عاشت العلاقة الفرنسية المغربية مؤخرا توثرا غير مسبوق على خلفية استدعاء قاضي تحقيق فرنسي لمدير المخابرات المغربية المعروفة اختصارا ب(الديستي ) للمساءلة بعد ما قيل أنه شكاوى تقدمت بها جمعية فرنسية لحقوق الإنسان تتهم المدير بالتواطؤ في ممارسة التعذيب لتتناسل على أثر ذلك الأفعال وردود الأفعال العاكسة لهذا التوتر ولعل أهمها :

• سحب المغرب للقاضية لقاضية الاتصال المغربية المعتمدة بباريس لعدم توصلها بالتوضيحات الضرورية حول الموضوع
• استدعاء السفير الفرنسي بالرباط لمقر وزارة الخارجية المغربية لتبليغه احتجاج المملكة،
• إرجاء زيارة رسمية فرنسية للمغرب كان مقررا أن يقوم بها مستشار الرئيس الفرنسي للرباط
• اتصال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند بالعاهل المغربي لتبديد سوء التفاهم
• إصدار وزارة العدل والحريات بالمغرب لبلاغ تقرر فيه تعليق تنفيد جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين
• تنظيم وقفة احتجاجية بالرباط احتجاجا على تصريح منسوب لجيرار أرو سفير فرنسا بأمريكا أفشاه الممثل الإسباني خافيير بارديم المعروف بولائه للبوليساريو ،الذي شبه فيه المغرب ب "عشيقة، تنام معها، ورغم أنك لا تحبها تكون مرغما بالدفاع عنها ا" في تلميح لسكوت فرنسا عن عدم احترام المغرب لحقوق الإنسان .

هذه الرجة القوية هزت العلاقة القوية والجيدة بين البلدين فاختلفت التفسيرات والتأويلات في سبب هذه الأزمة وتوقيتها فقد ربط عدد من المغاربة هذا التصعيد بأياد خفية لا يعجبها الدور الذي يضطلع به المغرب وعودته القوية للقارة الإفريقية، كما أن المجهودات الإصلاحية التي يبدلها المغرب والاستقرار الذي ينعم به ، ووقدرته على تصفيته إرث ثقيل في ملف حقوق الإنسان، وغير ذلك مما يعتبره أصحاب هذا الطرح أسباب كافية لتحرك أعداء المغرب وأعداء وحدته الترابية وتجعلهم يبذلون كل ما في وسعهم لتأليب صديق قديم للمغرب ... خاصة وأن ما وقع تزامن مع زيارة العاهل المغربي لعدة دول إفريقية تعتبرها فرنسا حديقتها الخلفية، وبذلت أموالا وجهودا للحفاظ عليها تحت مظلتها، و لن تسمح لغيرها بجني الثمار لنفسه.. لذلك اعتبر أصحاب هذا الطرح الموقف المغربي موقفا حازما وجديا لأن فيه دفاعا عن كرامة المغرب إذا عُلم أن الشكاية بمدبر المخابرات جاءت من أفراد عاديين ومن أشخاص سبق إدانتهم في الإجرام ، وتبليغها كان بأسلوب فج يخرق كل الأعراف الدبلوماسية المتداولة بين البلدين، ومن تم كانت قرارات المغرب تعبيرا عن سيادة دولة ، وتعبيرا عن انتهاء زمن الاستعمار والاستعلاء لذلك انبرت أقلام رسمية وغير رسمية تدافع عن المغرب وتهاجم فرنسا فقد ورد في بلاغ لوزارة الخارجية المغربية أن "المغرب يرفض رفضا باتا المسطرة الفجة التي تم اتباعها، والمنافية لقواعد الدبلوماسية المعمول بها، وكذا الحالات القضائية التي تم التطرق إليه، والتي لا أساس لها". ووصفت الوزارة الحدث بأنه "خطير وغير مسبوق" في العلاقات بين البلدين، من شأنه المساس بجو الثقة والاحترام المتبادل الذي ساد دائما بين المغرب وفرنسا"،لذلك فالمملكة المغربية "تطالب بإلحاح بتقديم توضيحات عاجلة ودقيقة بشأن هذه الخطوة غير المقبولة وبتحديد المسؤوليات".

في مقابل ذلك تعالت أصوات أخرى بفرنسا كما بالمغرب تدافع عن استقلال القضاء، وتدعو إلى محاسبة ومعاقبة كل مسؤول يستغل موقعه لتعذيب أي إنسان ، وترى في موقف فرنسا موقفا عاديا إذ يخول لها قضاؤها المستقل استدعاء كل من ترى أنه انتهك حقوق الإنسان ، خاصة بعد أن نفت خارجية فرنسا صدور أي كلام يقلل من شأن المغرب عن سفيرها بأمريكا، ورأى عدد من الفرنسيين أن الرد المغربي كان أكبر بكثير من الحدث وهذا ما حذا ببيار بريهام احد محامي المشتكين الذين تقدموا بدعوى ضد مدير المخابرات المغربي إلى التعبير عن تفاجئه من رد فعل المغرب عندما قال "ان المغرب استخدم السلاح الذري لقتل ذبابة".

