وأنا ذوات أيام أمر بأزمة صحية مفاجئة وقاسية، غفوت أتأمل فيما بين الناس والأسقام، فقلت هم المسؤولون عن الصحة والمرض، هم الداء والدواء، هم أصحاب القرار والاختيار، قال تعالى:" مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ"النساء/79؟؟.كانت رحلة علاجي الغريبة فقط من "القريعة" إلى "أولاد حدو"، وقد نظمها العم سعيد، الرجل الذي سعى طوال حياته للاستثمار في ما تعلمه من تقنيات التنشيط، وحصل عليه من ديبلومات التربية، وتطاوع له من كفاءات التنظيم ومهاراته، وما يتناهى إلى علمه كل يوم من الرحلات الترفيهية والأنشطة السياحية المكثفة وفوائدها؟؟. ولأن الناجحون دائما هم من يستثمرون في مواهبهم وهواياتهم قبل كفاءتهم والمتاح لهم، فقد أسس العم سعيد جمعية تربوية جعل شعارها:"أمر التربية هو كل شيء وعليه يبنى كل شيء"، فنظم للأطفال ما لا يعد ولا يحصى من الصبحيات والأمسيات والخرجات والرحلات والدوريات والمسابقات والمهرجانات والمخيمات الناجحة حتى الفئوية والموضوعاتية منها، وحتى يواكب فئات الأطفال في عنفوانها وشبابها فقد فتح العم سعيد أيضا مركز الرائد للتكوين والتأهيل والتدريب، وكان الإقبال عليه منقطع النظير، حتى أن الأمر بحكم الموضة وخبرة التسويق كان فرصته لمجرد الاغتناء دون رسالة تربوية تذكر، لكن ضميره الحي وسمعته الطيبة منعاه من ذلك فانكب على تكوين الشباب تكوينا حقيقيا وإكسابهم العديد من مهارات التنمية الذاتية ومتطلبات الحياة المعاصرة السليمة، مما جعل المركز فعلا مدرسة تدريبية واستشارية واستثمارية رائدة من الشباب وإليهم؟؟.

ولأن مشروع العم سعيد أكبر من الأطفال والشباب، وله نظرة شمولية وتكاملية للتربية يستحضر فيها العديد من الهيئات والمؤسسات الوطنية والدولية استحضاره للأسر والمدارس باعتبارها من المحاضن الطبيعية للأبناء وكل انفراج أو اختناق يكون فيها حتما يطال الأبناء ويؤثر على حياتهم السليمة والطبيعية، من أجل هذا فقد أسس اليوم العم سعيد الوكالة العالمية للأسفار السياحية والتكوينية والاستشفائية، لم تكن فيها الدعاية مغرضة ولا مجانية ولا حتى مهنية تنافسية، لم تكن وجهتها نحو أشهر العواصم السياحية الغربية ولا نحو أشهر الأرخبيلات السياحية الأسيوية المخملية، لم تكن نحو عجائب الدنيا السبع ولا نحو مزاراتنا الحضارية في الشام وتركيا والأندلس، لم تكن حتى نحو الأراضي المقدسية و الديار المقدسة حتى يحقق بها المحظوظون من الناس فرصة العمر في حج وعمرة في زمن أصبحت فيه "القرعة" حجر عثرة حقيقي في وجه تحقيق الأمن الروحي للمواطن، وتلبية ما يهيج به قلبه من أشواق للطواف وما يلهج به فؤاده من حب للزيارة؟؟.

