لا يحتاج المغربي اليوم للكثير من الجهد ليتبين حقيقة كسل هذه الحكومة، وكذا فقدان النقابات المغربية لمصداقيتها، ومن الأدلة الواضحة على ذلك تعاملهما المتواطئ مع اختلالات القطاع التعاضدي بالمغرب.
ولأن كل ما كتبناه مرارا عن تعاضدية وزارة التربية الوطنية مثلا، والتي كانت سببا في اعتقال بعض أعضاء مكتبها السابق، لم يكن كافيا بالنسبة للحكومة، وخاصة وزارتي التشغيل والمالية، للبدء في تنفيذ قانون التعاضديات، بغية تفكيك شبكة الفساد النقابي الذي ترعاه نقابة موخاريق في هذه التعاضدية، لكون هذه النقابة والحكومة غير مرتاحتين لأن تكون الصحافة المستقلة، وعلى رأسها «الأخبار»، هي التي تقود اليوم معركة النضال ضد الفساد بكل تجلياته، لأنها تفسد عليهما «متعة» المتاجرة ولعبة «عطيني نعطيك». لذلك لم ينبس وزيرا التشغيل والمالية بكلمة تجاه ما عرضناه من فضائح، علما أن اعتقال الرئيس السابق محمد غيور وبعض أعضاء المكتب السابق المسير لهذه التعاضدية، يضع هاتين الوزارتين موضع اتهام صريح، لكونهما كانتا دوما حاضرتين في كل اجتماعات المجلس الإداري للتعاضدية لمدة عقود، وكانتا تتستران على كل التقارير المالية المفبركة التي كانت تنال التصويت بـ«الإجماع». غير أن الجديد هذه المرة، هو تأكيد مؤسستين مستقلتين ذاتا وزن كبير، هما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومحكمة النقض لكل ما نشرنا، وذلك عندما كشف مجلس نزار البركة عن جملة من الاختلالات التي تعاني منها الجمعيات والتعاونيات والتعاضديات، من ضعف الحكامة في التدبير.
وفي ما يتعلّق بالتعاضديات تحديدا، سجّل تقرير المجلس عددا من نقطِ الضعف في العمل التعاضدي، ومن بينها تعاضدية وزارة التربية الوطنية، ومنها ضعف جودة الخدمات المقدمة للمنخرطين، وضعف آليات المراقبة الداخلية، ونقص في آليات التدبير، وغياب دليل المساطر، وتنامي معدّل الفرق بين عدد المنخرطين وعدد المستفيدين من الخدمات التي تقدمها، فإذا كان المجلس يسجل كل هذه الملاحظات، فإن السؤال المطروح الآن هو ماذا تنتظر الحكومة إذن للقيام بواجبها؟
من جهة أخرى، فحكومتنا الموقرة أخلفت الوعد مع ركب الاجتهاد في تنزيل مقتضيات الدستور، ذلك ما يمكن استنتاجه من الاجتهاد والمجهود القضائيين المعلنين في افتتاح السنة القضائية 2015، ففي التقرير السنوي عن السنة القضائية المنصرمة أعلنت محكمة النقض قراراتها في قضايا هامة تشمل العديد من المجالات التي تشغل بال المواطنين.
في هذا السياق، لا يمكن للمستمع لكلمة رئيس المحكمة إلا أن يقف وقفة المستغرب لحالة الخمول السياسي لحكومتنا التي لا تفوت فرصة للتشدق بالإصلاح ومحاربة الفساد.
والمثال الصارخ في هذا الباب ما جاء بشكل صريح وواضح ولا يحتمل أي تأويل ما يتعلق بالتعاضديات المحدثة بمقتضى ظهير 1963، حيث ذهبت أعلى هيئة في الهرم القضائي المغربي إلى أن المال الذي تديره هذه المؤسسات مال عام، وهو القرار الذي تم تدبيجه في التقرير برهان المرحلة بخصوص ربط المسؤولية بالمحاسبة.
