ساعات قليلة من الأمطار الطوفانية كانت كافية لتعري عورات بنياتنا التحتية وتُظهر لنا بأن ما يتم الترويج له من توزيع لثروات و مجهودات الدولة المخصصة لتنمية كل مناطق البلاد بشكل عادل لا أساس له من الصحة. 
 
مات من مات و جُرح من جرح و تشرد من تشرد و الخسائر كبيرة تكفي لنقول بأن التمييز الذي يطال مناطق المغرب العميق لازال ينخر برامج التنمية التي تعدها الدولة رغم ما يشوبها من عدم التوازن في توزيعها على كل جهات المغرب. 
 
كل المغاربة يتابعون أخبار فياضانات جنوب المغرب بأسى و حسرة و الجميع متفق على أن تهاطل الأمطار قدر محتوم لا نستطيع الوقوف في وجهه ولكن ما لا نقبله كمواطنين هو استهتار المسؤولين بالقوانين و بكل الخطابات الداعية لتخليق الحياة العامة و العمل من أجل المصلحة العامة للبلاد. 
 
لقد كشفت الفياضانات الأخيرة الكثير من الإختلالات التي يعرفها تدبير الشأن العام و المحلي ببلادنا. فالمغاربة يعرفون جيدا بأن الإستثمارات العمومية رغم ما لها من أهمية في فك العزلة عن جل مناطق البلاد و تسهيل وصول بذور التنمية إليها تشوبها مجموعة من الخروقات التي يغلب على توزيعها و تنفيدها المحسوبية و الزبونية رغم ما تفرضه نصوص الصفقات العمومية و العقود التي تبرمها الدولة مع المقاولات و الشركات المُنفذة لهذه البرامج من قيود و شروط صارمة لضمان جودتها و نجاعتها.
 
المغاربة يعرفون بأن أهم هاجس و وازع يطبع تمرير صفقات إنجاز مشاريع البنيات التحتية و غيرها في جماعاتنا المحلية و المؤسسات العمومية و أجهزة الدولة هو المصلحة الفردية و الشخصية التي تتقوى بمداخيل الرشوة بعيدا عن خطاب النزاهة و الشفافية و الحكامة التي سأم المغاربة من سماعه من أفواه من يتولون تدبير الشأن العام.
 
من حقنا كمغاربة أن نتساءل عن مآل المال العام و كيفية صرفه في مشاريع لا تنفذ كما هو مُقرر لها.
 
لماذا تتم تعبأة كل مجهودات الدولة من مروحيات و جيش و درك و وقاية مدنية في زمن قياسي عندما يتعلق الأمر بمساعدة أجانب أو منحدرين من الصحراء المغربية رغم ما نكنه لهذه الرقعة من بلادنا من محبة و احترام؟
 
لماذا لا تُفعل المساطر التأديبية و العقوبات في حق من يتلاعب بأرواح المغاربة بسكوتهم عن الإختلالات التي يعرفها تنفيد مشاريع فك العزلة و تنمية مناطق المغرب الحبيب.
 
ما الذي يمنع تحريك لجان التحقيق و تحريك المتابعات في حق كل من ثبتت مسؤوليته في مثل ما وقع و يقع من خروقات في تدبير الشأن العام ما دامت كل المواثيق و القوانين بما فيها القانون الأسمى للبلاد( الدستور) يربط بين المسؤولية و المحاسبة و متابعة المتورطين في كل اختلال يتم تحديده من قبل المؤسسات المُخول لها ذلك؟ 
 
هي أسئلة من بين أخرى لنا الحق في طرحها ما دمنا ننتمي لهذا البلد الذي نفتخر بانتمائنا له رغم ما نبديه من قلق حيال ما آلت إليه مصالح البلاد العامة التي فقدت الكثير من سموها في مقابل تغليب المصلحة الخاصة للأفراد و الجماعات كل حسب مستوى المسؤولية التي أُنيطت به و انتظار إجابة شافية من قبل هؤلاء المسؤولين ومن يتحمل مهام مراقبتهم حتى يطمأن بالنا و تعود ثقتنا في القانون و المؤسسات.  
 
و إذا كنا فعلا نسعى لمصالحة المغاربة مع الساسية و استرجاع ثقتهم في مؤسسات البلاد و رجالاتها فكل مكونات المغرب و خصوصا أبناؤه المهمشين ممن يعيشون على هامش التنمية في البلاد ينتظرون إجراءات ملموسة و واضحة و جريئة يكون للقانون فيها و المحاسبة اليد الطولى في معاقبة كل من سولت له نفسه استغلال نفوذه للإغتناء اللامشروع على حساب الوطن و المصلحة العامة. 
 
كل هذا يندرج إذن في إطار تفعيل مقتضيات الدستور الذي أجمع المغاربة في استفتاء 2011 على أنه يستجيب في غالبيته لانتظاراتهم و طموحاتهم المشروعة و القوانين التي يشهد الجميع على أنها تحدد المسؤوليات و العقوبات التى تناسب الإخلال بها و ذلك بعدم التساهل و الضرب بيد من حديد و انزال أقصى العقوبات على كل من أخل بقدسية مركزه و مسؤوليته.
 
الأمر وما فيه يمكن تلخيصه في الحاجة الملحة لتفعيل القانون و العمل على تطبيقه ليشمل الجميع و لا يُسمح لأحد بأن يكون فوق القانون و أن تُوزع ثروات البلاد و اهتماماته على كل أبنائه بدون تمييز حتى يشعر الجميع بأنهم سواسية أمام القانون و التوزيع العادل لخيرات وطنهم الذي يفترض أن يتعامل مع الجميع بمنطق المساواة لا بمنطق المغرب النافع و المغرب غير النافع.