زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو
لم يحل الصيف بعد ،ومازال التفكير لم يستقر عن وجهة السفر نحو المدن الآهلة بكل شيء ،حيث الفرصة مواتية قليلا للهروب من لعجاج كل مساء قبل العصر بقليل والهروب أيضا من الزواحف بكل الاشكال، خاصة حاملة الزاد، والمدفع القوي فوق الظهر، والذي يرجم بقوة كل الأعداء البشرية .
عبد الرحمان الذي أخلت به فرامله بزايدة ذات يوم ،بعد وجبة شواء ،فكر ركوب الطائرة هذه المرة وحده ،نحو الرباط ..أخذ تذكرة ' لو ڤول ' مكتوب عليها وقت الإقلاع فأثارت عبارة 'Bon voyage' فضوله كثيرا ' كيفاش هاد بون فوايج ' فتذكر طائرة الرئيس الايراني ومن معه، كما استحضر أحداث الأبراج التجارية في الحادي عشر من شتنبر بامريكا، وسرح به جنون عظمة ابن بطوطة في أدب الرحلات ..'وزيد اوزيد'..
دخل بيت الأسرة حنحن بقوة، تململ ذات اليمين وذات اليسار وكأنه يحمل معه سر إنشطاين ،وسافر عنه النوم ورحل ،وتذكر ما قرأ من أشعار عن وساوس ابن الرومي، وتذكر عباس بن فرناس في تجربة الطيران ..المهم عبد الرحمان تبرزط ..
حل بالمطار باستقبال من نوع خاص حطت الطائرة بدون درج وتساءل عن كيفية الصعود والنزول ورأى جناح الطائرة الطويل وربطه ب ' بادج ' يسلم له في كل استحقاق وطني في ملف خاص مكتوب عليه :عبد الرحمان 'مراقب الجناح '.. فعاوده جنون العظمة أن المركبة لن تتحرك إلا بخبرته في مراقبة جناحها وانه مهم جدا في ضبط مدى استجابة الجناح لحركة الرياح ...فزاره المتنبي لهنيهة حين مجالسته الخلفاء واستحضر بقوة أيضا مجالس أبي حيان التوحيدي في الامتاع والمؤانسة .. وذاك موضوع آخر سيأتي زمنه قريبا بحول الله...
بعد قليل وجد نفسه بين الناس وتبعهم بتلفت كبير رغم أن أعشى قيس يكره ذاك التلفت في المشي فأخذ مقعده وسمع توجيهات المضيفات وكيفية القفز فركبه الرعب متمتما قال..' واقيلة هادي هي الرحلة اللخرة' فشده الحنين للصديق ابراهيم وسعيد ولحسن ،وتذكر أنه لم يودع زملاء ،هم حقا غير زملاء، لكنهم زملاء والسلام .. فردد همسا : 'اللهم طريق زايدة، وقرود أزرو وفيراجات تيزي نتلغومت وتمحضيت ،ولا هاد صداع گاع...
صعد الطائرة وهو فوق الغمام فتصور نفسه نيزكا مشتعلا سيسقط قريبا ببودنيب او ضوحي أفردو ..هدأ قليل، أحس بطنين لا يقاوم بالأذنين وبدوران شديد، وانتظر كثيرا أن يمر بزايدة فقال ' گاع مادزنا على الحامات ولا زايدة ..و جوندارم گاع ما كاين والردارات والوا ..' فقاطعه صوت يقول حمدا لله على سلامتكم أنتم في سلا بعد 45 دقيقة تقريبا..
دخله الشك من جديد فقال ' واقيلة هادي غي الريش راهم غالطين...نزل بخير وكاد أن يركع كما يفعل الأبطال وكاد يخرج من 'صاكه ' العلم الوطني فتذكر كلام أمه ' الرجوع لله ' فتراجع..
عاودته ذكرى السفر في كل سنة ،وما وقع له حين أكل 'الشواء' بزايدة ،وعلى بعد كيلومترات من مدينة ازرو حين أحس بالدوران والدوخة وبدت حركته غير عادية ،وبدأ يلوي عنقه في كل اتجاه، وأحس بأمعائه تكاد تطير من أحشائه، ولم يكترث لحرارة محرك السيارة ولا بحزام السلامة، فخفض السرعة أكثر رغم انها ضعيفة أصلا، وأرخى حزام سرواله ولاحظت زوجته حركات غير عادية فخاطبته بصوت قوي " ياك لاباس ...عبد الرحمان لم يجب فتوقف وأسكت محرك السيارة فاستيقظ النائمون مرددين "بابا ياك لاباس مالك ..." وهو الوحيد الذي يعرف ما به نزل بغابة القرود وابتعد قليلا حتى لايتيه وتحت شجرة أرز شائخة وقبل ان يستعد للخروج كعادته ضعفت " فرانات" مؤخرته ونزلت المياه من سوأته بكل الالوان وفطن لحركة غريبة فوقه قبل إنهاء المهمة ورجم بحجارة رقيقة ودقق النظر من جوانبه فرآى قردة وقرودا فكثرت الاصوات من فوقه فرفع رأسه فشاهدها بشتى الاحجام تتجمع، فخاف ان يصبح وليمة لها ،ظن بها خيرا فضحك قائلا " هيه يا زعطوط تتسناو الوليمة.. مصائب قوم عند قوم فضائل " وما كاد ينسحب من اسفل الشجرة حتى بدأ اللحس والصراع على الوجبة ..
عاد عبد الرحمان للسيارة بخطوات وئيدة يجر رجليه ووجهه مصفر والزوجة قلقة والأطفال متأففون فتابع الطريق بدوخة كبيرة وتوقف من جديد، وتكرر الفعل مرات عديدة وما وصل الاهل بمدينة ازرو الا بشق الانفس .
عبد الرحمان المسكين مكتوب على جبينه النحس في كل سفرة ،فإذا ركب الطائرة ركبته هواجس ما بعد منتصف الليل ،وإذا ركب السيارة ركبته 'خلعة' شواء زايدة وقرود 'ازرو'...
فإذا مررتم بزايدة ووصلتم سالمين فاشكروا الله كثيرا وشدوا الحزامين : حزام السلامة الطرقية ،وحزام سراويلكم حتى لا تقضوا ما تبقى من عطلتكم بالقرب من أبواب المراحيض تنتظرون قضاء حاجاتكم دون 'فرانات'. واذا ركبتم الطائرة ووصلتم بحمده فضاعفوا في شكر نعم الله رافقتكم السلامة.