أمام هذا الاجتهاد القضائي الهام لمحكمة النقض وما يقابله من كسل سياسي مريب لدى حكومة لا تتقن إلا رفع الشعارات، يبدو من البديهي وضع تساؤلات عديدة منها:
قبل أن تصدر محكمة النقض كلمتها، ما الذي منع الحكومة في شخص وزيريها في التشغيل السابق والحالي من الحديث عن كل أشكال الاختلال والفساد الذي تعيشه التعاضديات، وخاصة حالة النهب المستمر في التعاضدية العامة للتربية الوطنية؟
وهل سيكون من المقبول القدرة عن الحديث عن سعي الحكومة إلى تخليق الشأن العام من مدخل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهي التي تمارس المحاباة بدلا من الوصاية التي أقرها القانون على قطاع لا زال للأسف يطغى عليه منطق الريع السياسي؟
وهل قدر منخرطي ومنخرطات التعاضدية وذوي الحقوق أن يكون إصلاح أحوال تعاضديتهم ورقة للتسويات السياسية والنقابية؟
وفي هذا الصدد تطالعنا أخبار هذه الأيام بوجود تحركات مريبة بين أعضاء نقابة موخاريق وأعضاء من نقابة يتيم حول إخراج تعاضدية المنشآت الاجتماعية إلى حيز الوجود، إما تقاسما للكعكة أو كمقدم أجر عن التصويت الإيجابي في الجمع المقبل والذي تأخر عن موعده لأكثر من أربع سنوات.
وعلى ذكر السيد «الرئيس» فيبدو أنه أصبح آخر من يعلم بما يجري في عقر داره واختلط عليه الحابل بالنابل. ولنا في ذلك مثالان: الأول هو إنابة الجهاز المسير للتعاضدية عن الجهاز المنتخب من نواب الرئيس وباقي أعضاء المكتب التنفيذي، ذلك ما حدث مؤخرا في لقاء للحوار بين مكتب نقابي لبعض المستخدمين مع مدير التعاضدية ونائبه بالمقر الرئيسي للنقابة بشارع الجيش الملكي، عوض أن يكون ذلك في مقر التعاضدية، ليبدأ السيد المدير كلمته بالاعتذار نيابة عن الرئيس الذي قال إنه في مهمة نقابية وتم إخبار الرئيس بعد ذلك بتقرير مليء بالأخطاء الإملائية واللغوية والقانونية تم إيداعه بالكتابة الخاصة.
ثم عن أي عمل نقابي يتحدث المدير أو الرئيس، الذي هو بالمناسبة زعيم نقابة تعليمية، أمام واقع البيانات والاحتجاجات التي تردهم يوميا عن الإجهاز المستمر على حقوق المستخدمين، ومن بينها رفض منح العطل السنوية، ورخص الرضاعة؟ 
والمثال الثاني لحالة التيه التي يعيشها «الرئيس» هو وقوفه موقف المتفرج أمام مسلسل حروب المواقع  التي تأججت في عهده، والتي يعمل على إخراجها مديره ونائبه الذي استفاد من زيادة سمينة وانتقال مريح للحرم المصون، كل ذلك بعد استدراج أعضاء من المجلس الإداري والمكتب التنفيذي ولجنة المراقبة إلى استفادات ريعية لاستمالتهم لاستصدار قرار تمديد عقدته الجد مكلفة مع التعاضدية. بعد ذلك، لماذا  تصر  وزارة عبد السلام الصديقي، التقدمي الاشتراكي، على الإعراض عن واقع القهر الذي يعيشه غالبية المستخدمين بالتعاضدية، ليس أقلها استحواذ الملحقين من الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي على مواقع التسيير في التعاضدية والاستفادة بسخاء كبير من التعويضات السمينة والتي تضاف إلى أجورهم الأصلية؟
لماذا لا يوفد وزير التشغيل مفتشيه إلى مختلف مرافق التعاضدية للوقوف على حجم المعاناة والغبن الناتج عن التمييز في التعويضات والأجور وساعات العمل وظروف الاشتغال التي يجمع العام والخاص على ترديها منذ تولي المدير الحالي المسؤولية؟
وإلا فليجب كيف وأين تم إقرار الهيكلة الحالية للتعاضدية ومن كان وراء التغييرات التي وقعت في المناصب، وهل يجرؤ على استفسار العديد من المستخدمين الذين لا تطأ أقدامهم مرافق التعاضدية، أم هل يجرؤ على نشر البيانات الخاصة بالمردودية عن كل شهر لكل مستخدم ليوضح لنا سعادته مسوغات صرف التعويضات للذين هم أقل أداء؟