وبعكس كل التوقعات فما أن أعلن العم سعيد عن رحلته حتى فاقت التسجيلات كل الأرقام القياسية وبأبعادها الدولية، ومما زاد كبرى الوكالات السياحية العالمية تيها وحيرة في أزمتها الخانقة أن شروط الرحلة كانت غريبة وقاسية وإخراجها جد متواضع وبدائي تكاد تنتفي فيه كما قلنا أبسط أبجديات السياحية المعروفة، تفسير واحد ربما قد يفسر ما حدث ويحدث من إقبال كثيف وهو أن الرحلة استثمرت في الاستشفاء باسم السياحة وأن الناس اليوم في أمس الحاجة إلى الوعي والصحة أكثر من السياحة والترفيه، لم يكن إخراج رحلة العم سعيد "بزنطيا" ولا "رومانسيا"، لم يكن فرعونيا دوليا ولا عولمة فاحشة عابرة للقارات، لم يستوحي فيها رحلة الصيف والشتاء أو شموخ البحر وعظمة الصحراء، لم يستوحي ليالي ألف ليلة ولية الماجنة في القارة الصفراء، ولا مواخير الغرب البئيسة في القارة السمراء، والتي ليس لها من السياحة إلا الشذوذ والخمر والميسر والأزلام وكلها مهلكات من عمل الشيطان؟؟.كانت رحلة العم سعيد سياحية تكوينية نعم ولكنها استشفائية علاجية قبل كل شيء، كان روادها من كل الأقطار والأمصار وهم كما يبدو من الهلكى الذين لم تترك فيهم الأمراض المزمنة عرقا ولا عظما إلا وزرعت فيه سقمها فأينع وترعرع وأصبح بالسقم ينبض وبالألم يئن؟؟.

شددنا الرحال جوا وبحرا وبرا إلى "أولاد حدو" رفقة المنظم العالمي العم سعيد ونحن نبتغي الحكمة والصحة والعافية والأمن والأمان والسلام، كان الجل من أكبر الموظفين الساميين الذين كادت أعمالهم المضنية تستهلكهم عن أخرهم كأي قطعة غيار منتهية الصلاحية، قاسمهم المشترك أن غابات الإسمنت المسلح للمدينة قد أفشت فيهم أعطابا نفسية وعضوية لا تعد ولا تحصى،"القريعة" وحدها أنا دمرتني، في كل يوم ضغط وتوتر، ازدحام واختناق، خلافات تافهة وسباب عنيف وشجار فاجر، نشوب سرقات وحرائق مدبرة، منافسات وشكايات ونكايات، بناء محلات ليلا وإغلاقها وهدمها نهارا، ضرائب وإتاوات ووساطات و"رشوات"، تهريب السلع وتزويرها وحجزها، احتراق المحلات و ضياع رؤوس الأموال، صور من "الفراشة" والصخابة الموسميين وأطنان من المهملات و الأزبال المتوالدة صباح مساء، التشريد والمهانة بكل فظاعة وكأن المواطن المسكين من فرط رحمة المسؤولين واهتمامهم به قد كتب عليه انتزاع لقمة عيشه اليومي من هذا الجحيم المتجدد والتخلف الذي لا ينتهي، وهو الذي يعتقد أن كل ذنبه أنه يحاول جهد المستطاع تقريب الخدمات من المواطنين وبالأثمنة المناسبة؟؟.لذا فها نحن اليوم قد سقطنا واعتلت صحتنا، وما بقي لنا من أمل إلا المشاركة في الرحلة الاستشفائية للعم سعيد من "القريعة" الكولومبية إلى "أولاد حدو" الأمازونية، لقد انتظمنا قي أفواج وكأننا من السكان الأصليين لأمريكا أو أستراليا قد حضرنا إلى "أولاد حدو" لاكتشاف منابعنا الأصلية وصلة الرحم مع ذوينا وأسلافنا و تعاليمنا وتاريخنا العام والاستقاء من طبيعته التي لم تترك فيها المدينة والمدنية إلا الأسقام؟؟.منظر غريب فعلا لا لباس نرتديه نحن القوم إلا ما ستر العورة بالكاد، نحن حفاة عراة وفي كتف كل منا كيس سهام وكأننا في رحلة صيد بدائية، لا نظارة ولا قبعة ولا غليون ولا سجارة ولا أي شيء مما يمت إلى المدينة والعصر الحالي بصلة، لا مأكل ولا مشرب إلا ما تجود به الطبيعة في فيافيها ومعابرها وأدغالها وما أجودها فاكهة وأعذبها ثمارا وكلها دواء؟؟.لقد وقف بنا دليلنا العم سعيد ذو السحنة الداكنة واللحية المسدلة والحقيبة الخضراء والسهام البنية والنعال النخلية، وقف بنا في رحلتنا على أشجار لم تعد مثمرة وعلى بهائم لم تعد مسخرة وعلى عيون مياهها رقراقة لم تعد مشروبة وعلى مغارات وكهوف لم تعد مسكونة ، وعلى معابد لم تعد بتراتيلها مكبرة صداحة،وعلى صخور منحوتة شتان بين تعابيرها الهيلوغرافية وكلامنا العالمي الممسوخ الغاضب الشديد و المحارب الدائم...؟؟. وأخيرا ها هي الأفواج من المرضى والهلكى العالميين تصطف في دائرة عريضة أمام كوخ لا أدري كيف أصبحت شخصيا وأنا المريض حكيمه وبكل جرأة خرجت من مغارتي إلى القوم أبدأ معهم رحلة العلاج بكل وصفاتي النفسية والعضوية التاريخية المعهودة، تقدمت وسط القوم وهم في دائرة عريضة تتأوه والطبول المشتعلة والنيران الملتهبة أما مها لا أدري هل تحضر أرواحها أم تلهم خيالها وهل تحرق أوهامها أو تزيد من أوجاعها،المهم أنني وسط الطقس الغريب بدأت أحدث القوم وأنا في الحقيقة لا أحدث إلا نفسي:

