زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو

كل ساكنة الجنوب الشرقي لها حكاية مع الطفولة ولا يمكن للصورة أعلاه  أن تمر هادئة  صامتة، فلها حكايات وتاريخ  موشوم بالذاكرة الفردية والجماعية  ، فالصورة شبت بين القصور ونمت بين الأسوار المسيجة طبيعيا  بشجر النخيل والتين والزيتون والرمان والعنب ،وبالأكيد أنها  تحتاج توقيعا و " بارطاج " و" لايك " من كل الذين مروا  بدروب تافيلالت وبكل الجنوب الشرقي .

فبعد الأكل  ب "المصريات"  بفتح الميم  او ببهو الدار او ببيت الضياف ..غذاء او عشاء فالجميع  ينتظر نصيبه القليل من  لحم الجزار المطهي  اومن لحم  " لقنون" الطري  او الدجاج  او الفراخ ،وكم هو لذيذ لحم الوجبة  لا في قلته فحسب  بل في كونه ملك لك وحدك  ولا نصيب لغيرك منه ،،فتتناوله من يد الأب او الأم  او العم او الأخ الاكبر باليد اليمنى طبعا وتقول باسم الله  ،فتقارن حجمه مع  حجم نصيب اخوتك  وحين تنتهي تردد الله اخلف  او الله اجيب الرزق ولو انك في بيتك وأحيانا يكون نصيبك  في "شقفة" خبز واحيانا تكون هذه "الشقفة "او الكِسرة من الخبز خاوية  ليوهم الاب الضيوف بانك اخذت نصيبك ولا تستطيع الكلام  او الضحك حشمة وعزة وانفة وقناعة ورضا .

الحق من اللحم تعود عليه الكبار والصغار في المناسبات وغير المناسبات واحيانا يقول لك من تطوع "لفرق اللحم "والذي يجب ان يكون محترما  يقول احسب  او " احصر " وتقول 10 او غيرها  من الارقام ويبدأ العد من اليمين حتى  وصول العدد الذي حددته  فيكون  ذاك من نصيبك عدلا وهي الطريقة التي لا يعرفها إلا من شب بتافيلالت او بالجنوب الشرقي عموما .

و بهذه القسمة تعلم الاهالي منذ النشء حقهم دون مد اليد  لحق الغير فتعلموا بذلك  العفة من الوسط الاجتماعي ومن التنشئة المتوارثة بل تعلموا دروس الحياة من اباء وامهات علمتهم الحياة الحق والواجب دون ان يلجوا المدارس ،فما هو لك فهو لك وما هو لغيرك فهو لغيرك.

المجتمعون على طاولة الأكل بجهة درعة تافيلالت لم يتعودوا اكل اللحم منذ بداية  الوجبة بل يُترك اللحم  حتى الأخير، ولم يتعودا على اكل اللحم " بلا فريق " كما يفعل اهل المدن ،لان في ذلك سطو على نصيب الغير، والكل يدرك التطاول  الذي يقع في الاعراس والمناسبات من اناس تتطاول اياديهم  وتتمدد وتسافر من مكان لآخر ويأكلون كل ما طاب ويتركون الشحم للآخرين وهو الامر الذي، ينعدم  في القسمة الفيلالية للحم  فكل يأخذ نصيبه من اللحم والشحم والعظام وطريقة العد تمنحك نصيبك الذي كتب  الله لك.

هي عادات في التلاشي من الزمن الجميل واصبحت من الماضي و من التربية القديمة المنتهية صلاحيتها عند الجيل الصاعد، وكم شخصا عاد  القهقرى بقراءة الموضوع   سنين عديدة نحو الخلف ،وتذكر كل شيء ،ولكنه لم يلقن ابناءه  شيئا منها لان هذا السلوك اصبح مرفوضا حاليا بالنشر غير المعقلن لحقوق  الطفل  في الاسرة والمدرسة فتطاول الكثير  على حق  الكثير واختلط العدل بالجور والمعروف بالباطل  في واضحة النهار  وظلام  الليل ، فكم فقدنا من عاداتنا وكم فقدنا من هويتنا وتربيتنا  الاصيلة وكم فقدنا من نصائح شيوخنا  وتربية ابائنا  بجهة درعة تافيلالت وكم تعلمنا من عادات  ذميمة  باسم  الحداثة والتقدم  فتطاول الكثير من المسؤولين  فطمع بعضهم  في الذراع بعد اكل الكراع ،وكثر الارتشاء واسترخى الكثير على كراسي  الغير واكلوا اموال الناس بالباطل ولبسوا جلابيب وطرابيش غيرهم  وتلوثت  الدماء واختلط  الاصفياء بالأنذال حتى انفضحت  الاخلاق وتعرت الثياب وانكشفت العورات فنسينا  تركيبة " اللي كلا حقو اغمض عينيه " التي اتسع استعمالها  في التداول اللغوي اليومي  وطالب الكثير من جيل الاخلاص والتحدي بتافيلالت العامرة باعادة تاصيل هذه العادات التي هي في طريق الانقراض حفاظا على الموروث الثقافي للمنطقة.