من يتحمل عبء الدفاع عن حقوق النساء المغربيات؟ ومن يحمل همومهن؟ و هل فعلا تُمثل الجمعيات النسائية المعترف بها رسميا كل النساء المغربيات بمختلف أطيافهن و مشاربهن؟ أم أن هذه الجمعيات لا تمثل سوى فئة محدودة من نساء المغرب؟ أليس مجحفا أن نُقزم مطالب كل نساءالمغرب في تلك التي تتبلور في ردهات جمعيات و منظمات تقتصر أغلب أنشطتها على شوارع و أزقة الرباط العاصمة و المدن الكبرى؟من يمثل من إذن؟

في المغرب نساء شاءت الأقدار أن يولدن في ظروف جيدة بالقرب من كل المرافق التي يحتاجها الإنسان و توفرت لهن ظروف التمدرس و التطبيب والترويح عن النفس و بالمقابل هناك نساء تشققت أرجلهن من شدة المشيء بحثا عن عين يرتوين منها و عن حطب للتدفئة في وقت البرد، و نساء يتحملن مشاق العمل ليعلن أسرهن بعدما هاجرهن أزواجهن أو ترملن و هن صغيرات و نساء لا يهتمن بمظهرهن كما الحال عند نساء كل همهن رشاقتهن و مواعيد الصالونات و الصالات الرياضية. هن اذن نساء يختلفن في الهموم و في الأولويات و لا يتشاركن نفس الإنتظارات و تختلف أهدافهن باختلاف الزمان و المكان.

فشتان بين من تبحث عن لقمة العيش و من تسعى لتبذير ما تملك في أمور تعتبرها الأولى من المستحيلات، و شتان بين من لا تعير الإهتمام لحالتها و لمظهرها بالقدر الذي تهتم به المحظوظات من النساء، و شتان بين من يطالب بالمناصفة و المساواة و من لا يعرف حتى القراءة و الكتابة.

فكلنا نعرف معاناة نساء المغرب المنسي الذي وُضِعت مصالحه على الهامش و تناسته السياسات العمومية تكريسا لمبدأ المغرب النافع و المغرب غير النافع، و كلنا نشاهد عبر وسائل الإعلام التقليدية و الوسائط الحديثة كيف يتعايش أهل هذه المناطق المنسية مع سخط الطبيعة و تقلبات الطقس خصوصا عندما تتساقط الثلوج و يشتد البرد و يستحيل التنقل  و تنعدم ضروريات الحياة. 

سياق الحديث عن المرأة المغربية في هذا الوقت هو هذا النقاش الذي اختلقته بعض الأحزاب السياسية و المنظمات النسائية و الحملة المسعورة التي حيكت لمواجهة حكومة عبد الإله بنكيران و محاولة إحراجه في ردهات البرلمان و خارجه بغرض تسجيل بعض النقاط لصالحها مع اقتراب موعد الإنتخابات قصد استمالة النساء بادعائهم تبني قضيتهن و الدفاع عن حقوقهن كما جرت العادة إبان كل مناسبة انتخابية والظهور بمظهر المدافع و المناضل الذي يدافع بشراسة عن عدالة القضية و عن ضرورة العمل من أجل المناصفة كما جاء في الفصل 19 من دستور المملكة. و لأجل ذلك سُخرت بعض الأبواق التي تردد نفس اللازمة و نفس الكلام مدعية تهميش النساء و عدم إيلاء قضيتهن الأهمية التي تستحق و محاولة الإلتفاف حول الدستور و مقتضياته التي تنص على المناصفة و على احترام التزامات المغرب الدولية و تحميل الحكومة المسؤولية في ذلك و كأن هذه الأخيرة هي من تولت زمام الحكم منذ الإستقلال. 

يتضح إذن بأن قضية المرأة في المجتمع المغربي أصبحت موضوعا دسما يثير طمع الجميع و بأن بعض الوجوه السياسية نصبت نفسها مدافعة على المرأة المغربية و قررت الاقتصار في مجمل مرافعاتها على المناصفة و المساواة و كأن نساءالمغرب لا ينقصهن غير هاذين المطلبين فقط.

