زايد جرو - جديد انفو

قصر السوق المدينة العتيقة الموشومة في الذاكرة بالبساطة في العيش وصدق المشاعر في التعامل  وصبر الساكنة على تحمل محن التهميش والجفاف لسنوات، تحولت لمدينة عصرية في رأس السنة الميلادية: حركة دؤوبة وزحام محموم على الحلويات بأشكالها والمرسوم على وجهها بالشكلاط الأسود "سنة سعيدة " تهافت غير مسبوق على الورود البلاستيكية ودكاكين العطور وصالونات الحلاقة، والكل بهواتف ذكية عالية الجودة والثمن، والشباب بصخبهم المرتفع على متن دراجاتهم النارية وسياراتهم المختلفة أشكالها أو راجلين يسيرون بشكل جماعي متدافعين على المارة، والنبيذ غيّر سلوك بعض الشيب  وزاد في تصابيهم ، وفي تمايلهم ذات اليمين وذات اليسار فرحة مصطنعة ...هي سلوكات  حقا دخيلة على السجلماسيين وأهل تزمامارت المعروفين على مر التاريخ بالعلم والسلوك القويم وصبر الأنبياء والمرسلين ، وتلك  خبائث الحداثة  التي عشقت الساكنة مؤخرتها وتعلقت بدبرها تصنعا، فحتى القط الأعور الذي اعتاد النوم تحت السيارات يلتقط الدفء من محركها  كل يوم ،تغيرت عادته وعف الأكل  وغادر المكان المألوف للاحتفال ربما مع "القطات " بين "قوادس الحي" التي لم تعد في حاجة لخدمات موحا القادوس، وبقي طعامه  الذي يجود به أهل البيت شاهدا  على غيابه حتى الصباح ،فهل سيعود يوما أم أن السنة الجديدة  سافرت به من حيث لا يدري لا الجن الأكحل ولا عفريت القنديل أو الزير ؟.

المنظر والمظهر في الشارع العام لا يعكس حقيقة وضع البيوت الاقتصادي والاجتماعي والثقافي التي ما زالت تعيش الهشاشة والفقر المذقع  وتحت درجة الصفر في النمو ، والمنظر غريب وعجيب يعكس نفاق غالبية أهل المدينة الذين يسكنون البيوت الطينية التي مازالت المشغولات اليدوية الواحية من " لمزبرة حتى لشواري والزنبيل والكُفة ولَمْحَشّة معلقة فيها... " وهم يتجولون بأحذية متآكلة ويتهافتون على "الخردة " وقبل سنوات قليلة كان القمل يتناسل بقوة  ويتكاثر تحت اللباس التحتية ،وتراه عند حلاقي المدينة يمشي بأرجله الستة ويسقط تبعا من الرؤوس بعد مرور آلة " الطوندوز" ومازالوا لحد الساعة يتسابقون على الخضر الرخيص والليمون الرقيق واللحوم البيضاء وإلَمْشان ولقط الزيتون في الواحات من أجل أجرة زهيدة...وبمرور سريع بجانب مفوضية الشرطة ليلا قبل حلول السنة الجديدة بقليل لا ترى غير القاصرين الذين لقطتهم "صطافيطات الليل" وكل وتهمته : منهم  من شم ، ومنهم من لحس، ومنهم من شرب ، ومنهم من أكل، ومنهم من صاحب ،ومنهم من تجوّل ثم نام .. رجال الأمن والدرك والقوات المساعدة ،قاموا بما يلزم وما يزيد ضمانا لأمن وسلامة المواطنين واجبا ومسؤولية وغيرة ،الأسر انفلت منها الحزام والحزم والجزم ،والمجتمع اضمحلت مسؤوليته، والمدرسة تراجعت وظيفتها  التربوية  تحت المذكرات الحقوقية المبالغ فيها،والمدرسون أعياهم النصح والإرشاد لاختلال القيم ...كلها عوامل غيرت المعتاد والمألوف وحولت الهدوء إزعاجا والسكينة قلقا...إنه النفاق الآدمي الأزلي الذي بدأت تجلياته تنمو يوما بعد يوم في  قصر السوق مدينة القبارصة كما كان يسميها طلبة الثمانينيات بفاس ومكتاس ووجدة.