1- السلام..السلام..السلام على من اتبع الهدى:" فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا "صدق الله العظيم،كم يصيح المرء أدركنا يا حكيم فقد هدنا السقم،لماذا،لأنه يخاف من الردى،والأمر ليس بسبب الألم أو غيره ولكن الأمر بيد الله، يحيي من يشاء ولو بعد مرض عضال ويميت من يشاء ولو كان صحيحا معافى..نعم أعمارنا بيد الله متى أراد استردادها استردها شئنا أم أبينا،هل ضرب الله لعبد موعدا حتى يخلفه،هل وعده بالستين أو السبعين والثمانين حتى يغصبه،كم يلزمك يا بن آدم حتى يكون ما في أللآخرة عند الله وهي الباقية خير وأحب إليك مما عندك في هذه الدنيا الفانية؟؟.

2- ويصيح المرء أدركنا يا حكيم فإن الألم فظيع في كل لحظة يمزقنا ويحرمنا طعم الراحة، ونحن نريد حظنا المشروع من العيش في سعادة،والحقيقة أن السعادة بالدرجة الأولى في الصبر والإيمان والعمل الصالح،قال تعالى:"مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"النحل/97؟؟.وليس في الفقر أو الغنى ولا في الصحة أو المرض،ثم ما هي حقيقة الصحة؟؟.

3- يعتقد الناس أن الصحة هي مجرد جسد صحيح غير عليل،والواقع أن الصحة عقل سليم ونفس مطمئنة وجسد غير عليل وحياة اجتماعية سعيدة وهنية؟؟.فما فائدة جسد حصان في عقل حمار أو عصفور كما يقال؟؟.ما فائدة جسد يحوي عقلا أحمقا مجنونا أو نفسا شريرة كئيبة مهلكة؟؟.وقد يقول المرء أن الصحة كل لا يتجزأ والسعيد من متعه الله بكل أعضاءه،ولكن هل وعد الله أحدا أن يتركه كل حياته بكل أعضائه،هل من المستبعد أن يفقد المرء -لا قدر الله- يوما عينيه فيصبح أعمى أو رجليه فيصبح مقعد،حقائق نراها كل يوم ولا تمنع مبتليها من التكيف مع الحياة ولو بعد حين،فلا تبالغوا في معنى الصحة وتريدونها كل شيء وقد عرفها الرسول (ص) بمجرد من أصبح معافى في بدنه وعقله يملك قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها،أملوا في الله خيرا ولكن لا تمنوا أنفسكم أكثر من اللازم فكل شيء بقدر ما هو مستبعد بقدر ما هو ممكن،؟؟.

4- ورغم كل شيء يصيح المرء "العقل السليم في الجسم السليم في البيئة السليمة"،ولكنه عمليا ينسى معنى مهما وهو البيئة السليمة،والبيئة السليمة هي مكمن الخلل الفظيع في حياتنا المعاصرة،الله خلقنا وسط هذه البيئة بكل مكوناتها الحيوية الحيوانية والنباتية والجمادية،ولا بد من تعايش نفعي وخدماتي بينها كلها وبشكل لا ضرر فيه ولا ضرار، وكل مكون بيئي أراد الاستئثار بالحياة وحده دون غيره أضر بنفسه أولا قبل غيره،فهل من وعي بيئي ينقدنا وهل من تسامح حقيقي بين المخلوقات وليس بين الناس وحدهم؟؟.

