فاطمة الزهراء بكوري

 يعتبر اللباس التقليدي المغربي مجموعة من الألبسة التراثية والشعبية التي حافظ ومازال يحافظ عليها المغاربة منذ قرون، حيث يظهر جليا تشبثهم بمختلف الألبسة التقليدية خاصة في الأعراس والمناسبات، ومما لا شك فيه أن الزي التقليدي جزء لا يتجزأ من التراث، والتراث واحد من المقومات اللازمة لتشييد الحضارة، فهو ضروري لتطوّرها، حيث إن الزي التقليدي أداة تعريف الأمم، ورمز لتميزها وتفردها، وهو خير شاهد على درجة وعيها، وعلى تنوّع الحضارات المتعاقبة عليها خصوصا عند حديثنا عن الزي الأمازيغي.

إن الثقافة الأمازيغية في منتهى تكوينها بسيطة معقدة تلك خاصية جعلت منها متجذرة في الثقافة الشعبية المغربية منذ قدم التاريخ، نالت حظوة وتنوعا، الشيء الذي يجعلنا أمام زخم ثقافي وفني مهم، فالإنسان الأمازيغي له خصوصياته وتفرده، سواء في اللباس أو في العادات أو التقاليد، بل حتى الأجناس الأدبية المتصلة بالأدب الشعبي، وقد ساهمت المرأة الأمازيغية في الحياة الاجتماعية ونقل هذا التراث، وهنا يظهر عمق هذه الثقافة وأصالة دور المرأة الأمازيغية في تعريف الأجيال اللاحقة بهذا الموروث الثقافي، ونقل التراث والثقافة الشعبية وكل ما يتعلق بها: من فنون، وقيم، وعادات، وتقاليد، حافظت عليها من عاديات الضياع والاندثار .

ويعتبر اللباس وجها آخر للإبداع النسوي، فيه أشكال مختلفة باعتباره صناعة عريقة في التاريخ حاضرة إلى الآن، كما أن لكل لباس عناصره ومناسبة هو جدير بها دون غيره، ويعطي اللباس النسائي عند القبائل الأمازيغية خصوصيات لكل منطقة مغربية، وعندما نتحدث عن ارتداء الأنثى اللباس الأمازيغي، فنحن نتحدث عن الجمال بحد ذاته، يندرج هذا الزي الأمازيغي ضمن أجمل العادات والتقاليد المرتبطة بالأمازيغ ولا يمكن الاستغناء عنها.

وتعتبر جهة درعة تافيلالت في الجنوب الشرقي للمغرب من أكثر المناطق الزاخرة والغنية بالتراث المادي واللامادي، مثل: الشعر، والفن الموسيقي كرقصة "أحيدوس" الشهيرة، بل تعرف هذه المنطقة الجميلة تنوعا جميلا من حيث الأزياء والأطباق التقليدية.. بالإضافة إلى صناعتها الفريدة للزرابي الفاخرة، والمرأة الأمازيغية وعلى حسب المناطق المنتمية إليها اكتست ملابسها وحليها صبغة نابعة من صميم التراث الأمازيغي، حيث يعكس المظهر الخارجي للمرأة الأمازيغية في الصحراء وفي الجنوب الشرقي المغربي، زخما ثقافيا متنوعا حافظت عليه الأجيال عبر السنين، ونذكر تحديدا منطقة  آيت عطا جنوب شرق المغرب التي تميزت النساء الأمازيغيات فيها بزيهن التقليدي الذي لازالت تحافظ عليه المرأة الآن في بعض المناطق العطاوية، ويختلف لباس المرأة الأمازيغية العطاوية اختلافا طفيفا من قبيلة لأخرى، وسنخص بالذكر المرأة العطاوية الخباشية نموذجا.

وقبل أن أتطرق إلى موضوع المرأة الأمازيغية الخباشية أردت أن أقدم لمحة عن نشأة هذه القبيلة والتي يكتنف الغموض حول نشأتها، نتيجة غياب أو ندرة الروايات والمراجع الكتابية والتي قد تتسم بالدقة والموضوعية في هذا الشأن.

قبيلة "آيت خباش" قبيلة أمازيغية صنهاجية تنتمي إلى ما يسمى بخمس أخماس اتحادية  "آيت عطا"، وهي منقطة تقع بالجنوب الشرقي للمغرب بضواحي إقليم الرشيدية، وتتفرع اتحادية "آيت عطا" إلى خمسة أخماس وكل خمس بدوره يتفرع إلى عدة أجزاء، وهذه الأخماس هي:

- خمس آيت ولال

- خمس آيت وحليم

- خمس آيت إسفول

- خمس آيت إعزا

- خمس آيت أنبي

 وتنتمي قبيلة آبت خباش إلى الخمس الأخير (خمس آيت أنبي).

