زايد جرو – الرشيدية / جديد انفو

الحسين بن لحبيب الاستاذ الذي هذب اذواق العديد من المتعلمين والمتعلمات لسنوات بمؤسسة سجلماسة التأهيلية بالرشيدية  قل ّمن التفت اليه بالمدينة وقلّ من سأل عنه بعد تقاعده ،وقلّ من يعرف عنه أنه  المدرس الذي جمع بين سحر الغناء وصدق المشاعر في ما لحنه  وغناه.

الحسين بن لحبيب لم يكن ذات يوم رقما من الأرقام ،ولم يكن من المدرسين العاديين الذين يكتفون بالتلقين وتنتهي المهمة بمجرد ما تنتهي الحصة،ولم يكن من معذبي المتعلمين والمتعلمات قسوة وتلذذا ،ولم يكن من الذين يعدون السنوات من اجل احتساب سنوات الترقي،ولم يكن من الذين يعضون الدرهم من جانبه لكي يبني الشقق أو المتاجرة في العقار، ولم يكن  أستاذا سمسارا يبحث عن هواتف اصحاب البقع غير المبنية،بل لم يكن من  المدرسين الذين تمج مجالستهم بكثرة ' الناب' واللغط  والبحث عن الثقب الضيقة في اللغو من اجل توسيعها ،ولم يكن من الرجال الذين تنتظر رحيلهم وتتمنى العمى حتى لا تبصر ' خليقتهم ' بل اقتفى الرجل درب الفنانين الكبار بعزة نفس ، وتلذذ بغناء الاطرش وامثاله فهذب الذوق واعتبر الكثيرمن الناس ذاك المسير تعجرفا  وتفوقا فظلموا الرجل في السر والعلن وهو من اطيب الخلائق .

بن لحبيب  ينحدر من مدينة بوذنيب (اقليم الرشيدية) حيث رسم بريشة اللحن والاداء معالم اعماله الغنائية بنكهة خاصة حتى لقب في الاوساط الفنية المحلية بعندليب الجنوب غنى بصدق عن حبه وخيبات أمله، فتجاوز ذاتيته الى ما هو كوني وانساني، مما أضفى على غنائه لونا فريدا من التميز.

بين الرشيدية وبوذنيب والريصاني وكلميمة عاش بن الحبيب، الملحن والموزع، طفولته في بيئة محافظة مكنته من حفظ  الكثير من القرآن الكريم وتعلم مبادئ وقواعد اللغة العربية واستكمل دراسته الابتدائية وجزء من التعليم الثانوي التأهيلي، لينتقل بعدها لمرحلة الدراسة الجامعية بالرباط حيث حصل على الإجازة في الآداب العربية (الادب المقارن) ودبلوم الدراسات العليا في نفس الشعبة.

 ومما صرح  به استاذنا الكبير الحسين بن لحبيب  أن موهبته ترسخت في تكوينه  الجامعي بمدينة الرباط وتمكن  من انجاز أبحاث في المجال الفني (الأغنية المغربية بين التراث والمعاصرة) وبحث عن المغني البلجيكي جاك بريل (الأوديبية في أغاني جاك بريل) مع المرحوم الأستاذ أمجد الطرابلسي .. وتوجت أعماله بتجربتين إذاعيتين بالإذاعة الوطنية الأولى حول ' الأغنية المغربية ماضيا حاضرا، ومستقبلا'  والثانية حول برنامج (منابع الطرب المغربي).

من يستمع الى ابداعاته الغنائية يكتشف وبدون عناء كبير ذلك المزيج بين المدارس العالمية اللحنية والمدارس التراثية المحلية (ما بين الطابعين الكلاسيكي والحداثي). فمعرفته الموسيقية الموسوعية كانت مزيجا بين ما هو مغربي ومشرقي، فمن مدرسة الموسيقار الراحل عبد السلام عامر وألحان حسن القدميري الى عبد القادر الراشدي وعبد الوهاب الدكالي، ومن المشرق، نهل خاصة من معين الموسيقار فريد الأطرش.

من اعماله الفنية  ' افتحوا لي طريقا '  و' الجوكاندا'  و' قرأت سؤلا في عينيك ' و ' الفرحة كملات'، و'مرحا بك يازينة '  و' لو كنت كبيرة ' ، و' جنوبية '  و 'رشداوية ' وغيرها من الابداعات الفنية ..أعمال تغنت بتيمات  مختلفة من الحب والمرأة الى الحنين والأم والغربة وصراع الذات ضمّنها خياله الموسيقي والصور الشعرية من مجاز واستعارات نابعة من احساس الفنان الرومانسي.

' وادي النعام' رائعة من بين روائع بن لحبيب كتابة ولحنا وأداء تغنى فيها، بالأرض والأم والحياة وفلسفة الخلق وهي فضلا عن ذلك  ' عمل وجداني فلسفي يجسد الارتباط العميق والوثيق بين الأنا والأرض، رمز الخصب والعطاء في أساطير الانبعاث وتجدد الحياة، فرغم الاغتراب والتنقل والصراع الأبدي مع القوى الغيبية، وتغير الحياة من حال لحال، يظل حدث الميلاد والنشأة مرتبطا بالذاكرة التي ارتبطت معالمها بالوادي، الذي عاد إليه المبدع ليجدد شهادة ميلاده ليروي ظمأ الرحلة وعذابها الطويل '.و بعودة المايسترو لوادي النعام، صحبة أولاده تجددت الحياة، فعاد الربيع للأجداد واستيقظوا للاستمتاع بأنشودة المطر، وبُعثوا من جديد ليشهدوا ارتباط الحسين بن لحبيب بهويته وانتمائه فتحول رماد الفينيق لحياة جديدة ليستمر النشيد.

وعلى لسان بن لحبيب قال  ' لي ثروة كبيرة من الأغاني تمتد من المرحلة الإعدادية  فالغناء هو اللغة الأخرى التي أتحدث بها بارتجالية، جملة ولحنا في عفوية وفطرة، ' والمسجل منها ما يعادل أربعة ألبومات فقط  بتوزيع حداثي .

ورغم حداثة لقائي  بالأستاذ  بن لحيبب بمؤسسة سجلماسة بالرشيدية التي جمعتنا لسنتين متتاليتين اكتشفت فيه الطيبوبة والانفتاح وسعة الصدر والاحساس الرقيق ولم اكن لاعتبره ذات يوم انه بصَم ورحل بل نبش وترك اللمسة والدمغة التي لا تمحى وبنى جيلا عريضا بالمؤسسة  مازالوا يتذكرون  جميعهم لمسته ورقته  وغير جاحدين له الفضل والنهى لأنه مختلف عن الاخرين ،وتحية لك ايها الصديق والرفيق والعزيز والفنان بن لحبيب  لانك لن تتكرر مرتين فلا تتغيب عنا كثيرا ولا ترحل عنا بعيدا فأنت الوشم الذي يلوح من بعيد مهما بَعُد .