زايد جرو – الرشيدية / جديد انفو

راعي الغنم موحا الاسم المتداول والمنتشر بين رحال الجنوب الشرقي، او محمد المكي الاسم ذو المرجعية الدينية يقطن  بدوار ايت موسى ويشو بالجماعة الترابية تلمي اقليم تنغير، قاده قدره المعتاد للتبضع كالعادة رفقة 'حماره' صديق دربه في المحن ، به ينقل المؤن بين احجار الجبال القاسية  ولا يتعبه كثيرا رأفة وشفقة عليه، يأكل خــبـزه  حافيا وكوب ماء او  لبن بنفق بقدم جبل  قديم وشائخ  رفقة ابيه وغنمه، النفس في المكان  خالية وعن الورى نائية وغير مكترث بما مضى من السنوات الخالية  ولا بما سيأتي  ولا تفكير بالقطع في القصور العالية.

قادته خطاه للتبضع وهو يتنعل نعال 'هارون' او ميشلان والتي تصلح للاماكن الوعرة وتعمر كثيرا، وبالصدفة تفاجأ بسائحتين فرنسيتين باحثتين ومهووستين  بالمجهول والناذر والمنسي وبكل ما هو غير مألوف وغريب ومختلف وعن الوجه الحقيقي للمغرب  بالجنوب الشرقي  العميق بعيدا عن المدن المعروفة سياحيا على المستوى العالمي .

السائحتان بجبال تلمي بالاطلس الكبير سألتا الراعي عن كسرة خبز بالقول  ' هل لديك  خبز' رد نعم ومكنهما من خبزة، فطلبا الثمن ليرد موحا :لا .لا.. بما معناه نحن قوم لا نبيع الخبز ،ولا نبيع الحياة ،بل  نحن شعب  نحب الحياة ونتقاسم ما نملك لتستمر ...الحديث بين الثلاثة حول السكن والحياة أثار انتباه  السائحتين وتمكنا من اكتشاف ما لم يكن متصورا ولا في الحسبان : مسافة طويلة بين الجبال والاحجار والخواء حتى قدم الجبل الذي يسكن فيه محمد المكي رفقة ابيه .

السائحتان لم  تتخوفا من موحا لكونهما يعرفان مسبقا اخلاق الرحل بالجنوب الشرقي المغربي ولم يتخوفا من ترك سيارتهما وحوائجهما بالخلاء ورافقاه في اطمئنان ولا على لسانهما غير  جملة ' انت ظريف '  وبأسئلة لا يستطيع موحا الاجابة عنها باللغة الفرنسية .

بعد مسح المكان والعودة باطمئنان لسيارتهما بدأ الاسترجاع عبر اسئلة وجودية محيرة والنبش في الذاكرة عن  اجوبة لصور ومشاهد تزاحمت في المخيال عن موحا وعن الوضع وعن قاطنة الجنوب الشرقي، ورحلا عن المكان بسؤال قوي وعميق : المغرب ليس هو مراكش بما معناه أن هناك مغرب عميق واصيل  مبني خفي لا حديث فيه الا عن القيم والشهامة والاصالة .

السائحة الفرنسية في عملية استرجاع المشاهد عن موحا وعن الجبل وعن الوضع وعن الانسان بشكل عام باتت تردد بصمت ان موحا  انساني كبير وان هناك لحظات كثيرة تملأ القلب، وان الغريب  والمجهول يخيفنا في كثير من الاحيان، وفاض اللسان  بتراكيب انسانية  تكسر الحدود  الجغرافية الاصطناعية والوهمية بين الدول ، وخلصت  لقناعة مفادها ان كل شيء يتغير في الحياة حتى الاشجار ،لكن القيم الاصيلة تبقى  اصيلة وخالدة، وهناك اشياء كثيرة تجعلك كبيرا وان الانسانية متجذرة فينا  ويجب الا نغلق ابواب الحياة  بل يجب الانفتاح على الآخر ما أمكن .

الراعي موحا او محمد المكي يقطن بدوار ايت موسى ويشو بالجماعة الترابية تلمي اقليم تنغير كما سلف الذكر عمره 30 سنة  عازب وراعي  غنم ولم يلج المدرسة قط، والعجيب أنه  فنان تشكيلي  ينقش على الحجر حسب المعلومات المتوفرة عنه وقد مر على لقاء السائحتين حوالي 15 يوما لما غادر الجبل ليحمل لأبيه المؤونة..

اللقاء ذو بعد انساني قوي فلم يتطاول موحا على السائحتين ولم يمسسهما بسوء حتى في الكلام ولم يطلب لا زواجا ولا زادا ولا مالا ولا ' فيزا ولا باليزا ولا باسبور'  بل قبل الطلب لمرافقته للمسكن طواعية  دون خجل ولا تردد  وقلبه عظيم  يسع كل شيء، وربما القدر سيفتح له كل المستغلقات لا حقا .. وبدورنا نشكر الراعي موحا فلم يكن الرعي عيبا عبر التاريخ بل نقول له شكرا لأنك كبير رغم حداثة سنك وقد زدت من رفعة الجنوب الشرقي  بخصالك  واعطيت الدروس التي لا تنسى لكل باحث عن الانسان بالفهوم السوسيولوجي.

واليكم فيديو السائحتين والذي عرف انتشارا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي: