زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو
جلسة "خالتي خيرة " عجيبة فوق الحصى وفوق الأرض المغبرة وهي وحيدة قبل آذان المغرب بقليل كل يوم في رمضان، جلستها تثير القلق بأرض مقفرة لا تنمو بها غير أشجار الطلح والنباتات الشوكية ولا تتحرك في فيافيها ليلا غير الزواحف بالأشكال والأنواع وقد اعتاد المارة بالخلاء رؤيتها بنفس المكان وعلى نفس الجلسة وفي نفس التوقيت، وهي ملثمة تنظر برؤية ثاقبة للأفق، منتظرة ابنا غاب لسنين بالمهجر مغربا طواه البعاد عبر قوارب القهر، لمدة تزيد عن عشر سنوات مرت في العذاب ولا على لسانها غير " إِمّوت " وكلما حل رمضان تحل معه المعاناة لا طعم للطعام فيه ولا رغبة لها في الحديث ولا في من حولها .. تغافل "خيرة " المسكينة الجمع لتخلو ساعات لنفسها لتبكي بعنف وتجفف الدمع خلسة في جنح الظلام بعد ظلم طال أعواما من أهل البيت الذين لم تسمع منهم غير كلمة "خيرة "استخفافا وهي التي تسلقت النخيل من أجل حبة تمر وكم حصدت الزرع وطحنته طحنا لتطعم به أفواه الفراخ الأخرى الجائعة و شمت الغبار ودخان جريد النخل ما لا يطاق لتصنع لهم حريرة " زكزاو" وكم حلبت النعاج والبقر من اجل حليب طري ليسري في دمائهم وهم يتلقفون كسرة خبز من صنعها ليكبروا قليلا ليجحدوا النعم لكن الله عظيم وكبير وما عداه "خنز " وهوام وتراب.
كرم الله "خالتي خيرة" على الدوام بحسن الخلال والخصال وصبرت صبر" بنلوب" وعودة عوليس الابن الأكبر المغترب بعد غياب لأزيد من عشر سنوات والفضاء متسع وخاو ولا فيه غير الأزيز والزفير، وأمواج الرياح بين الفجاج تصرخ من ورائها هو لن يعود فلترحلي رحل النها، .فتسافر بعيدا عن الحدود الجبلية و الرملية خيالا فيراودها حلم عودة الابن ليهدأ العيش قليلا ولو للحظات وتقضي الساعات والساعات في الحلم حتى تزاحمها لفظة "اموت " وتجمع الوقفة لتعود الأدراج .
مازال الانتظار ومازال البكاء ومازالت القوارب ومازال الزمان يبيع العيش بالتقسيط ل " خالتي خيرة" حيث تزاحم الألم بالفرح والانقباض بالانشراح والحنين للمعانقة يخنقها ويعصرها ولا على لسانها غير "إموت " والدعاء له بالعودة لزيارة الاعتاب لضمد الجراح ولو لحظة ثم ترحل حتى اليوم الموالي في نفس المكان والزمان انتظارا للذي قد يأتي ولا يأتي .