توافدوا على الميدان من كل جهة ،بسياراتهم الفارهة ، أفرادا وعصابات ، دخلوا إليه مباشرة دون المرور بمستودع الملابس ، لأنهم خرجوا من منازلهم مستعدين أحسن استعداد ، فقد ارتدوا بذلهم من هناك ، ورسموا خططهم ، ووزعوا الأدوار بينهم من قبل ... فلم يكن لذيهم وقت إذن يضيعونه ، ولأنهم "لاعبون كبار" فإنهم "يستحيون" من أن يذهبوا إلى المستودع" ليتعروا " فيه ، و"يستحيون " من أن يظهروا عراة بالميدان أمام الجماهير ، لأن ذلك لا يليق بهم و لا يشرفهم ... حضر إذن كل لاعب وقد ارتدى بذلته الأنيقة وتفقد لحيته بالحلاقة وصقل غرته حتى صارت براقة ... فالمقابلة اليوم مهمة للغاية ، لأنها مقابلة التتويج والنهاية بعد "إقصائيات " وإقصاءات لمن لا يتقن القذف والرماية ...

حضروا إذن ببذلهم الأنيقة ورابطات أعناق مع القمصان متناسقة ... حتى أن من يرهم يستحي حتى من أن يرفع عينيه لينظر إليهم ، ويكاد يقسم أن هؤلاء أشراف أعفة لا يعرفون القذف، ويربأون بأنفسهم عن النزول إلى الميدان للمشاركة فيه ...

أخذ كل فريق مكانه في الميدان ، لم يكن الميدان مخضرا ولا معشوشبا كباقي الميادين ، وليست به مدرجات للمتفرجين ، لأنهم هم اللا عبون وهم المتفرجون ... ولكنه ميدان مؤثث بالموائد والأرائك الوثيرة اللائقة بهؤلاء " اللاعبين الكبار" ، مسلطة عليه الأضواء الكاشفة والكاميرات الشفافة ...

أعطيت انطلاقة المباراة / المبارزة بقذف لاعب من الفريق الأول الفريق الثاني ، رد أحد اللاعبين بقذفة أقوى من قذفة خصمه ... تم تبادل القذف بين العميدين ، وكل عميد يحاول أن يقذف قذفة تهزم الخصم وتوقفه عند حده ... حمي وطيس المقابلة وارتفعت حرارتها ، ومعها حرارة اللاعبين ، وانتفخت أوداجهم وعروقهم ، واحمرت وجوههم ، وبدأ الرذاذ يتطاير من أفواههم ، وفقدوا التحكم في أعصابهم ، فزادت قدرتهم على القذف وصارت أقوى وأبعد ، حتى صارت قذفاتهم تتجاوز اللاعبين ، وتخرج من الميدان لتصل إلى البيوت فتصيب"الفاملة والطاصلة" والدين والملة ... تفنن كل لاعب في قذف لاعبي الفريق الآخر "من الطرف إلى الطرف" حتى وصل القذف الأموات ، وصل الأجداد والجدات ... كيف لا والفوز بهذه المقابلة يفتح أبوابا عدة : باب الواجهات ، وباب الميداليات ، وباب السفريات ، والتعويضات ...

زادت حرارة اللاعبين وانحبست أنفاسهم ، وسعوا الطوق حول أعناقهم بأن زادوا من فتح الرابطات ، لفسح المجال لحناجرهم للتنفس أحسن والقذف أكثر ... بل منهم من ألقى بها وبالبذلة جانبا ، لأنها تجعله أكثر حرارة وأقل حركة ... مما يعيق رده على قذف الخصوم ...تطايرت المعاطف في الميدان ، وتحركت الكراسي من المكان ،وسقطت كل الأقنعة ، وتعرت الأبدان ،وطار الحياء ، وسقطت إنسانية الإنسان ، وصمت الأصوات الآذان ، وعجزت العقول عن البيان ... فالنتيجة في مثل هذه المقابلات لا يحسمها الدليل والبرهان ، ولا اللياقة والإتقان ، ولا النطق باللسان ... بل تحسم بالأيدي توجه إلى الأنف والأسنان ... !
انتهت المقابلة دون رابح أو خسران ، وأسفرت عن توافق الخصمين في السر والكتمان ، توافق الذئاب مع الخرفان ، على اقتسام المرعى بالشبر والغنائم بالميزان ...

إنصرف "اللاعبون الكبار" بعد أن تعروا في الميدان يحملون ،بلا حياء ،ملف لعبة :"القذف من الطرف إلى الطرف " !.


فاس : دجنبر 2013