في الرابع عشر فبراير من كل سنة تحل مناسبة عيد الحب، مناسبة تكاد تغزو العالم بأسره. لم يكن المغاربة في حاجة إلى الاحتفال به  لان المحبة كانت هواء يستنشقونه في المجتمع التقليدي العفوي، وكان الجو مفعما بأحاسيس المحبة من أضيق دوائر الحياة إلى أوسعها، من النواة الأولى  أي الأسرة والعائلة فالحارة، الحومة ثم الموطن، مرورا بالقبيلة، وصولا إلى الوطن والى الإنسانية جمعاء. كان ذلك في الماضي، أما الآن فقد أصبح في خبر كان، فالإنسان  المغربي يوجد في مرمى كثير من الرماح التي مزقت كيانه و أفرغت شخصيته من كثير من القيم الجميلة، كانت رماحا قادمة من الغرب تارة، ومن الشرق تارة أخرى.

فالتأثير الأوروبي جاءنا بمدنية مبهرة بانتاجاتها التكنولوجية والمادية، لم نتباطأ في الارتماء مبتهجين في أحضانها .لكننا الآن استفقنا على أمر جلل، إننا نؤدي الضريبة القصوى والقسوى، ألا وهي أن مجتمعنا بات يفقد على غرار مثيله الغربي كثيرا من  الدفء الإنساني، وكثيرا من المشاعر الجياشة التي تجعل من الإنسان إنسانا، من تضامن و تكافل و تعاون و إيثار. . .كل هذا يمكن اختزاله في الحب و المحبة بين الناس،  فهما الطريق لجلب كل فضيلة، و هما السبيل لدرء كل رذيلة. اندثر كل هذا، ووجدنا أنفسنا و قد تحولنا إلى كائنات جافة متمركزة حول الذات ،غارقة في الفر دانية، و منشغلة بالاستهلاك  و بالجري وراء الماديات ، حتى استحلنا إلى كائنات رقمية، كل شيء لديها يقاس  كما ،عددا،  و مالا.

وكرد فعل عنيف على كل هذا، انتعش شكل آخر من الاستلاب  جاءنا هذه المرة من المشرق. اعني بذلك التطرف الديني الذي أرخى بظلاله على فئة لا يستهان بها  من المغاربة.  استغل موقفهم من الحضارة الغربية أبشع استغلال، ليتم تجنيدهم بشكل لا إنساني. فأصبحوا راغبين عن الحياة بحذافيرها راغبين في عالم موعود زاخر بما لا عين رأت ولا أذن سمعت. استغل جهلهم بروح الدين الإسلامي وبمقاصد الشريعة السمحة . و افهموا بان الوصول إلى السبعين حورية مضمون و بأقصر طريق، ألا وهو التنكر للمجتمع وتكفيره انتهاء بالتضحية بالذات و تقديمها قربانا حين يتعلق الأمر بالانتقام من الزنادقة المهرطقين المجاهرين بالكفر البواح، في أقصى ما يمكن أن  يصل إليه البشر من سادية،  ضدا على قيم التعايش، التسامح، و قبول الآخر.

بين هذا وذاك انقسم المغاربة إلا من رحم ربي.  فهم إما كائنات غارقة في الماديات إلى ابعد حد، وإما كائنات فقدت أي ارتباط بالحياة . وهنا تكمن أهمية إعادة  طرح مسالة الإنسانية بين ظهرانينا ، فرغم أن عيد الحب هو الآخر لم يسلم من استغلال الرأسمالية المتوحشة و الشركات الجشعة التي لا تتوانى   في تسليع أي شيء. رغم كل ذلك فنحن في حاجة إليه. بل لا يكفينا الاحتفال بعيد واحد للحب للتخلص من حياة ضنكا مليئة بالكراهية و الحقد بل علينا الاحتفال كل يوم و على طول، لعلنا نرجع إلى أصلنا حيث كنا فعلا بشرا بمعنى الكلمة.