الآراء متعدد ومتضاربة لكن الأكيد أن البلدين سيخسران أكثر إن ازدادت الأزمة تفاقما، وقد تكون فرنسا الخاسر الأكبر ، إذ لها في المغرب مشاريع واستثمارات ضخمة، فبعد أن خسرت حصتها في اتصالات المغرب لفائدة شركة إماراتية ، أكيد أنها لن تكون مستعدة للتضحية بمشاريع كالتدبير المفوض للماء والكهرباء والنظافة والتطهير السائل في عدة مدن مغربية، ولن تكون مستعدة لتوقيف مشاريع كمشروع ا(لتي جيفي) ( TGV) ومعمل( رونو نيسان) بطنجة الذي تنوي فرنسا من خلاله الهيمنة على سوق السيارات بإفريقيا أضف إلى ذلك المحطة الحرارية المزمع إنشاؤها بآسفي وشراء الأسلحة التي يعد المغب من أكبر زبتاء فرنسا... صحيح أن المغرب تمكن في السنوات الأخيرة من تنويع شركائه فانفتح على تركيا في الطرق السيارة والموانئ، وعلى الخليج كما بدا في تهيئة ضفتي أبي رقرار وتذبير الحاويات في ميناء طنجة المتوسط، وعلى أمريكا ... ولعل هذه الأمثلة وغيرها كافية لإزعاج الشركاء التقليدين للمغرب ( فرنسا وإسبانيا) اللتين تعيشان أزمة خانقة وفوزها بمثل هذه الصفقات كان سيساهم في التخفيف من أزمتها فالاقتصاد هو المتحكم في دواليب العلاقات بين الدول، وتاريخ البلدين كفيل بتبديد أي اختلاف ، فيا ما مرت العلاقة المغربية الفرنسية من هزات منذ الحماية ومرورا بمرحلة ميتيران لكن البلدان تمكنا من تجاوزها ،
لكن مثل هذه الخلافات تكون مناسبة لمن يحب الاصطياد في الماء العكر وتوزيع التهم ذات اليمين وذات والشمال ، والتنفيس عن نفسه ببث السموم ومحاولة استغلال فيغدو من السهل إيجاد التبريرات والتأويلات : فهماك من استغلها دينيا بإرجاع هذه الأزمة إلى الصراع بين أجهزة الأمن المغربي وشبكات مسيحية تنشط في مجال التبشير ، بعد ما أوضح أن منظمة العمل المسيحي لمناهظة التعذيب التي ضيقت عليها الديستي الخناق ومنعنها من توسيع عملها التبشيري بالمغرب هي من كان وراء تحريك الدعوى ضد عبد اللطيف الحموشي مدير المخابرات المغربية ،وبين من أرجعها لعوامل لغوية وضغط فرنسا من أجل الحفاظ على مكانة اللغة الفرنسية بالمغرب مع ضهور أصوات تطالب بجعل الإنجليزية لغة ثانية في المغرب بدل الفرنسية ، وبين من أرجعها لعوامل سياسية اقتصادية كما ذكرنا آنفا ....

ومهما تكن الأسباب فإن تعليق المغرب جميع الاتفاقيات القضائية بين البلدين سيكون له عواقب آنية على ألآلاف من مزدوجي الجنسية ممن يحملون الجنسية المغربية والجنسية الفرنسية كما أن القرار قد يجمد مئات الوثائق المتعلقة بالزواج والطلاق والتبني والمشاكل الأسرية ...

يبدو من خلال معظم الآراء المتداولة أنها تناقش ردود الفعل، وتبحث عن حلول لهذه الردود فيما تم تجاهل سبب المشكل ، وهو هل هناك تعيب منهجي في المغرب أم لا ؟؟ خاصة وأن الوزير موقع بلاغ وزارة العدل والحريات القاضي بتعليق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين بسب استدعاء مدير المخابرات المغربية هو نفسه من كان يتظاهر واعتقل يوما ضد ما كان يقول أنه تعذيب في" معتقل تمارة " قبل أن ينتقل ملف "المعتقل" إلى مجلس النواب ومطالبة فريق حزب العدالة والتنمية بالبرلمان والذي كان يترأسه الوزير الحالي للعدل بتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق وهو ما أمر به وزير العدل أنذاك المرحوم محمد بوزبع لينتهي التحقيق إلى أن المعتقل المزعوم ليس إلا إدارة لجهاز المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني التابع للحمدوشي المطلوب الآن بفرنسا، مما يضع وزير العدل والحريات في موقف حرج: بالأمس كنت تتظاهر وتتهم الجهاز بالتعذيب واليوم تعلق كل التفاقيات القضائية دفاعا عن رئيس الجهاز !! .

الأكيد أن ألعلاقة بين فرنسا والمغرب علاقة قوية ( وهي أكثر علاقة بين عشيقين لكن ليس بالتعبير الذي نسب إلى السفير) تتحكم فيها خيوط الاقتصاد والمصالح المتبادلة، وهذه الأزمة وإن كان لها تأثيرها اليوم ، فهو تأثير آني ومحدود في الزمان، لكنها لن تكون قادرة على الذهاب إلى أبعد الحدود، وقد تكون الاتصالات الجارية حاليا قادرة على تضميد الجراح، ويبقى المشكل في الاتفاقيات المعلقة، ومصالح الناس المعطلة ، وكثير منهم كان مصمما على زواج او تبني أو أتباث هوية أو حصول على جنسية ...

وفي ما يلي نص بلاغ وزارة العدل والحريات المغربية :