5- ونحن الذين نظن أننا نحاول تزيين مدننا بالمناطق الخضراء والمنتزهات الفسيحة والحدائق الغناء، لكنها في الحقيقة تظل رغم كل شيء مجرد غابات من الإسمنت المسلح،تنشر الموت أكثر من الحياة؟؟. ونحن الذين نظن أننا لم نبخل بالغالي والنفيس من أجل الراحة في مساكننا و الترفيه في مدننا؟؟.الحق والحق أقول أن الحياة شمولية وتكاملية ومهما ركز الإنسان فيها على جانب دون الجوانب الأخرى كان فيه هلاكه مهما بدا له محبوبا أو ضروريا فهو لا يعدو إلا أن ينمي فيه جانبا نموا سرطانيا على حساب الجوانب الأخرى؟؟. فأين أنتم من الحياة الروحية والنفسية والاجتماعية،أين أنتم من الحياة التربوية والثقافية والفنية،حياتكم مادية محضة وفي ماديتكم ما أهلككم؟؟.

6- فما المخرج يا قوم ما المخرج؟؟.طبعا نحن الداء ونحن الدواء... أنتم الداء وأنتم الدواء...ولكن لدينا- مع الأسف- الكثير الكثير من معوقات الصحة النفسية قيل الجسدية وتلك هي المعضلة،خذ مثلا:

1- مسألة الأسرة،كم أسرة تؤمن الحاجة العاطفية الوجدانية والراحة النفسية لأبنائها،واليتيم الكبير الذي فقد والديه أو أحدهما،أين يستقي حاجته العاطفية الوجدانية،وكيف سيعيش سويا بدونهما؟؟.

2- مسألة التكوين على القيم وغرسها...وكيف أهملتها المدرسة و الإعلام وحتى المسجد...حتى غدت تناقضات القيم وحروبها جد صارخة،فلا تكاد تجد المجتمع الواحد يجمع على شيء أدى إلى الهدم أو ساعد على البناء؟؟.

3- مسألة التوفر على هدف في الحياة،ومدى سلامة هذا الهدف ونبله وحافزيته،ومدى توافقه مع أغراض الله من خلقه والتعايش السليم مع عباده،هدف حقيقي ليس مجرد متمنيات لا تبذل أية مجهودات ولا تضحيات من أجل تحقيقه فبالأحرى الإصرار والمثابرة من أجل ذلك،وكم من الناس اعتاد العيش بما اتفق وكيفما اتفق بعيدا عن ثقافة الأهداف والرؤية والرسالة والبرمجة والتخطيط وفي كل ذلك اضطراب وفوضى وأية فوضى؟؟.

4- المسألة الاجتماعية والعمل المدني،وهي الغاية الكبرى من العيش والعامل المؤسس للسلم الاجتماعي والمعيار الحقيقي للتنمية المستدامة،ومن أجل ذلك شرعت الصدقات والزكوات فقال تعالى:" ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو"البقرة/219"،وقال رسول الله:"من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له"رواه مسلم.من هنا فالحياة لا طعم لها إلا بالشكل الجماعي و أيما امرئ حاول عيشها بمفرده دون الآخرين أتعبته غاية التعب وإن بدا مظهريا أنه سعيد ففي عمقه وحشة لا يؤنسها إلا القرب من الله والاختلاط بالطيب من الناس والمتعاونين منهم،وما أروع أن يكون للمريض أقرباء ومعارف يسعون للتخفيف عنه والإشارة عليه حتى وكأنهم الدواء الشافي والكافي،فأين نحن من شبكات العلاقات الاجتماعية وأين نحن من ثقافة وسعادة وشرف خدمة الآخرين،والخير ما عم وانتشر لا ما قل وانحصر،فأين نحن من السعي في إحقاق الحقوق ومحاربة الفقر والوساطة والعقوق؟؟.