وإذا كانت قبائل "آيت عطا" بجل أخماسها الخمسة تجمعها قواسم مشتركة في حياتها العامة، إلا أننا نجد اختلافات طفيفة في عادتها وتقاليدها وكذا لباسها وحتى في لغتها المحلية. غير أن هذا الاختلاف البسيط لا يشكل سلبا على هذه المنطقة، بل هو مرآة لمدى غنى الثقافة الأمازيغية  بالخصوص الثقافة العطاوية.

وتعتبر الثقافة الأمازيغية إرثا حضاريا، لما تختزنه من فنون وتقاليد وأزياء، وتعتبر هذه الأخيرة هي المظهر المادي للجانب الأمازيغي الثقافي لدى الأمازيغ، لكونها تعبر عن مكانة الأمم ورقي حضارتها، وتعبر كذلك عن التطور الذي حققته في الميدان الفني والاجتماعي والاقتصادي، فالأزياء أو الملبوسات وثيقة تاريخية صادقة عن الحضارة والعمران.

ويتميز اللباس الأمازيغي ببساطته وخلوه من تعقيدات العصرنة الحديثة، لكن رغم بساطته إلا أنه يحوي في ثناياه تاريخ المغرب وتراثه العريق، خاصة الزي الذي ترتديه المرأة الأمازيغية حيث  تحمل القيم القبلية في زيها التقليدي، ولعل ما استهواني للبحث في أشكال وتجليات هذا اللباس والتقاليد هو كون المرأة الأمازيغية ظلت محافظة على هذا الإرث الحضاري رغم عاديات الزمن، وهذا ما لاحظته من خلال الزيارة التي قمت بها لإحدى المناطق الأمازيغية والتي ابتغيت من ورائها كشف بعض أغوار ودلالات اللباس عند المرأة الأمازيغية الخباشية، وبعد معاينتي لتلك المنطقة وعند لقاءات مع ساكنتها خاصة النساء منهن، تبين جليا أن المرأة تبدي اهتماما كبيرا باللباس الخاص بالأعراس والأفراح باعتبارها مناسبة تبدي فيها زينتها وتعكس الإرث الحضاري العطاوي.

أما الحياة اليومية فالمرأة تكتفي بارتداء " أحروي ahrouy" باللون الأسود وتسدل عليها غطاءا أسودا تتوسطه مجموعة من الألوان يسمى  " تحرويت Tahrouyt"  "فأحروي" يرمز إلى المرأة الثيب ذات عفة ووقار، أما  "تحرويت"  فترتديها المتزوجة وغير المتزوجة وهي تدل بدورها على العفة ...وتستعملها المرأة كحجاب ترى من خلاله ولا ترى، كما أن  "تحرويت" تعكس السمة المميزة للمنطقة التي تنتمي إليها.

أما على مستوى الرأس فتضع "تاسبنيت Tasbnit" وهو عبارة عن منديل يغطى به الرأس، وهو مزركش بألوان: الأحمر والأصفر، وتشد "تاسبنيت" بحزام يسمى "تعصابت TaЗsabt " تنسجها بعض النساء الأمازيغيات، ويكون لونها بالأبيض والأسود، إلا أنها على وشك الاندثار بسبب موجة التغيير.

وتضع في البرد " التبان Teban " وعند البعض يطلق عليه "تاميزارت Tamizart" وهي عبارة عن رداء من الصوف مزينة بألوان: الأحمر – الأسود- الأبيض، لها خيطان تشدهما المرأة عند العنق. وتهديها الأم لابنتها عند الزواج، وتبقى لديها على الدوام.

هذا فيما يتعلق باللباس اليومي أما الزي الذي ترتديه في الأعراس فهو زي تقليدي يحمل في ثناياه مجموعة من الدلالات، وعند تفحصي لاحظت ضرورة التركيز غلى عناصر أساسية من أجل تحليل هذا الملبوس بما فيها:

  • الشعر وغطاء الرأس:

   تضع العروس على رأسها ما يسمى ب  "أعبروق AЗbrouq" متخذا شكل الخيمة للدلالة على أن المرأة هي أساس الخيمة والعمود الفقري داخل الأسرة. أما شعرها فتسبله على شكل ظفيرتين ترمز للجمال، والتباهي بالشعر الطويل، وتأكيد الأنوثة، وأناقة الحس والجاذبية.

فمعلوم أن المرأة الأمازيغية تفتخر بشعرها وتحاول من خلال " أعبروق " إعطاء تاج لإبراز مدى كثافته، وتضع مع "أعبروق" ثوب يغطى به الرأس والوجه بأكمله يدعى "توكايت Tawkayt"  تتجسده ألوان مختلفة تدل على الطبيعة منها الأحمر والأخضر والأصفر.

