالمجلس العلمي المحلي، ذة. سعيدة الفقير، التي شاركت بمداخلة قيمة حول "أهمية تعميم الفكر المقاصدي في تمييز المكلف بين العادات والعبادات"، أبرزت فيها أهمية تجديد الخطاب الديني لغاية تقديم المثال الصحيح للدين الإسلامي وضمان خلوده وانتشال أمته من التأزم الحضاري، مع تبيان الفروق بين العادات والعبادات على ضوء العقل المقاصدي، في حين تقدم ذ. عبدالكريم محفوظ، بورقة حول "حاجة المكلف إلى معرفة المقاصد في التمييز بين نوع الحكم الشرعي ومرتبته"، منطلقا فيها من تأسفه على الناس، وبعض الدعاة، الذين لا يعرفون من الشريعة الإسلامية إلا الحلال والحرام عوض تبصير الأمة على تعاليم هذه الشريعة بالنظر المقاصدي والتراتب في الأحكام والمفاسد.
 
أما ذ. عبد العزيزي ديدي، فاختار المشاركة في الندوة بمداخلة في موضوع "أثر اعتبار المآلات الشرعية في تجديد الخطاب الديني"، بانطلاقه من الواقع الراهن، ووقوفه على مضامين المناهج التربوية والمقررات المدرسية، وبينما رأى في الإصلاح أمرا لا خلاف فيه، أكد على ضرورة وضع ذلك بيد أهل الاختصاص والعلماء والخبراء الدينيين حتى يستجيب الإصلاح المنشود للمجتمع والوعى الحقيقي، بينما ركز ذ. محمد العمراوي، في مداخلته، على "إعمال المقاصد وأثره في الممارسة الدعوية"، تطرق فيها بالشرح والتحليل لحقيقة الممارسة الدعوية وحقيقة المناهج، وعلاقة الاجتهاد بكل من المقاصد والتجديد، وقد استشهد المشاركون بعدد من علماء الفكر المقاصدي من أمثال الشاطبي والخادمي والشافعي وغيرهم.
 
الندوة التي احتضنتها مدرسة الإمام نافع للتعليم العتيق، يوم الأحد 28 فبراير 2016، وحضرها عدد هام من أساتذة التربية الإسلامية، وأعضاء المجلس العلمي المحلي، وعدد من الفعاليات الفكرية والدينية والتربوية والإعلامية، افتتحها رئيس المجلس العلمي المحلي، الدكتور المصطفى زمهنى، بكلمة وصف فيها اللقاء ب "ثمرة من ثمرات التفكير والإبداع"، ومبرزا السياق الذي جاء فيه في وجود نقاش واسع بين مختلف الأطياف حول مادة التربية الإسلامية، لأجل إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، والوحدة المذهبية المبنية على الوسطية والاعتدال، والتسامح والتعايش.
 
وفي ذات الندوة، التي برع العلامة محمد بوربيع في تسييرها، أكد الدكتور المصطفى زمهنى على "أن كل عمل يجب أن ينصب على حراسة أمن أمتنا حتى تحقق لنفسها المناعة"، وفي أسلوب للتبسيط، قال "إذا كان هناك حدود وثغور يحرسها جنود وأمنيون فهناك أمة لا بد لها من يحرس ثوابتها ووجودها، ولن يكون ذلك إلا بالعلم والتعليم" يضيف رئيس المجلس العلمي المحلي الذي لم يفته التشديد على "ما تفرضه حراسة الثوابت من فضائل التعاضد والتآزر في عصر المعلومة السريعة"، وكذلك الكلمة السواء التي شرحها بتقوية تقوية المناعة لدى مجتمعنا وشبابنا في مواجهة الاختراق الذي وقعت فيه بلدان معروفة لم تنتبه له إلا بعد فوات الأوان.
 
وعلى صعيد آخر، رأى الدكتور المصطفى زمهنى كيف "أن الناس عبارة عن أفكار وميولات"، لكن عندما يتعلق الأمر بالأمة ف "علينا أن نكون جسدا واحدا وجبهة واحدة"، مشبها الوطن ب "البيضة التي ينبغي تحصينها من الانكسار"، دون أن تفوته الإشارة لدور خطيب الجمعة الذي عليه، عندما يصعد إلى المنبر، أن "يتحرر من كل إيديولوجية أو خلفيات"، باعتماده على مقاربة تتسم بالانسجام بين مختلف الحساسيات، وأن يستحضر دائما أنه "يخطب في الناس كأمة واحدة بتناقضاتها واختلافاتها"، وأنه "يحمل رسالة من القيم وليس التحرش بهذه القيم"، حسب ذات المتدخل.
 
ومن جهته، استعرض الأستاذ عبدالعزيز ديدي، من خلال مداخلته الافتتاحية، سيرة الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، والأهداف التي أسست من أجلها كجمعية تربوية مستقلة تساهم في الحياة الثقافية والتوعوية، وفي الحفاظ على الهوية وتطوير تدريس المادة ومناهجها، وتعميق المفاهيم الأساسية لها، مع تعزيز الروابط لتبادل الخبرات والتجارب بين كل الفاعلين التربويين قصد تشييع البحث العلمي، في حين ذكَّر الحضور بأنشطة الجمعية، الإقليمية والوطنية، ومنها الندوة الوطنية التي تم تنظيمها في موضوع: "التربية على القيم وأثرها في تخليق الحياة المدرسية"، كما أشار، في ذات كلمته، إلى أهمية العمل الجماعي.
 
وتخللت الندوة تدخلات الحاضرين بنقاط نظام هامة، منها تساؤل حول مدى السبل القمينة لتعميم الفكر المقاصدي وتبسيطه وسط الناشئة بالوسط التعليمي، ومقترح بألا يظل نقاش تجديد الخطاب الديني حكرا على أهل الفقه دون غيرهم، مادام الموضوع قد أضحى ضرورة في الوقت الراهن الذي تتناسل فيه فتاوى القتل، بينما شدد أحد المتدخلين على ضرورة تحديد مفهوم الفكر المقاصدي باتجاه التفاعل الإيجابي مع مجتمع المعرفة ومستجدات العصر.