صحيح أن الحق يأخذ و لا يعطى و صحيح كذلك بأن الجزء الكبير مما وصلت إليه المرأة المغربية لحدود الآن هو نتيجة لنضالات مجموعة من الجمعيات التي تحترم القضية النسائية و تؤمن بعدالتها و دافعت بشراسة من أجل الرقي بمكانة المرأة في المجتمع و ما لا يصح هو أن تتخذ بعض الأحزاب السياسية المرأة كقنطرة للوصول لمآرب أخرى دون أن تكلف نفسها عناء تطبيق ما تطالب به على مستوى تنظيماتها السياسية و النقابية على صعيد كل مستواياتها الهيكلية من مجالس وطنية و جهوية و محلية و مكاتبها السياسية و تمثيلياتها في قبة البرلمان حتى تُظهر فعليا للمواطنين و للمتتبع للشأن السياسي صدق ما تدعيه، و هنا أتفق مع السيد عبد الإله بنكيران في توجهه و هو يُجيب على هؤلاء بلغته المعهودة الممزوجة بالسخرية و ب”حشيان الهدرة” عندما يطالب هؤلاء بإعطاء المثال و إنضاج القضية على مستوى أحزابهم و تنظيماتهم الحزبية قبل أن يُطالبوا بذلك على المستوى الوطني لأن الإصلاح في عمقه يجب أن يشمل كل المستويات لا أن يقتصر فقط على جزء و مستوى دون أخرى.

ليس العيب أن تدافع فئة قليلة توفرت لديها كل الشروط من قرب و ظروف لوجيستيكية عن فئة مغلوبة عن أمرها في مغرب تكاد تنعدم فيه ظروف العيش الكريم و لكن العيب هو أن يُرفع سقف المطالب ليتجاوز ما هو مطلوب من طرف المقهورات من المغربيات ليتوافق مع أطماع المحظوظات منهن حتى يتمكنن من تسلق المناصب و الفوز بغنائم نضال وُجد ليكون نبيلا و تحول لمورد رزق و مورد جاه و سلطة للكثيرات من النساء

فلو كان ما تدعيه هذه الأفواه المسخرة من حملها لهموم و قضايا نساء المغرب صحيحا فلماذا لا نلاحظ على أرض الواقع مبادرات أكثر شجاعة من جانبهم حتى و لو كانت رمزية من قبيل تنظيم قوافل منتظمة للمساعدات الإنسانية بهدف فك عزلتهن و التخفيف و لو قليلا من معاناتهن و هن اللواتي يعرفن جيدا عمق ما يمكن أن تواجهه المرأة  في الجبال و في كل ربوع المملكة و أن لا تقتصر فقط مطالبها على المناصفة و المساواة كشعارين تأثث بهما ردهات البرلمان و شوارع الرباط.

أليس حريا بهؤلاء الذين أقاموا الدنيا و لم يقعدوها في سبيل المناصفة و المساواة اثارة معاناة نساء الجبال المغربية و دعوة من يتحملون المسؤولية في هرم المؤسسات الوطنية لتكثيف الجهود لتمكينهن من ولادة طبيعية مريحة، و خدمات صحية في المستوى و تعليم جيد لهن و لأولادهن و خلق فرص شغل تتناسب و طبيعة التضاريس و طبيعة تكوينهن بدل تركيز كل الإهتمام على المناصفة و المساواة؟

و إذا كان هؤلاء فعلا يحاولون الإنتصار لقضية المرأة و يسعون لخيرها في مواجهة ظلم الثقافة الذكورية التي تطغى على علاقات الرجال بالنساء و ليثبتوا حقا أنهم إلى جانب المرأة المغربية المقهورة و المظلومة و التي تعاني في صمت لماذا لم نشاهد البرلمانيات اللواتي يتزعمن هذه الحملة و معهن أولئك الذين يحاولون إيهامنا بأهمية المرأة في برامجهم و في خططهم يزورون نساء المغرب العميق و يساندونهن في معاناتهن و لماذا لم يتنازلوا مثلا عن جزء من أجرتهم لتجسيد ما يدعونه و يتنازلوا عن أريحية ما هم فيه في مكاتبهم و يشاركوا النساء المقهورات و المعنفات و المهمومات و لو لبضعة أيام معاناتهن و أحزانهن؟

أعتقد أن نوايا البعض تتجاوز المصلحة العامة لتتغذى بأهداف شخصية ضيقة لا تمت للنضال من أجل قضية النساء بشيء لتستقر على أهداف شرذمة قليلة ممن يرون في المناصفة إن هي ترسخت و قامت الدولة بتفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بها فرصة ذهبية لدخول اللوائح الإستثنائية التي ستقررها السلطات في إطار ما يسمى التمييز الإيجابي لفائدتهن كما فعلت في الانتخابات السابقة و هو الأمر الوارد، و بالتالي فما تنادي به تلك الأفواه الحزبية و النسائية قد يكون بالفعل لصالح المرأة و قد لا يكون كذلك لأن ما خفي كان أعظم.