  • البسة الجسد:

   ترتدي العروس  "أحروي" لكن في هذه المناسبة تكون بلون أبيض ليضفي الصفاء عليها، وتضع فوقه على مستوى الظهر وشاحا مزركشا بألوان مختلفة منها الأحمر والأصفر والأخضر والأبيض يسمى " تمخزنيتTamkhznit  " ويقال بأن هذا الوشاح يجلب الأنظار ويثير الانتباه لأنه يعطي جمالية ورونقا للعروس، لهذا نجدها تضع فوقه على مستوى الكتف ما يسمى " "توكايت Tougayt" بلون أسود مع وجود شريطين بالأحمر وذلك من أجل إبعاد العين والحسد حسب اعتقاداتهم.

   ونلاحظ كذلك أن العروس تضع خيوطا بيضاء على مستوى أصابع يديها تكون مبللة بالماء وأوراق الحناء وماء الورد. ونفس الشيء بالنسبة للعريس حيث يقوم كل طرف بفك هذه الخيوط للطرف الأخر، من أجل تكسير الحاجز الموجود بينهما.

  • *  الأحزمة :

   تضع العروس في هذه المناسبة حزاما من الحرير على مستوى خصرها من أجل التزيين يسمى " إكرزي Ikrzi" وتقوم بشده بأناقة وجمال وتوازن أخاذ، يجذب الأنظار بألوانه المختلفة الساطعة والباهرة بجاذبيتها الساحرة.

  ونجد أن العريس يضع  "إكرزي " فوق رأسه لكي يعبر على أنه إذا وجد في عروسه الحب والحنان والصفاء والوفاء وكل الصفات الحميدة سيجعلها تاجا فوق رأسه.

   كما تضع العروس حزامين مزينين بالموزون بألوان معروفة في تراثنا المحلي وهي الأحمر والأخضر الدالين على الحب والسلام والمقاومة وتسميان " إزلفان Izlfan".

الزي عند المرأة الأمازيغية ليس مُجرد لباس وزركشات، إنه تاريخ يمتد لقرون، شهد العديد من الملاحم، في العصر الحديث والقديم أيضاً.

  • *  المجوهرات والحلي:

 إن أهم ما يميز المرأة الأمازيغية عن باقي النساء هي تجملها بالحلي والاكسسورات الأمازيغية العريقة والتقليدية المصنوعة من الفضة ("نقرت Nqourt")، والتي تمثل قطعة فنية ثمينة من التراث، كانت عند الأمازيغية متوارثة منذ القدم، حيث لا تكتمل الإطلالة الجميلة ولا يكتمل اللباس الأمازيغي إلا بها، وتزيد المرأة الأمازيغية جمالا وإشراقة... ومن بين هذه المجوهرات التي تتزين بها العروس نجد:

   "تسغناس Tisghnas" أو "الخلالات": وهي عبارة عن قطعتين فضتين على شكل مثلث تربط بينهما سلسة، وهي رمز من رموز الهوية الأمازيغية، تضعها المرأة الأمازيغية فوق الصدر أو تربط بها غطاء الرأس.

   وتضع على مستوى الرأس فوق "أعبروق" ما يسمى ب "أسنسيرAsnsir " وهو على شكل سلسلة من الفضة الخالصة. إضافة إلى "إنيناتن Ininatn " وهو عقد مصنوع من الفضة كذلك يوضع بدوره فوق الرأس لكي يعطي منظر وشكل جميل .

   وتضع في يديها الدملج أو ما يسمى "أزبي Azbi" ويكون مصنوع من الفضة ذات جوانب حادة. البعض يقول أن المرأة تحتفظ بهذا الدملج لسببين : التزيين والدفاع عن النفس، إلا أنه أصبح يندثر مع التطور الحاصل.

   والملاحظ أن جل هذه الحلي مصنوعة من الفضة الخالصة؛ وإن كان هذا يدل على شيء فإنما يدل على صفاء ونقاء روح المرأة الأمازيغية. 

  هذه هي معظم الحلي التي تتزين بها المرأة الأمازيغية والتي تظهر من خلالها تراثها التقليدي العريق.

  أما فيما يتعلق بالزينة فيعتبر الوشم من أدوات الزينة الضرورية لأية فتاة ناضجة، والوشم عند هذه المنطقة إعلان عن مرحلة نضج الفتاة واستعدادها لاستقبال الرجل والإناطة بوظيفة الزواج، فهو بالنسبة لها بوابة عبور لسن الرشد. ويتجسد هذا الوشم في علامات ورموز وزخارف باللون الأخضر أو الأزرق تناجي بها المرأة الأمازيغية الرجل مبشرة إياه بنضجها العاطفي، تزين به وجهها بشكل فاتن أو عنقها أو يديها، إلا أن الكثير من الأمازيغيات اليوم خاصة في هذه المنطقة واللواتي يحملن وشما في وجوههن يعملن بجهد لإزالته، حيث أصبحن ينظرن إليه كعلامة تشوه أوجههن ولا تجمله كما كان سائدا من قبل، خاصة بعد وعيهم بتحريم الإسلام لهذه العادة.

