جديد انفو ـالرشيدية
احتضنت الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية والمركب الثقافي تاركة الجديدة، يومي 28 و29 نونبر 2025، أشغال ندوة علمية دولية وُصفت بأنها من أبرز اللقاءات الأكاديمية المتخصصة في قضايا اللغة والثقافة الصحراوية. الندوة، التي التأمت بدعم من المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، وبمبادرة من مختبر الخطاب وتكامل العلوم والمعارف، ناقشت موضوع: "أشكال التعبيرات اللغوية في الصحراء المغربية: خصائصها اللسانية وامتداداتها الإفريقية".
جاء انعقاد هذه الندوة في سياق خاص، تزامنًا مع الاحتفاء الوطني بقرار مجلس الأمن رقم 2727 (31 أكتوبر 2025)، الذي أكد أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تشكل الحل الأكثر جدية ومصداقية للنزاع المفتعل حول الصحراء. وهو ما منح للقاء بعدًا استراتيجيًا تجاوز نطاق البحث الأكاديمي ليلامس رهانات الهوية والذاكرة والتنوع الثقافي.
جلسات علمية مكثّفة تكشف عمق اللسان الحساني وامتداداته
عرف اليوم الأول أربع جلسات تناولت قضايا الهوية الثقافية، البنية الصوتية للحسانية، أشكال التعبير الشفهي، وتقاطعات الحسانية مع اللغات الأخرى.
المداخلات افتتحت بمحاضرات ركزت على جذور الثقافة الحسانية وأدوارها التاريخية والاجتماعية، قبل الانتقال إلى تحليلات مقارنة بين العربية الفصحى والحسانية، أظهرت—وفق عروض قدمها باحثون متخصصون—أن الحسانية تُعد من أقرب اللهجات العربية إلى النظام الصوتي للفصحى.
كما ناقش باحثون من المغرب ودول عربية أخرى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لتراث البيظان، وأنماط التعبير الشفهي كالمالحة، الأمثال، حكايات الأسلاف، وشعر “التبراع” النسائي، معتبرين أنها جميعًا تمثل رأسمالًا رمزيا غنيا يعكس هوية الصحراء المغربية.
الجلسات اللاحقة تناولت التفاعل اللساني بين الحسانية والأمازيغية، والأسماء الشخصية في المجتمع الحساني، إضافة إلى تحليلات سيميائية للأمثال الشعبية، وأبحاث ميدانية حول الشعر الحساني، الإيقاع، وبنية الصورة الشعرية.
اليوم الثاني: تركيز على الصواتة والشعر الحساني
خصص اليوم الثاني لقضايا الصواتة الحسّانية، حيث حلّل باحثون تطور حرف القاف في اللهجات العربية، وبنية المقاطع في الشعر الحساني (لغن)، والتناوب الصواتي بين /ق/ و /ݣ/.
وفي محور الأدب الحساني، قدم أساتذة وباحثون قراءات تطبيقية في الوصايا الشعرية، الأمثال، التبراع، والتجربة الصوفية داخل الثقافة الصحراوية، مؤكدين الدور المركزي لهذه النصوص في حفظ الذاكرة الجماعية وبناء الرموز الثقافية للمنطقة.
توصيات لتثمين البحث في التعبيرات اللغوية الصحراوية
اختتمت الندوة بجلسة ختامية أعلنت مجموعة من التوصيات العملية، أبرزها:
استثمار مخرجات الندوة في دعم مقتضيات مشروع الحكم الذاتي بالصحراء المغربية عبر توفير خلفيات لغوية وثقافية دقيقة.
جمع وتوثيق التراث الشفهي الصحراوي من شعر وأمثال وحكايات وخطابات.
إنشاء منصة رقمية تفاعلية للباحثين في التعبير الصحراوي والإفريقي.
تعزيز التعاون الأكاديمي المغربي–الإفريقي في مجال اللسانيات والتراث الشفهي.
دعم الأبحاث المقارنة بين الحسانية واللغات الإفريقية المجاورة.
إدماج التعبيرات الصحراوية في الأنشطة التعليمية لتعزيز الوعي بالتنوع اللغوي المغربي.
حدث علمي بنَفَس استراتيجي
أكد المنظمون أن هذه الندوة ليست مجرد لقاء أكاديمي، بل خطوة نحو مشروع بحثي وطني أوسع يُعنى بصون الذاكرة اللغوية الصحراوية، وتعميق فهم الامتدادات الإفريقية للثقافة المغربية، وتثمين التراث اللامادي في سياق التحولات الاجتماعية واللغوية الراهنة.
وبمشاركة نخبة من الأساتذة الباحثين من المغرب وخارجه، رسخت الندوة مكانتها كمرجع علمي في دراسة الحسانية والتعبيرات اللغوية بالصحراء، وأسست لمرحلة جديدة من التراكم البحثي في هذا المجال الحيوي.
|
|