5- ومسألة المواطن والمقاربة الصحية للدولة بين الوهم والحقيقة،وفي هذا الصدد وبكل موضوعية قد كثرت المستشفيات وتحققت بعض حقوق الاستشفاء ك"الرميد" و انخفاض أثمنة بعض الأدوية،وتحسنت العديد من الخدمات الطبية كما وكيفا مقارنة مع ما كانت عليه،ورغم هذا تظل الحاجة أكبر وأكبر وتظل الشكوى أكثر وأكثر؟؟.ولاشك أن المسؤولية مشتركة وعلى رأسها مسؤولية المواطن الذي لو تشبع بثقافة:"الوقاية خير من العلاج"لحقق لنفسه من الصحة والسلامة ما لا يمكن للدولة رغم جهودها وإمكانياتها أن تحقق له ولو عشر معشاره،خذ مثلا العديد من الأمراض النفسية والانحرافات العقائدية والسلوكية والأمراض المنقولة جنسيا وغيرها من أمراض التعفنات وأمراض الإدمان والمخدرات وأمراض الضغط والتوتر والفطريات والطفيليات والصرع والأعصاب والإمساك والبدانة والسكري والمرارة والتصفية...،وكلها أمراض تستفحل اليوم وتملأ أسرة مستشفياتنا ومصحاتنا على نذرتها وغلائها الفاحش،ويمكن للمرء إلى حد بعيد أن يكون فيها طبيب نفسه ويضمن في علاجها نتائج باهرة،كما يمكن للسادة الأطباء المحترمين أن يساهموا في هذه العلاجات وبشكل جد فعال لو تفقهوا واعتمدوا في تدخلاتهم وإسعافاتهم جانبا أساسيا في العلاج في كل الكون وعلى مر التاريخ ألا وهو الجانب النفسي،لا أدري لماذا يغيب الهديد من أطبائنا هذا الجانب النفسي في المعاملة والعلاج وهو الذي كان يترك المريض قديما يتحمل إجراء عملية جراحية أو نزع ضرس دون تخدير،بل كان يسبب ويدعم ويعجل الشفاء للعديدين دون إجراء أية عملية،فمتى يكون شعارنا فعلا:"درهم وقاية خير من قنطار علاج"،ومتى يكون شعار أطبائنا وممرضينا وإدارة مستشفياتنا:"حسن المعاملة أساس العلاج"؟؟.

6- وأخيرا بين الصحة والعبث الحياتي وضغوطها ينبغي أن نختار،بين الصحة والانحراف السلوكي والغذائي ينبغي أن نختار،الصحة لا تنمو إلا في بيئة إيمانية وقائية سليمة بما للإيمان والبيئة والوقاية والسلامة من معنى،وعجبا لأمر البشرية فقد عرف تاريخها أمراضا فتاكة فقامت بجهود عالمية تضامنية للقضاء عليها وباللقاحات الأساسية المعروفة إلى اليوم،فما بالها اليوم تقوم بإنتاج الضغوطات والتوترات وغيرها من الانحرافات والعادات المهلكة للصحة،عجزت كل الأجساد العليلة عن مقاومة أسقامها وكل المحيطات المهترءة عن استيعاب نتوءاتها،وبقيت كل الإنسانية مع الأسف تتفرج وتساهم في هذا الدمار والانفجار،أيها العالم لقد قالها الحكماء من قبلي وسيقولها الناس معي و من بعدي:" درهم وقاية خير من قنطار علاج.. درهم وقاية خير من قنطار علاج"،ومن ابتلي منكم بداء فليتداوى فالذي أنزل الداء من رحمته أنزل الدواء،ولا تنسوا في تداويكم ما ترونه قد صح من تأملات وإشارات سابقة من الله بها علي في محنتي فكانت سبب علاجي وراحتي والحمد لله فأحببت أن أقاسمكم إياها لعلها تكون لنا عند كل استشفاء هدي وهدى و خير منارة؟؟.وهنا صاح القوم من حولي:"لقد تداوينا يا حكيم.. لقد تداوينا يا حكيم"،أفقت من غفوتي فرأيت القوم فعلا قد تداووا وصحوا وما بهم من أسقام ولا علل،دليل واحد أقنعني بنهاية حلمي فأيقظني وقطع كل شكوكي،وهو أنني أرى كل القوم فعلا أصحاء وصاحون وهم الآن يحملون العصي الرياضية و يمتطون ظهور الفرسان الدهم في سباق دولي محموم رأيت العم سعيد حكمه ورأيتني شيخ "السربات"،وكلنا أبطال حقيقيون يلعبون"الكولف" و"التبوردة" في"أولاد حدو"،وما أدراك ما "الكولف" و"التبوردة" في"أولاد حدو"؟؟.