  • *  الألــوان :

   لها مجموعة من الدلالات داخل الوسط الأمازيغي العطاوي خاصة الألوان المتجسدة في لباس المرأة حيث اختارت ألوان تتناسب ووسطها المعيش، ويمكن تصنيف هذه الألوان إلى ما هو أساسي وما هو ثانوي.

   فالألوان الأساسية عند المرأة العطاوية:

الأسود - الأحمر - الأصفر - الأخضر - والأبيض. 

   أما الألوان الثانوية فنجد:

البرتقالي- الأزرق - البنفسجي..

   فكل هذه الألوان التي اخترتها المرأة العطاوية لا تخرج عن نطاق المقاومة (حب الوطن والأرض ) وقد مثلث هذه الألوان في الإيزار أو "تحرويت" التي تضعه عليها.

*  الألوان الأساسية:

اللون الأسود : يدل على الأصل الصحراوي للقبيلة وعلى قساوة الحياة في المجتمع العطاوي الذي ينبني على الترحال في مجال يغلب عليه الجفاف وقلة التساقطات المطرية، فضلا عن عمل المرأة اليومي ومسايرتها في الأشغال المنوطة بها، والتي تقتضي لباسا يتحمل ما قد يلامسها أثناء العمل، ونجد أن العروس تضع الأسود على كتفيها لإبعاد العين والحسد. فاللون الأسود يقدم رسالة قوية ممزوجة بالسيطرة والغموض.

أما اللون الأبيض: فيوحي بالنقاء والانفتاح والصفاء خاصة ما يتعلق بصفاء ونقاء الروح، فهو لون الطهارة والبراءة، وترتدي العروس الأبيض لتدل على الصفاء. ويتم شرب الحليب تيمنا بجعل الحياة بيضاء، فهو لون الضوء واللمعان.

اللون الأصفر: يدل على المناخ الجغرافي الذي يتواجدون فيه، كما يدل على حب الأرض والتعلق بها، فهو لون أشعة الشمس ولون الذهب الخالص والأمل.

+   اللون الأحمر: يدل على قساوة العطاويين واستعدادهم لمنح دمائهم دفاعا عن حريتهم ومجالهم الطبيعي، ويدل كذلك على الشجاعة التي تتحلى بها المرأة الأمازيغية، أما العروس فهو عندها لون عاطفي يعبر عن عواطف وأحاسيس جياشة، كما يرمز إلى القوة النسائية الخلاقة .

+   اللون الأخضر: ويدل عند العطاويين على خصوبة الأرض الزراعية والمراعي وكذا خصوبة النساء، ويدل على العطاء كذلك، ترتديه العروس لتدل على النمو والانتعاش، كما أنه لون يتجسد فيه  أجواء البستنة.

*   الألوان الثانوية:

-   اللون البرتقالي: لون الرمال ولا يختلف كثيرا عن اللون الأصفر كونه يجسد ألوان المجال الجغرافي الذي يتواجدون فيه، ويرمز للأماكن التي تقطنها هذه القبائل، وهو لون ترتديه العروس لتعبر عن شخصيتها المرحة والمحبة للصداقة، كما أنه يدل على الحب بكل أنواعه  وأسمى تجلياته .

-   الأزرق: لون السماء والهدوء والسلام، والخصائص التي تقترن بهذا اللون هي الثبات والوفاء، وكذا الإخلاص.

-   اللون البنفسجي: يعتبر من الألوان الأقل سطوعا عند العطاويين، إلا أنه يدل على النهوض، وهو رمز عند المحبين والعاشقين، يقوم بإثارة خيالهم ويدعو إلى العاطفة       الصادقة.

خلاصة:

   تعتبر المرأة الأمازيغية رمز العفاف والشرف والنضال الوطني ضد الاستعمار الأجنبي طوال قرون من الزمن، كما هي رمز للهوية الأمازيغية من خلال مجموعة من المؤشرات: كتربية الأبناء، وتعليمهم لغة الأجداد والحفاظ على التقاليد العريقة، ويتجلى هذا المعطى في لباس المرأة الأمازيغية الحقيقية، حيث ظلت محافظة على هذا التراث لمدة طويلة من الزمن رغم المتغيرات التي حصلت في المجتمعات.