وهل يمكن أن يفسر لنا من يقوم بالصفقات، وما هي مآلات شد الحبل حول مصحة بالدار البيضاء؟ وهل يفسر لنا ما هي معايير الزيادات في الأجر التي تجاوزت 6000 درهم؟ وما هي الصيغة التي يتم بها صرف التعويضات في الجموع العامة؟ ومن المسؤول عن التفاوض مع الفنادق الفخمة التي تعقد فيها الجموع العامة وبأي تكلفة؟ وهل يتم أصلا البحث في خيارات أخرى أقل كلفة في إطار ما يعرف بالمناقصة؟ وهل يتم إعلان صفقة لوكالات الأسفار التي تقدم مختلف الخدمات في الجموع العامة؟
ثم لماذا لم يعمل وزراء المالية السابقون والحاليون في حكومة بنكيران الأولى والثانية، وربما الثالثة كذلك، إلى تفعيل الافتحاص لهذه التعاضدية الغارقة في الفوضى على كافة المستويات؟
وما معنى أن يسكت هؤلاء الوزراء على وضع يعرفونه على الأقل من تقارير لجنة المراقبة التي تضم في عضويتها ممثلا عن وزارة المالية؟
هل هو تطبيع مع منطق السكوت على المنكر، أم أنهم يطبقون من جهتهم شعار «عفا الله عما سلف»؟ أم أنه يلزم انتظار ما يقرب من 30 سنة لنرى تحقيقا أو اعتقالا لكل مفسد في التعاضدية الآن؟ 
ثم لماذا تسكت وزارة المالية عن غياب الشفافية وتطبيق القانون عندما يتعلق الأمر بالصفقات التي ينبغي أن تكون عمومية؟ ألا يعلم هؤلاء الوزراء أن الوصول إلى الترشيد المالي والبشري بالتعاضدية  يلزمه سنوات ضوئية؟ هل يعلمون أن أغلب الوحدات الصحية لا تشتغل لشهور عدة، ورغم ذلك تؤدى كل المصاريف من أجور وكراء وفواتير الماء والكهرباء والهاتف؟ هل يعلمون أن التعويضات عن التنقل والمبيت والتغذية تصرف بأشكال هستيرية بدءا من الرئيس ونائبه وبعض الزوجات بالطبع؟
لماذا على وزارة المالية القبول بالقوائم المحاسباتية المقدمة من طرف التعاضدية، وهي التي طعنت وزارة التشغيل في عضوية ثلاثة من عناصرها داخل المجلس الإداري؟ ولماذا لا يتم إيفاد المفتشية العامة للمالية للكشف عما يجري بمرفق مسؤول عن تغطية صحة ما يزيد عن مليون شخص؟
لماذا يدير وزير العدل وجهه بصفته رئيسا للنيابة العامة عن فتح تحقيق حول كل المظاهر التي تضرب في العمق كل حديث عن العدل والحريات داخل مرافق التعاضدية العامة للتربية الوطنية؟ لماذا لم يأمر بفتح التحقيق حول تصريح أحد أعضاء مكتب التعاضدية بتعرضه للتهديد في شأن إحدى الصفقات، وكأن الأمر يتعلق بعصابة لا بمؤسسة ينظمها القانون داخل بلد قطع أشواطا مهمة في مجال الحكامة؟
وأين هو ممثل الأمة والمدافع عن الأجراء والمستخدمين السي يتيم؟ وأين هم إخوانه وأخواته في مجلسي البرلمان الذين يرغدون ويزبدون عن التفاهات؟ لماذا تشح كلماتهم وينقطع صوتهم عندما يتعلق الأمر بالتعاضدية العامة للتربية الوطنية؟ ألم يجد السؤال حولها طريقا سواء كتابيا أو شفويا؟ أم أنهم يخشون من سماع جواب يعري الحقيقة كما فعل بهم الوزير بلمختار مؤخرا؟
ثم لماذا لا يقدم الأستاذ يتيم موعظة إلى إخوانه المطعون في عضويتهم في المجلس الإداري من طرف وزارة التشغيل بتقوى الله والانسحاب منه احتراما للقانون؟
لكن قبل ذلك عليه أن يستفسرهم لماذا يتشبثون بهذه المواقع بدون حق، مثلما عليه أن يستفسر آخرين من إخوانه كيف وظفوا ذويهم بالتعاضدية.
أخيرا، مع هذا القرار القضائي المعلن، هل سيدرج مجلس جطو التعاضديات ضمن أنشطته لسنة 2015؟